من هم الأبدالَ المحيطين بالامام الحجة (ع)

نسمعُ مِن بعضِ الخطباءِ ومِن غيرِهم كلاماً عن الأبدالِ، وأنّهم حاليّاً يحيطونَ بالإمامِ (عج)، وهُم مكلّفونَ بقضاءِ حوائجِ المؤمنين، ويشكّلونَ حكومةَ الظلِّ للإمام (عج)، وعددُهم ثلاثون، وإذا ماتَ أحدُهم حلَّ شخصٌ آخر مكانَه...، وهذا الاختيارُ مِن عامّةِ النّاسِ يكونُ عَن طريقِ المهديّ (عج)، ...، ويروونَ حديثاً مضمونه: (ما بثلاثينَ مِن غُربة) ، والمقصودُ الأبدالَ، راجينَ منكم توضيحَ الموضوع، وبيانَ صحّته، وهل هناكَ أحاديثُ عَن أهلِ البيتِ عليهم السّلام تتعلّقُ بالأبدال؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : سيكونُ مِن شقّين: أحدُهما في الأبدالِ، والآخرُ في الرّواياتِ الواردةِ عن أئمّةِ أهلِ البيت عليهم السّلام في هذا الصّدد.  

فأمّا الشقُّ الأوّل، فإنّ الأبدالَ: جمعُ بدلٍ أو بديل، وهم أشخاصٌ إذا ماتَ منهم واحدٌ بدّلَ اللهُ مكانَه آخر، وأكثرُ الأخبارِ التي وردَ فيها ذكرُ الأبدالِ إنّما هيَ في مصادرِ أهلِ السنّة، ولكن تارةً يردُ أنّ عددَهم ثلاثينَ وتارةً أربعين، وتارةً سبعين. وفي بعضِها اختلافٌ في المتون. وقد ضعّفَها بعضُهم، بل عدّها ابنُ الجوزيّ من الموضوعاتِ كما في (ج3/ص152) في بابِ عددِ الأولياء، وذكرَ فيهِ جملةً منَ الأحاديثِ، وقالَ في آخره: ليسَ في هذهِ الأحاديثِ شيءٌ يصح. وتابعَه محمّد رشيد رضا في مجلّةِ المنار، فقالَ: إنّ هذهِ الأحاديثَ باطلةٌ روايةً ودراية. (سنداً ومتناً)، وإنّما راجَت في الأمّةِ بعنايةِ المتصوّفة، وقد ذكرَها الحافظ ابنُ الجوزي في الموضوعاتِ وطعنَ فيها واحداً بعدَ واحد.  

ولكن يمكنُ التعقيبُ على ذلك، بأنّ لفظَ الأبدالِ قد وردَ أيضاً في مصادِرنا إمّا نقلاً عن العامّة، وإمّا نقلاً عن أئمّةِ الهُدى صلواتُ اللهِ عليهم الذينَ ذكروا بأنّ الأبدالَ هُم الأوصياء، ففي كتابِ الاحتجاجِ تحتَ عنوانٍ (نادرٍ في أنّ الأبدالَ هُم الأئمّةُ عليهم السلام) عن خالدٍ بنِ الهيثم الفارسيّ قالَ: قلتُ لأبي الحسنِ الرّضا عليه السّلام: إنّ الناسَ يزعمونَ أنَّ في الأرضِ أبدالاً فمَن هُم هؤلاءِ الأبدال؟ قال: صدقوا، الأبدالُ الأوصياءُ، جعلهم اللهُ عزّ وجلّ بدلَ الأنبياء، إذ رفعَ الأنبياءَ وختمَهم بمحمّدٍ صلّى اللهُ عليه وآله)).وقد علّقَ العلّامةُ المجلسيّ رحمهُ اللهُ في بحار الأنوار (ج27/ص50)، على هذا الخبرِ بقولِه:  

بيان : ظاهرُ الدّعاء المرويّ مِن أمّ داودَ عنِ الصّادقِ عليهِ السّلام في النصفِ مِن رجب حيثُ قال : (اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد، وارحَم محمّداً وآل محمّد، وبارِك على محمّدٍ وآلِ محمّد، كما صليتَ ورحمتَ وباركتَ على إبراهيم وآل إبراهيم إنّكَ حميدٌ مجيد اللهمّ صلِّ على الأوصياءِ والسّعداءِ والشهداءِ وأئمّةِ الهُدى، اللهمَّ صلّ على الأبدالِ والأوتادِ والسيّاحِ والعبادِ والمخلصينَ والزهّادِ وأهلِ الجدِّ والاجتهاد ) إلى آخر الدّعاء، يدلُّ على مغايرةِ الأبدالِ للأئمّةِ عليهم السّلام، لكن ليسَ بصريحٍ فيها، فيمكنُ حملهُ على التأكيد. ويُحتملُ أن يكونَ المرادُ به في الدّعاءِ خواصُّ أصحابِ الأئمّةِ عليهم السلام، والظاهرُ منَ الخبرِ نفيُ ما تفتريه الصوفيّةُ منَ العامّة، كما لا يخفى على المُتتبّعِ العارفِ بمقاصدِهم عليهم السلام.  

وأمّا الشقُّ الثاني منَ الجواب، فنقولُ: لقد وردَ أنّ للإمامِ المهدي (عج) مجموعةً منَ الصّالحين يرافقونَه وعددُهم ثلاثونَ شخصاً، إذ وردَ عن الإمامِ الباقر (عليه السّلام): لابدَّ لصاحبِ هذا الأمرِ مِن عُزلة، ولابدَّ في عُزلتِه مِن قوَّة، وما بثلاثينَ مِن وحشة، ونعمَ المنزلُ طيبة. [الغيبةُ للشيخ الطوسي: ص١٦٢، ح١٢١]  

وفي روايةٍ أخرى عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام) أنَّه قال: لابدَّ لصاحبِ هذا الأمرِ مِن غيبة، ولابدَّ له في غيبتِه مِن عُزلة، ونعمَ المنزل  طيبة، وما بثلاثينَ مِن وحشة. [الغيبةُ للنّعماني: ص١٩٤، ب١٠، ف٤، ح٤١].  

فهذه الرّواياتُ تشيرُ إلى مَن يرافقُ الإمامَ (عج) ويردّ عنهُ وحشةَ الغُربة والوحدة.  

وفي بعضِ الرّواياتِ أنَّ الخضرَ (عليه السّلام) ممَّن لهُ مهمّةُ مرافقةِ الإمامِ (عجّلَ اللهُ فرجه)، فعنِ الحسنِ بنِ عليِّ بن فضّال، قالَ: سمعتُ أبا الحسنِ عليّاً بنَ موسى الرّضا (عليهما السّلام) يقولُ: إنَّ الخضرَ (عليه السّلام) شربَ مِن ماءِ الحياة، فهوَ حيٌّ لا يموت حتَّى يُنفخَ في الصّور، وإنَّه ليأتينا فيُسلِّمُ فنسمَعُ صوتَه ولا نرى شخصَه، وإنَّه ليحضرُ حيثُما ذُكِرَ، فمَن ذكَره منكم فليُسلِّم عليه، وإنَّه ليحضرُ الموسمَ كلَّ سنةٍ فيقضي جميعَ المناسِك، ويقفُ بعرفةَ فيُؤمِّنُ على دعاءِ المؤمنين، وسيؤنسُ اللهُ بهِ وحشةَ قائمِنا في غيبتِه، ويصلُ بهِ وحدتَه. [كمالُ الدّينِ وتمامُ النّعمة للشيخِ الصّدوق: ص٣٩٠ و٣٩١، ب٣٨، ح٤]  

فإذا تبيّنَ ما تقدّم، فإنّ الرّواياتِ المذكورةَ ليسَ فيها دلالةٌ على أنّ هؤلاءِ الأبدالَ يشكّلونَ حكومةَ الظلّ، وكذلكَ لا دلالةَ فيها على أنّهم مكلّفونَ بقضاءِ حوائجِ المؤمنين، ونحو ذلك.  

ودمتُم سالمين.