هل هذا الحديثُ صحيحٌ؟ والذي نفسي بيدِه لو فاطمةُ بنتُ محمّدٍ سرقت لقطعتُ يدها.

هل هذا الحديث صحيح روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال : إنما هلك الذين ممن كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إنّ أصلَ الحديثِ صحيح ٌ مرويٌّ في الكتبِ المُعتبرةِ عندَ العامّة، ويظهرُ مِن علمائِنا الأعلامِ أنّه لا غبارَ عليهِ خصوصاً أنّ ما وردَ في متنِه مؤيّدٌ بالشواهدِ القرآنيّةِ والأحاديثِ التي تروى عن المعصومينَ عليهم السلام في خصوصِ تطبيقِ أحكامِ اللهِ تعالى بينَ الناسِ على السواء، فمِن ذلكَ: قولهُ تعالى : ( وَأَقِيمُوا الوَزنَ بِالقِسطِ وَلا تُخسِرُوا المِيزانَ ). وقولهُ تعالى:(النَّفسَ بِالنَّفسِ وَالعَينَ بِالعَينِ )، و ( فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدى عَلَيكُم ). وكذا قولُ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام : « الذَّلِيلُ عِندِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الحَقَّ لَهُ ، وَالقَوِيُّ عِندِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الحَقَّ مِنهُ ». وقولهُ عليهِ السلام : « لو كانَت أموالُهم مالي لساويتُ بينَهم ، فكيفَ وإنّما هيَ أموالُهم »، وغيرُها منَ النصوصِ التي تشيرُ بوضوحٍ إلى العَدلِ والقِسطِ في تطبيقِ أحكامِ اللهِ تعالى وقوانينِه، وعدمِ مُحاباةِ أحدٍ على حسابِ أحدٍ آخر. فإذا تبيّنَ ذلك، فأصلُ هذا الحديثِ يحكي عن امرأةٍ مِن بني مخزوم سرقَت في عهدِ رسولِ الله (ص)، ولـمّا كانَت هذهِ المرأةُ مِن قبيلةٍ معروفةٍ وذاتِ شأنٍ في قريش، أرادَ جماعةٌ مِن كُبراءِ قريش ورجالاتِها أن يشفعوا لهذه المخزوميّة، حتّى لا يُقامَ عليها حدُّ السرقة، فلم يجرؤ أحدٌ مِن قُريش أن يُكلّمَ رسولَ اللهِ (ص) في هذهِ القضيّةِ، فالتمسوا مِن أسامةَ بنِ زيدٍ أن يشفعَ لها عندَ رسولِ اللهِ (ص)، فلـمّا كلَّمَه أسامةُ في ذلكَ، قالَ له رسولُ اللهِ (ص) أتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ؟! ثمَّ قامَ فخطبَ، فقالَ (ص): إنمّا هلكَ الذينَ قبلَكم، أنّهم كانوا إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ أقاموا عليهِ الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمّدٍ سرقت لقطعتُ يدَها. فالحديثُ فيه تحذيرٌ صريحٌ وبيانٌ لأحدِ الأسبابِ الرئيسةِ في هلاكِ الأممِ السابقةِ التي ما كانَت تُطبّقُ أحكامَ اللهِ تعالى بينَ الناسِ على السواء، وإنّما كانَت تُحابي بينَهم على حسبِ المصلحةِ وعلى حسبِ شأنِ القبيلةِ ونحوِ ذلك، ولـمّا كانَ الإسلامُ دِينَ العَدلِ والقِسطِ، وعَدمِ المُحاباةِ لأحَدٍ على حِسابِ أحَدٍ، فقد حدَّ الشَّرعُ الحَكيمُ حُدودًا، ثمَّ أمَرَ الجَميعَ أن يَلتَزِموا بها. وفي الحَديثِ فوائدُ واضحةٌ منها: أنَّ شرَفَ الجاني لا يُسقِطُ الحَدَّ عنه. وأنَّ أحكامَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَستَوي فيها الشَّريفُ والوَضيع. ودمتُم سالِمين.