هل الإمامان الحسن والحسين (ع) شاركا في الفتوحات؟ وإذا لم يشاركا ماهو السبب؟ ومن هم الذين نفذوا بشارة النبي (ص) وفتح الله على أيديهم فارس والروم؟ من الذي نشر الإسلام في أفريقيا ودول أوربا وغيرها من البلاد؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله

هناكَ بعضُ الروايات التي تشير إلى مشاركة لإمام الحسن وأخيه الحسين (عليهما السلام) في غزو شمال افريقيا سنة 26هـ وغزو طبرستان وخراسان سنة 30هـ في أيام الحاكم الأموي عثمان بن عفان، وقد ورد ذلك في كتاب (تاريخ الأمم والملوك) للطبري المتوفى سنة 310، وأوردها إبن خلدون في كتابه العبر والمتوفى سنة 808هـ، وأخذها عنهم أغلب المؤرخين، ولم يروها المؤرخون الذين سبقوا الطبري كابن سعد في الطبقات، واليعقوبي في تاريخه، أو المعاصرين له كابنِ أعثم في فتوح البلدان والمسعودي في مروج الذهب. كما لم تروها كتب الشيعة المعتمدة كالإرشاد للشيخ المفيد، والمناقب لابن شهراشوب وغيرهما.

فقد جاء في تاريخ الطبري ج 3، ص 323 في حوادث سنة 30 ه طبعة مصر، إنهم اشتركوا في فتح طبرستان مع سعيد بن العاص، وأسند الرواية إلى حنش بن مالك التغلبي بثلاث وسائط، وهو يتحدث عن سنة 26هـ وقد توفي عام 310هـ، فهناك قطعٌ في سلسلة الرواة التي يجب أن تتضمن تسع أو عشر وسائط، مضافاً إلى معارضتها بالرواية الثانية التي يذكرها الطبري نفسه عن فتح طبرستان وبالإسناد نفسه (عن حنش بن مالك) لم يذكر فيها مشاركة الإمامين (عليهما السلام). واما إبن الاثير فقد نقل الخبر في كتابه الكامل في التاريخ 2/248، طبع بيروت ولكنه نقله من دون ذكر السند. وأمّا اليعقوبي في تاريخه فلم يذكرها، وكذلك المسعودي صاحب مروج الذهب.

أمّا رواية ابن خلدون التي أوردها في تاريخه جـ2 ص128 والتي ذكرت اشتراك الإمامين في غزو إفريقيا سنة (26هـ) مرسلة ولم تسند إلى راوٍ أو كتاب، مع أنّ ابن خلدون توفي سنة 808هـ بعد ثمانية قرون تقريباً من الغزوة، فهي رواية ساقطة لا سند لها، ولا يمكن الإعتماد عليها، علماً بأنّ الطبريّ أورد ذات الرواية ولم يذكر اشتراك الحسنين في الغزو. كما أنّ ابن خلدون لم يذكر في روايته عن فتح خراسان أو طبرستان اشتراك الإمامين رغم ذكره الغزوة وتفصيله في المناطق التي وصلها الفتح.

كلّ ذلك يجعل مشاركة الإمامين الحسن والحسين (عليهم السلام) مشكوك فيها ولا يمكن القطع بحدوثها، والذي يؤكد ذلك موقفهما من شرعية الخلافة واعتراضهما مع أبيهما أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما جرى من اغتصاب الخلافة.

 أمّا لمن يعود الفضل في فتح بلاد فارس، فإنّ جوابه نجده عند أمير المؤمنين (عليه السلام) بكشفه عن السبب وراء تدافع القوم على فتح البلدان، فقد جاء في شرح النهج: 20 / 298 بقوله عندما قال له قائل: (يا أميرَ المؤمنين أرأيت لوكان رسول الله صلى الله عليه و آله ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت، ولو لا أن قريشاً جعلت أسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلماً إلى العز والأمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدّت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكرًا، ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرَت بعد الفاقة، وتموّلت بعد الجَهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لو لا أنه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوت وصيته، حتى أكل الدهر علينا و شرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممّن يعرف، ونشأ كثير ممّن لا يعرف.

وما عسى أن يكون الولد لو كان! إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القُرْب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لوكان له ولد هل كان يفعل ما فعلت! وكذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.

اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة، ولا علوّ الملك والرياسة، وإنما أردتُ القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك)

فبشارة رسول الله بفتح بلاد فارس تتنبأ بما سوف يقع ولا علاقة لها بشرعية الخلفاء ولا بسلامة نية الفاتحين فقد تكون نياتهم خالصة وقد تكون دوافعهم الملكُ والسلطان وبسط النفوذ والهيمنة، والله وحده هو العالم بحال القلوب؛ بل حتى من حارب بين يدي رسول الله قد يكون قتاله لأمر في نفسه كما هو حال شهيد الحمار.