كيف نعالج حديثُ النفس والأفكارَ المؤذية؟

السلام عليكم، انا مبتلى بحديث النفس وخواطر لو عذبت بقعر جهنم لكان اقل الجزء بحق هذه الافكار، قرأت ان حديث القلب لا حساب عليه لكنها اهلكتني وانا محرج من الله ورسوله وعترته صلى الله عليهم احاول تجاهلها والاستعاذة من الشيطان الرجيم لكنها ارتبطت بالاعمال الواجبة والمستحبة ولي فترة قريبة منذ التزامي ومنها بدأ حديث النفس هذا واحاول قدر المستطاع ان لا اترك الاعمال . فهل حقًا لا يؤاخذني الله عليها ومالحل ?

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  أجبنا فيما سبقَ عن أسئلةٍ مُشابهةٍ منشورةٍ على صفحةِ مركزِ الرّصدِ العقائديّ تحتَ عنوانِ (كيفَ نعالجُ الوساوسَ والأفكارَ المؤذية) وكذلكَ تحتَ عنوان (كيفَ اتخلّصُ منَ الوساوسِ الشيطانيّةِ والشكِّ بالقرآنِ والدين) ونضيفُ هُنا بعضَ النقاطِ المُتعلّقةِ بهذا السؤال. نستخلصُ مِن هذا السؤالِ عدّةَ أمورٍ: الأوّلُ: يعاني السائلُ مِن إضطرابٍ نفسيّ سبّبَ لهُ ألماً شديداً إلى درجةِ أنّه قالَ: (لو عُذّبتُ بقعرِ جهنّمَ لكانَ أقلَّ) ثانياً: حاولَ السائلُ التخلّصَ مِن هذهِ الوسوسةِ مِن خلالِ تجاهلِها والاستعاذةِ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم، وذلكَ في قولِه: (أحاولُ تجاهلها والاستعاذةَ منَ الشيطانِ الرجيم) ثالثاً: يبدو أنَّ السائلَ حديثُ عهدٍ بالالتزامِ الدينيّ، وذلكَ مِن قوله: (ولي فترةٌ قريبةٌ منذُ التزامي) رابعاً: يُعاني السائلُ مِن أفكارٍ سلبيّةٍ ووساوسَ تتعلّقُ باللهِ ورسولِه وأهلِ بيته، وقد عبّرَ عن ذلكَ بقولِه: (وأنا مُحرَجٌ منَ اللهِ ورسولِه وعِترتِه)، كما يُعاني أيضاً مِن وساوسَ لها علاقةٌ بالعباداتِ والأحكامِ الشرعية، وذلكَ في قوله: (ارتبطت بالأعمالِ الواجبةِ والمُستحبّة) سوفَ نعملُ على أن تكونَ الإجابةُ مستوعبةً لكلِّ النقاطِ السابقة. منَ المؤكّدِ أنَّ الإنسانَ لا يتألّمُ مِن وسوسةِ الشيطانِ إلّا إذا كانَت تلكَ الوسوسةُ على خلافِ ما يعتقدُ به، وهذا مؤشّرٌ إيجابيّ يدلُّ على أنَّ صاحبَه ما زالَ يتمتّعُ بفطرةٍ وقلبٍ سليمين، وإذا جازَ لنا تشبيهُ ذلكَ فيمكنُنا أن نُشبّهَه بجهازِ المناعةِ في جسمِ الإنسان، فعندَ دخولِ أيّ جسمٍ غريبٍ تتحرّكُ تلكَ المناعةُ لطردِه ومُحاربتِه، الأمرُ الذي يتسبّبُ في بعضِ الآثارِ الجانبيّةِ مثل ارتفاعِ حرارةِ الجسمِ والشعورِ بالصّداع، إلّا أنَّ ذلكَ يُعدُّ مؤشّراً إيجابيّاً يدلُّ على سلامةِ جهازِ المناعة، والحالُ نفسُه يحدثُ عندَ دخولِ أفكارٍ سلبيّةٍ إلى قلبِ الإنسان، فإذا استقبلَها الإنسانُ برضىً وقبولٍ فإنَّ ذلكَ يدلُّ على أنَّ قلبَه مختومٌ، وعقلهُ مُنحرفٌ، وفطرتهُ ممسوخة، أمّا إذا عملَ على رفضِها ومقاومتِها ولم يسمَح بهيمنتِها عليهِ فإنَّ ذلكَ يؤكّدُ على أنَّ قلبَه ما زالَ يعشقُ الإيمان، قاَل تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِم وَعَلَىٰ سَمعِهِم ۖ وَعَلَىٰ أَبصَارِهِم غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ)، ومِن معاني الختمِ على القلبِ أن يرى الحقَّ باطِلاً والباطلَ حقّاً، فيصبحُ التذكيرُ باللهِ هوَ الذي يزعجُه وليسَ العكسُ قالَ تعالى: (وَجَعَلنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِم وَقرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرتَ رَبَّكَ فِي القُرآنِ وَحدَهُ وَلَّوا عَلَىٰ أَدبَارِهِم نُفُورًا)   وممّا لا شكَّ فيه أيضاً أنَّ تجاهلَ هذهِ الوساوسَ والاستعاذةَ باللهِ تعالى منَ العلاجاتِ الناجحةِ لها، إلّا أنَّ كلَّ واحدٍ مِنها له شروطٌ وآليّاتٌ خاصّة، فالتجاهلُ قد لا يكونُ ناجِحاً ما لم يقِف الإنسانُ أوّلاً على مُحفّزاتِ تلكَ الوساوس، فقد لا يفيدُه التجاهلُ ما لم يعمَل على مُعالجةِ تلكَ المُحفّزات، فمثلاً قد تكونُ مُحفّزاتُ تلكَ الوساوسِ هوَ وجوده في مكانٍ مُعيّن، أو إذا كانَ برفقةِ جماعةٍ مُعيّنة، أو إذا كانَ مُجهَداً بدنيّاً أو إذا كانَ كثيرَ السهرِ أو كانَ كثيرَ التشاؤمِ أو سريعَ التأثّرِ والانفعالِ، أو غير ذلك، فحينَها لا ينفعُه التجاهلُ إذا لم يتخلّص مِن تلكَ المُحفّزات، كما أنَّ التجاهلَ يحتاجُ إلى تكنيكٍ خاصٍّ وكلُّ إنسانٍ يجبُ أن يكتشفَ التكنيكَ الذي يناسبُه، وهناكَ بعضُ الآليّاتِ التي يذكرُها الأطبّاءُ النفسيّونَ يجبُ التعرّفُ عليها. أمّا الاستعاذةُ فيجبُ أن تكونَ استعاذةً عمليّةً وليسَت مُجرّدَ قولٍ باللسان، كما أشرنا لذلكَ في إجابةٍ سابقةٍ، حيثُ قُلنا هناك: (إنَّ الاستعاذةَ يجبُ أن تكونَ حقيقيّةً وليسَت مُجرّدَ لقلقةٍ باللسانِ، فحقيقةُ الاستعاذةِ تعني أن تكونَ بجانبِ اللهِ تعالى، وحتّى يُحقّقَ الإنسانُ ذلكَ يجبُ أن يراهُ اللهُ في المواطنِ التي يحبُّ أن يراهُ فيها، فالبعدُ عن المعاصي ومُصاحبةُ الأخيارِ والحضورُ في أماكنِ العبادةِ يبعدُ الإنسانَ كثيراً عن بيئةِ الشيطانِ ويجعلهُ قريباً منَ اللهِ تعالى)وقد صرّحَ السائلُ بأنّه حديثُ عهدٍ بالتديّن، ممّا يجعلهُ أكثرَ عُرضةً للشيطانِ، فإنّه لن يتركَ وسيلةً حتّى يعيدَه إلى سيرتِه الأولى، وهُنا ننصحُه بأمرين، الأوّلُ وهوَ التمسّكُ القويُّ بالسّببِ الذي دعاهُ للتديّنِ، فهوَ لم يتديَّن إلّا لأسبابٍ دعَته إلى ذلك، فقد تكونُ هذه الأسبابُ عبارةً عن صحوةِ ضميرٍ، أو تفكيرٍ عميق، أو عواملَ خارجيّة، أو أيّ سببٍ آخر، المهمُّ يجبُ عليه معرفتُها والتمسّكُ بها جيّداً؛ لأنّها تعدُّ سلاحاً قويّاً مكّنَه مِن كسرِ شوكةِ الشيطانِ عندَما قرّرَ أن يلتزمَ بدينِه، وسوفَ تساعدُه أيضاً في الحفاظِ على تديّنِه. الأمرُ الثاني: هو التعمّقُ أكثر في دينِه وطلبُ العلمِ الشرعيّ بالوقوفِ على أدلّةِ العقائدِ وبراهينِها، والوقوفُ على حِكمِ التشريعِ وفلسفةِ الأحكام، وبذلكَ يقفلُ الطريقَ أمامَ تشكيكاتِ الشيطانِ ووسوستِه، فعندَما يتحصّنُ الإنسانُ علميّاً يصعبُ على الشيطانِ أن يخدعَه مِن خلالِ إثارةِ الشبهاتِ والتشكيكات، وإن كانَ بالإمكانِ أن يأتيهِ مِن أبوابٍ أخرى، فالشيطانُ يستهدفُ الإنسانَ مِن خلالِ عواملِ ضعفِه.ولكي نتعرّفَ على مسؤوليّةِ الإنسانِ اتّجاهَ ما يحدّثُ به نفسَه منَ الذنوبِ والأفكارِ الباطلةِ، لابدَّ أن نشيرَ إلى أنَّ بعضَها يتعلّقُ بالجانبِ العمليّ والسلوكيّ، وبعضها يتعلّقُ بالجانبِ الفكريّ والنظريّ، وقد فرّقَ بعضُهم بينَ الذنوبِ التي تتعلّقُ بالجوارحِ كاللسانِ والعينِ والأذنِ والفرجِ واليدِ والرجل، وبينَ الذنوبِ التي تتعلّقُ بالعقلِ والقلبِ كالإيمانِ والكُفرِ والحسدِ والكِبرِ وما شابهَها، فاذا حدّثَ الإنسانُ نفسَه بمعصيةٍ مثلَ الزّنا أو السرقةِ أو غيرِ ذلك لا يحاسبُ عليها طالما لم تتعدَّ حدودَ كونِها خاطرةً في النفسِ، بخلافِ معاصي القلبِ والعقلِ فإنّه مُحاسبٌ عليها حتّى وإن لم يَبُح بها، فمَن اعتقدَ في نفسِه بالكُفرِ أو الشركِ أو بأيّ عقيدةٍ باطلةٍ فإنّه مُحاسبٌ عليها حتّى وإن لم يُصرِّح بها علناً، أمّا إذا كانَت تلكَ الأفكارُ عبارةً عن وسوسةٍ قهريّةٍ معَ رفضِ الإنسانِ لها وعدمِ موافقتِه عليها وتصريحِه بخلافِها فإنّه في هذهِ الحالةِ لا يكونُ مُحاسَباً كما صرّحَت الرواياتُ، فقد رويَ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (لكلِّ قلبٍ وسواسٌ، فإذا فتقَ الوسواسُ حجابَ القلبِ نطقَ به اللسانُ وأخذَ به العبدُ، وإذا لم يفتِق القلبَ ولم ينطِق به اللسانُ فلا حرَج).