لقد ذُكرَت أربعُ نساءٍ هنَّ مِن أفضلِ النساءِ ( فاطمةُ الزهراء ع وخديجةُ الكُبرى وآسيا بنتُ مزاحم ومريمُ العذراء) فقط ولم تُذكَر السيّدةُ زينب ع لماذا؟   

: السيد عبدالهادي العلوي

السّلامُ عليكم ورحمة اللهِ وبركاتُه، 

إنّ الأحاديثَ الواردةَ في فضلِ النساءِ الأربعِة مرويّةٌ بصيغٍ مُتعدّدةٍ، فيستحسنُ ذكرُ جُملةٍ منها:   

1ـ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « أفضلُ نساءِ أهلِ الجنّةِ أربع: خديجةُ بنتُ خويلد، وفاطمةُ بنتُ محمّد، ومريمُ بنتُ عمران، وآسية بنتُ مزاحم امرأةُ فرعون ». [الخصالُ ص205، مسندُ أحمد ج1 ص322]. وفي روايةٍ: « خيرُ نساءِ الجنّة.. ». [الخصالُ ص206]. وفي روايةٍ: « سيّداتُ نساءِ أهلِ الجنّةِ أربع.. ». [المُستدرك ج3 ص185].  

2ـ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « حسبُكَ مِن نساءِ العالمينَ أربع: مريمُ بنتُ عِمران وآسية بنتُ مُزاحِم امرأةُ فرعون وخديجةُ بنتُ خويلد وفاطمةُ بنتُ محمّد ». [مسندُ أحمد ج3 ص135، سننُ الترمذي ج5 ص367، المُستدركُ ج3 ص157، مصنّفُ عبدِ الرزّاق ج11 ص430، المناقبُ لابنِ المغازلي ص283]. وفي روايةٍ: « كفى بكَ مِن نساءِ العالمينَ أربع.. ». [شرحُ الأخبار ج3 ص20].   

3ـ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله): « خيرُ نساءِ العالمينَ أربع: مريمُ بنتُ عمران، وخديجةُ بنتُ خويلد، وفاطمةُ بنتُ محمّد، وآسية بنتُ مزاحم ». [شرحُ الأخبارِ ج3 ص525، صحيحُ ابنِ حبان ج15 ص402، الآحادُ والمثاني ج5 ص364].  

4ـ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « كمُلَ منَ الرجالِ كثير، ولم يكمُل منَ النساءِ إلّا أربع: آسية بنتُ مُزاحم امرأةُ فرعون، ومريمُ ابنةُ عمران، وخديجةُ بنتُ خويلد، وفاطمةُ بنتُ محمّد ». [تفسيرُ الثعلبي ج9 ص353]. وفي روايةٍ: « كمُلَ منَ الرجالِ كثيرٌ ولم يكمُل منَ النساءِ إلّا مريمُ ابنةُ عمران وآسية امرأةُ فرعون ». [فضائلُ الصحابةِ للنسائي ص73].  

5ـ عن النبيّ (صلى اللهُ عليهِ وآله): « أربعُ نسوةٍ ساداتُ عالمهنَّ: مريمُ بنتُ عمران، وآسية بنتُ مزاحم آل فرعون، وخديجةُ بنتُ خويلد، وفاطمةُ بنتُ محمّد، وأفضلهنّ عالماً فاطمة.. ». [تاريخُ دمشق ج70 ص107].  

6ـ عن الإمامِ الكاظمِ (عليهِ السّلام) قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « إنّ اللهَ تباركَ وتعالى اختارَ مِن كلّ شيءٍ أربعة.. واختارَ منَ النساءِ أربعاً: مريمُ، وآسية، وخديجةُ، وفاطمة ». [الخصالُ ص225].   

أقولُ: المُلاحظ أنّ هذهِ الأحاديثَ ـ عدا الحديثَ الأخير ـ مرويّةٌ مِن طرقِ غيرِ الإماميّة، وفي جملةٍ مِن طُرقِها عباراتٌ غيرُ معتبرةٍ عندنا، كتفضيلِ السيّدةِ مريمَ (عليها السّلام) على السيّدةِ الزّهراءِ (عليها السّلام)، أو حشرِ عائشة في ذيلِ بعضِ الأحاديثِ وأنّ فضلها على النساءِ كفضلِ الثريد، مع أنّ ذلكَ لا يدلُّ على أفضليّتِها كما نصَّ غيرُ واحدٍ مِن علماءِ المُخالفينَ كابنِ حجرٍ العسقلانيّ في [فتحِ الباري ج6 ص321].   

ولا شكّ أنّ الحصرَ في جملة مِن هذهِ الأحاديثِ إضافيٌّ لا حقيقيّ، بأن يكونَ الملحوظُ عندَ الخطابِ معرفةُ المُخاطبينَ وعلمُهم بهؤلاءِ النساء، أو ظهورُ كمالهنّ واشتهارها، أو غيرُ ذلك، فإنّا نجزمُ بأنّ مثلَ قولِه (صلّى اللهُ عليه وآله): « ولم يكمُل منَ النساءِ إلّا أربع.. »، وقوله: « ولم يكمُل منَ النساءِ إلّا مريم وآسية » لا يُرادُ بهِ نفيُ وصولِ غيرِ هؤلاءِ النساءِ الأربعِ للكمالِ الإنسانيّ، وإلّا فأينَ السيّدةُ آمنةُ بنتُ وهب (عليها السّلام)؟ وأينَ السيّدةُ فاطمةُ بنتُ أسد (عليها السلام)؟ وأينَ السيّدةُ زينب (عليها السلام)؟ وأينَ السيّدةُ حوّاء أمُّ البشر (عليها السلام)؟ وأينَ؟ وأين؟   

بل والظاهرُ أنّه كذلكَ بالنسبةِ للأحاديثِ الأخرى أيضاً، فإنّ الثابتَ ـ عندنا ـ أنّ سيادةَ وخيريّةَ وأفضليّةَ تلكَ النساءِ الأربع ـ ما عدا السيّدةِ الزهراءِ (عليها السّلام) ـ هي بالنسبةِ لعالمهنّ لا لسائرِ العوالم، روى الصدوقُ في [الأمالي ص187 وغيره] بإسنادِه عن الحسنِ العطار، قال: « قلتُ لأبي عبدِ الله (عليه السّلام): قولُ رسولِ الله: فاطمةُ سيّدةُ نساءِ أهلِ الجنّة، أسيّدةُ نساءِ عالمِها؟ قالَ: ذاكَ مريم، وفاطمةُ سيّدةُ نساءِ أهلِ الجنّةِ منَ الأوّلينِ والآخرين. فقلتُ: فقولُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): الحسنُ والحسينُ سيّدا شبابِ أهلِ الجنّة؟ قالَ: هُما واللهِ سيّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ منَ الأوّلينَ والآخرين ». وروى محمّدٌ بنُ سُليمانَ الكوفيّ في [المناقبِ ج2 ص513] عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أنّه قال: « فاطمةُ سيّدةُ نساءِ العالمين. فما تركَ أن قيلَ له: فمريمُ وآسية؟ فقالَ: تلكَ سيّدةُ نساءِ عالمِها وهذه سيّدةُ نساءِ عالمها »، يعني بتلكَ مريم وبهذهِ آسية، أي: أنّ السيّدةَ الزّهراءَ سيّدةُ نساءِ العالمين بخلافِ السيّدتينِ مريم وآسية فإنّهما سيّدتا نساءِ عالمِهما. ويؤيّدُ ذلكَ ما جاءَ في الحديثِ الخامسِ المُتقدّم.  

وهذه النصوصُ وغيرُها صريحةُ الدلالةِ على اختصاصِ سيادةِ السيّدةِ مريم والسيّدةِ آسية ـ وكذا السيّدةِ خديجة كما في بعضِ الرّواياتِ ـ بالنسبةِ لعالمهنّ، فهذهِ الرواياتُ ليسَت نافيةً لسيادةِ نساءٍ أخريات وأفضليتهنَّ عليهنّ، بخلافِ السيّدةِ فاطمة الزّهراء (سلامُ اللهِ عليها) فإنّها أفضلُ نساءِ العالمينَ منَ الأوّلينَ والآخرين.

ومنَ الواضحِ أنّ السيادةَ والخيريّةَ والأفضليّةَ مقولاتٌ تشكيكيّةٌ ذاتُ مراتبَ كثيرة، فالأنبياءُ والرّسلُ مثلاً وإن كانوا أفضلَ البشرِ ـ معَ ما بينَهم منَ التفاضلِ بنصِّ الذكرِ الحكيم: {تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَىٰ بَعضٍ}ـ إلّا أنّ ذلكَ مُقيّدٌ بغيرِ الأئمّةِ (عليهم السّلام) الذينَ ثبتَت أفضليّتُهم على سائرِ الخلقِ عدا خاتمِ الأنبياء (صلّى اللهُ عليهِ وآله).   

ويُستفادُ مِن بعضِ الرواياتِ أفضليّةُ السيّدةِ فاطمة بنتِ أسد (عليها السلام) على السيّدةِ مريم والسيّدةِ آسية، فقد روى المحدّثونَ بطرقٍ مُتعدّدةٍ حادثةَ ولادةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) في جوفِ الكعبة: « .. فلمّا كانَ بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ انفتحَ البيتُ منَ الموضعِ الذي كانَت دخلَت فيه، فخرجَت فاطمةُ وعليٌّ (عليه السّلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشرَ النّاس، إنَّ اللهَ (عزَّ وجل) اختارني مِن خلقِه، وفضّلني على المُختاراتِ ممّن مضى قبلي، وقد اختارَ اللهُ آسية بنتَ مزاحم فإنّها عبدَت اللهَ سرّاً في موضعٍ لا يحبُّ أن يعبدَ اللهُ فيه إلّا اضطراراً، ومريمُ بنتُ عمران حيثُ اختارَها اللهُ ويسّرَ عليها ولادةَ عيسى، فهزّت الجذعَ اليابسَ منَ النخلةِ في فلاةٍ منَ الأرضِ حتّى تساقطَ عليها رطباً جنيّاً، وإنَّ اللهَ تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كلّ مَن مضى قبلي مِن نساءِ العالمين، لأنّي ولدتُ في بيتِه العتيق، وبقيتُ فيهِ ثلاثةَ أيّامٍ آكلُ مِن ثمارِ الجنّةِ وأوراقها، فلمّا أردتُ أن أخرجَ وولدي على يديّ هتفَ بي هاتفٌ وقال: يا فاطمة، سمّيهِ عليّاً، فأنا العليُّ الأعلى، وإنّي خلقتُه مِن قُدرتي، وعزِّ جلالي، وقسطِ عدلي، واشتققتُ اسمَه مِن اسمي، وأدّبتُه بأدبي، وفوّضتُ إليه أمري، ووقفتُه على غامضِ علمي، ووُلدَ في بيتي.. إلخ ». [الأمالي للطوسي ص706، الأمالي للصّدوق ص194، عللُ الشرائع ج1 ص173، معاني الأخبار ص62، بشارةُ المُصطفى ص26، وغيرُهم].   

وهذهِ الروايةُ ظاهرةٌ في أنّ السيّدةَ فاطمةَ بنتَ أسد (عليها السّلام) تفضّلُ نفسَها على خيرِ النساءِ قبلها، أعني السيّدتين مريم وآسية، وفي بعضِ ألفاظِ الرّوايةِ ما يفيدُ توجّهَ الخطابِ الإلهي المباشرِ للسيّدةِ فاطمة (عليها السلام)، وهيَ مكرمةٌ خطيرةٌ كما لا يخفى.    

وزبدةُ الكلام: أنّ الحصرَ في سيادةِ النساءِ الأربعة (عليهنَّ السّلام) وأفضليتهنَّ وكمالهنَّ حصرٌ إضافيّ لا حقيقيّ، وسيادتهنَّ على نساءِ عالمهنّ لا سائرِ العوالم، والإطلاقُ والعمومُ المُستفادُ مِن تلكَ النصوصِ يمكنُ تقييدُها وتخصيصُها بسيادةِ نساءٍ أخرياتِ وأفضليتهنَّ على نساءِ العالم أو عليهنَّ أيضاً لو ثبتَ بالدّليلِ، عدا الصدّيقةِ الكُبرى فاطمة الزهراء (سلامُ اللهِ عليها) فإنّ سيادتَها وأفضليّتَها مطلقةٌ تشملُ نساءَ الأوّلينَ والآخرين كما صرّحَت الأدلّة.   

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.