شُبْهَةٌ حَوْلَ طَهَارَةِ فَضَلَاتِ الأَئِمَّةِ (ع).

عِمْرَانُ:      إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).      جَاءَ هَذَا الحَدِيثُ أَوْ الآثَارُ بِرِوَايَتَيْنِ:      الأُولَى: مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِ، عَنْ الأَسْودِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نبيحٍ العنزِيِّ، عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ، قَالَتْ: {قَامَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ اللَّيْلِ إِلَى فَخارَةٍ فِي جَانِبِ البَيْتِ فَبَالَ فِيهَا، فَقُمْتُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا عَطْشَانَةٌ، فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا وَأَنَا لَا أَشْعُرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: يَا أُمَّ أَيْمَنَ قُومِي فَأَهْرِيقِي مَا فِي تِلْكَ الفَخارَةِ. قُلْتُ: قَدْ وَاللهِ شَرِبْتُ مَا فِيهَا. قَالَتْ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّهُ لَا تبجعَنَّ بَطْنُكِ أَبَدًا}.      وَأَبُو مَالِكٍ ضَعِيفٌ، وَنبيحٌ لَمْ يَلْحَقْ أُمَّ أَيْمَنَ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جَرِيجٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَبُولُ فِي قَدَحٍ مِنْ عِيدَانٍ، ثُمَّ يُوضَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَجَاءَ فَإِذَا القَدَحُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا بَرَكَةُ، كَانَتْ تَخْدِمُ أُمَّ حَبِيْبَةَ جَاءَتْ مَعَهَا مِنْ أَرْضِ الحَبَشَةِ: أَيْنَ البَوْلُ الَّذِي كَانَ فِي القَدَحِ؟ قَالَتْ: شَرِبْتُهُ، قَالَ: صِحَّةٌ يَا أُمَّ يُوسُفَ. وَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ يُوسُفَ، فَمَا مَرِضَتْ قَطُّ حَتَّى كَانَ مَرَضَهَا الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ}.  قَالَ الأَلْبَانِيُّ: ضَعِيفٌ فِي "السِّلْسِلَةِ الضَّعِيفَةِ وَالمَوْضُوعَةِ" (3 / 329).  وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ ابْنِ جَرِيجٍ، عَنْ حَكِيمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمَيْمَةَ بِنْتِ رقِيقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ.  هَذَا مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حَبَّانَ وَالحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا، وَهَذَا الحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رقِيقَةَ وَعَنْهَا ابْنَتُهَا حَكِيمَةُ، وَهَذِهِ حَكِيمَةُ بِنْتُ أُمَيْمَةَ لَا تُعْرَفُ كَمَا ذَكَرَهُ هَذَا الحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ، وَلِهَذَا يَكُونُ الإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ حَكِيمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ، وَهَذهِ الأثَارُ قَدْ ضَعَّفَها القطَّانُ فِي كِتَابِهِ "الوَهْنِ والإِيهَامِ".  وَقَدْ جَاءَ مَا يُعَارِضُ هَذَهِ الآثَارَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا، مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ "عَنْ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: لَا يُنَقَّعُ بَوْلٌ فِي طَسْتٍ فِي البَيْتِ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنْتَقِعٌ، وَلَا تَبُولَّنَ فِي مُغْتَسَلِكَ. رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ فِي الأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الإِسْنَادِ".  وَالحَدِيثُ الآخَرُ "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ".  الخُلَاصَةُ: أَنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ لَا تَثْبُتُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ البَشَرِ، فَهُوَ خَيْرُهُمْ وَلَهُ خَصَائِصُ لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرُهُ وَلَا يُنَازِعُ فِي هَذَا مُسْلِمٌ.  وَالرَّوَافِضُ يَسْتَدِلُّونَ بِبَعْضِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالمَوْضُوعَةِ عَلَى جَوَازِ شُرْبِ بَوْلِ الأَئِمَّةِ وَأَكْلِ غَائِطِهِمْ، وَأَنَّ رِيحَهُمْ كَالمَسْكِ!!  لَيْسَ فِي بَوْلِ الأَئِمَّةِ وَغَائِطِهِمْ اسْتِخْبَاثٌ وَلَا نَتْنٌ وَلَا قَذَارَةٌ، بَلْ هُمَا كَالمَسْكِ الأَذْفَرِ، بَلْ مَنْ شَرِبَ بَوْلَهُمْ وَغَائِطَهُمْ وَدَمَهُمْ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ وَاسْتَوْجَبَ دُخُولَ الجَنَّةِ". (أَنْوَارُ الوِلَايَةِ لِآيَةِ اللهِ الآخُوند مُلَّا زَيْنِ العَابِدِينَ الكُلْبَايكَانيِّ 149 هُ، ص 44).

: اللجنة العلمية

     الأَخُ عِمْرَانُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     نَقُولُ فِي الرَّدِّ عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ: إِنَّ حُكْمَ الأَمْثَالِ فِيمَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ وَاحِدٌ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ طَهَارَةُ دَمِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَسَائِرُ فَضَلَاتِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاؤُهُمْ، فَمَا هُوَ الضَّيْرُ أَنْ يَثْبُتَ هَذَا المَوْضُوعُ لِلأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) إِذَا تَوَفَّرَتِ الأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ، فَالقَضِيَّةُ لَيْسَتْ مُمْتَنِعَةً عَقْلًا حَتَّى يُقَالَ بِاسْتِحَالَتِهَا، وَلَيْسْتَ مُخَالِفَةً لِلضَّرُورَةِ شَرْعًا حَتَّى يُقَالَ بِعَدَمِ قَبُولِهَا، بَلْ هِيَ تَتْبَعُ النُّصُوصَ وَالإِسْتِفَادَةَ مِنْهَا لَا أَكْثَرَ.

     وَإِلَيْكَ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِهَا فِي حَقِّ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ:

     قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ البَارِي": (وَالْحَقُّ أَنَّ حُكْمَهُ [أَيْ النَّبِيُّ ص] حُكْمُ جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ فِي الأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ إِلَّا فِيمَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الأَدِلَّةُ عَلَى طَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ، وَعَدَّ الأَئِمَّةُ ذَلِكَ فِي خَصَائِصِهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ الأَمْرُ بَيْنَ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى القَوْلِ بِالطَّهَارَةِ). انْتَهَى [فَتْحُ البَارِي 1: 237].

     وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي "رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ": (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الضَّرْبِ، أَنَّ شَعْرَهُ طَاهِرٌ عَلَى المذْهَبِ وَإِنْ نَجَّسْنَا شَعْرَ غَيْرِهِ، وَأَنَّ بَوْلَهُ وَدَمَهُ وَسَائِرَ فَضَلَاتِهِ طَاهِرَةٌ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ. [رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 5: 160].

 وَقَالَ في "المَجْمُوعِ": (وَحَدِيثُ شُرْبِ الْمَرْأَةِ الْبَوْلَ صَحِيحٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَافٍ فِي الإِحْتِجَاجِ لِكُلِّ الْفَضَلَاتِ قِيَاسًا). [المَجْمُوعُ 1: 234].

 وَعَنْ ابْنِ حَجَرٍ الهَيْتَمِيِّ فِي "تُحْفَةِ المُحْتَاجِ": (وَاخْتَارَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَمُتَأَخِّرُونَ طَهَارَةَ فَضَلَاتِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). انْتَهَى [تُحْفَةُ المُحْتَاجِ بِشَرْحِ المِنْهَاجِ، كِتَابُ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ، ص 101].

 بَلْ هُنَاكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ حَكَمَ بِتَعَدِّي الطَّهَارَةِ إِلَى فَضَلَاتِ سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ، كَالزَّرْكَشِيِّ.

 فَقَدْ جَاءَ فِي "فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ" مَا نَصُّهُ.

 (سُئِلَ) هَلْ الْمُعْتَمَدُ نَجَاسَةُ فَضَلَاتِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَغَيْرِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ طَهَارَتُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْعُمْرَانِيُّ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَالشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْإسْفَرايِينِيُّ وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَبِهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَلْقَى اللهَ بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا أَقُولُ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ). انْتَهَى [فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ فِي فُرُوعِ الفِقْهِ الشَّافِعِيِّ، ص 41].

 وَبِلِحَاظِ مَا تَقَدَّمَ نَقُولُ: بَعْدَ أَنْ صَرَّحَ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِطَهَارَةِ دَمِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَفَضَلَاتِهِ، فَأَيُّ مَجَالٍ يَبْقَى للتَّشْنِيعِ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ.. فَالمُشَنِّعُ إِنَّمَا يُشَنِّعُ عَلَى مَرْوِيَّاتِهِ وَعُلَمَائِهِ القَائِلِينَ بِذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي مَرْوِيَّاتِنَا أَوْ أَقْوَالِ عُلَمَائِنَا مَنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ دَمِ الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) أَوْ طَهَارَةِ فَضَلَاتِهِمْ، اسْتِنَادًا لِإِطْلَاقِ آيَةِ التَّطْهِيرِ أَوْ غَيْرِهَا، فَهُوَ لَمْ يُخَالِفْ الإِسْتِفَادَةَ المُتَقَدِّمَةَ لِعُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ الأَدِلَّةِ لِطَهَارَةِ دَمِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَفَضَلَاتِهِ، فَإِنَّ حُكْمَ الأَمْثَالِ فِيمَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ.

 وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.