لماذا خلق الله الإنسان؟ ولماذا خلق الكافر وهو يعلم أنه لا يؤمن أبدا؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يُعدّ السؤالُ عن سببِ خلق الإنسان واحداً من الأسئلةِ الوجودية الثلاثةِ الحاضرةِ في وعي البشر منذ القدم، هو والسؤال عن مبدأ الخلق ونهايته، وقد نُسِبَ الى أمير المؤمنين عليه السلام قوله: (رحمَ الله امرأ عرفَ من أين وفي أين وإلى أين)، فكلنا قد واجهنا هذا السؤال: لماذا خلقنا الله؟ ومنهُ تتشعبُ جملة من الأسئلة، نحو لماذا خلقَ الله تعالى الكافرَ وهو يعلمُ أنهُ لا يؤمن، فهل خلقهُ ليعذبه؟وقد أشارَ القرآنُ الكريم في عدّة مواطنَ للغايةِ من خلق الإنسان، كقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، الذاريات: 56، والتي صرّح فيها أنّ سببَ الخلق عبادة الثقلين.وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، الطلاق: 12. وبيّن تعالى فيها أنّ سببَ خلق الكون كلهِ ليصلَ الإنسانُ الى مستوى من المعرفة يُدركُ بها أنهُ لا حولَ ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وأنّه لا مؤثرَ في الكون غيره تعالى، فكلّ علم وقدرةٍ ينتهيان إليهِ سبحانه.إلّا أنّ أعمّ الآياتِ التي تناولت الغاية من الخلق هي قولهُ عزّ من قائل: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، هود: 118، 119. فبيّنَ تعالى أنّ سببَ الخلق هو الرحمة، (ولذلك خلقهم) اي للرحمةِ خلقهم.وفي كتاب التوحيدِ للصدوق ص 403، بإسنادهِ الى علي بن سالم عن أبيه عن أبي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سألتهُ عن قول الله عزّ وجل " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ.. الى قولهِ خلقهم، قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمة الله، فيرحمهم". فاتضحَ من ذلك أنّ الله تعالى خلقَ الناسَ جميعَهم ليرحمهم، وهيّأ لهم أسبابَ الهداية كلها، فمن شاء بعد ذلك العصيان فالله سبحانه وتعالى غيرُ مسؤولٍ عن اختياره.واتضحَ كذلك جوابُ السؤالِ المتفرع وهو: لماذا خلقَ الله تعالى الكافرَ وهو يعلمُ أنه لا يؤمن، فهل خلقهُ ليعذبه؟فإنهُ تعالى غنيٌّ عن عذابه، وعلمهُ تعالى باختيارهِ الكفر لا يمنعُ من خلقه واعطائهِ الفرصة، فهو تعالى يعلمُ أيضاً اختيارَ المؤمنِ الطاعة فهل يمنعهُ ذلك من خلقه!