ما هيَ الكلماتُ التي تابَ اللهُ بها على آدم (ع)؟

:

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، إنَّ الرأيَ المشهورَ والمعروفَ عندَ جمهورِ أهلِ العِلم وخصوصاً المُفسّرينَ مِنهم لمّا عرضوا لقولِه تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرةُ : 37]. هوَ أنّ الكلماتِ التي تابَ اللهُ بها على آدمَ (ع) هيَ أنّه سألَه بحقِّ مُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين ، أن يتوبَ عليه . فتابَ اللَّهُ عليه. وهناكَ عدّةُ رواياتٍ تؤيّدُ ذلك، مِنها: أوّلاً: ما رواهُ الشيخُ الطوسي (ره) عن رجالِه ، عن ابنِ عبّاس قالَ : لمّا خلقَ اللَّهُ آدم - عليهِ السلام - ونفخَ فيهِ مِن روحه ، عطسَ . فألهمَه اللَّهُ أن قالَ : الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين . فقالَ اللَّه : يرحمُك ربُّك . فلمّا أسجدَ لهُ الملائكة، تداخلهُ العُجب . فقالَ : يا رب ! خلقتَ خلقاً هوَ أحبُّ إليكَ مِنّي ؟ فلَم يُجِب . فقالَ ثانيةً . فلم يُجِب . فقالَ الثالثةَ . فلَم يُجِب . ثمَّ قالَ اللَّهُ سُبحانَه: نعم . ولولاهُم ما خلقتُك . فقالَ : يا ربِّ ! فأرنيهم . فأوحى اللَّهُ إلى ملائكةِ الحُجُب : ارفعوا الحُجبَ . فلمّا رُفعَت ، فإذا بخمسةِ أشباحٍ ، قُدّامَ العرش .فقالَ : يا ربِّ ! مَن هؤلاء ؟ قالَ : يا آدم ! هذا مُحمّدٌ نبيّي . وهذا عليٌّ ابنُ عمِّه ووصيُّه . وهذهِ فاطمةُ بنتُ نبيّي . وهذانِ الحسنُ والحُسين ، ابناهُما وولدا نبيّي . ثمَّ قالَ : يا آدم ! هُم وُلدُك .ففرحَ [ آدمُ ] بذلكَ . فلمّا اقترفَ الخطيئةَ ، قالَ : يا ربِّ ! أسألُك بمُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين ، إلَّا غفرتَ لي . فغفرَ له . وهوَ قولهُ تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ . فَتابَ عَلَيهِ . إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » .[ينظر: اليقين في إمرة أمير المؤمنين، 174]. وثانياً: ما رواهُ الشيخُ ابنُ بابويه (ره) - في أماليه ، عن رجالِه ، عن مُعمّرٍ بنِ راشد . قالَ : سمعتُ أبا عبدِ اللَّه الصّادق - عليهِ السلام - يقولُ : أتى يهوديٌّ النبيَّ - صلّى اللَّهُ عليهِ وآله - قالَ : فقامَ بينَ يديه . وجعلَ يحدُّ النظرَ إليه .فقالَ : يا يهودي ! ما حاجتُك ؟قالَ : أنتَ أفضلُ ، أم موسى بنُ عمران النبيّ الذي كلّمَه اللَّهُ وأنزلَ عليهِ التوراةَ والعَصا وفلقَ لهُ البحرَ وظلّلَه الغمام؟ فقالَ لهُ النبيّ - صلّى اللَّهُ عليهِ وآله - : إنّهُ يُكرَهُ للعبدِ أن يُزكّي نفسَه . ولكِن أقول : إنَّ آدمَ لمّا أصابَ الخطيئةَ ، كانَت توبتُه : اللهمَّ إنّي أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ وآلِ مُحمّد إلَّا ما غفرتَ لي . فغفرَها اللَّهُ له . وإنَّ نوحاً لمّا ركبَ السفينة . وخافَ الغرق . قالَ : اللهمَّ إنّي أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ وآلِ محمّد ، لمّا نجّيتَني منَ الغرقِ فنجّاهُ اللَّهُ منه . وإنَّ إبراهيمَ لمّا أُلقيَ في النار ، قالَ : اللهمَّ إنّي أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ وآلِ محمّد ، لما نجّيتَني مِنها . فجعلَها عليهِ برداً وسلاماً . وإنَّ موسى لمّا ألقى عصاهُ .فأوجسَ في نفسِه خيفةً ، قالَ : اللهمَّ أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ وآلِ محمّد ، لما أمَّنتني .فقالَ اللَّهُ - جلَّ جلاله - : لا تخَف ! إنّكَ أنتَ الأعلى .يا يهوديّ ! لو أدركَني موسى ، ثمَّ لم يؤمِن بي وبنبوَّتي ، ما نفعَه إيمانُه شيئاً . ولا نفعَتهُ النبوّةُ. يا يهودي! ومِن ذُرّيّتي المهدي . إذا خرجَ، نزلَ عيسى بنُ مريم ، لنُصرتِه وقدّمَه . وصلّى خلفَه . وثالثاً: في تفسيرِ فُراتٍ بنِ إبراهيم الكُوفي (57): قالَ حدّثنا محمّدٌ بنُ القاسمِ بنِ عبيد . قالَ : حدّثنا الحسنُ بنُ جعفرٍ . قالَ : حدّثنا الحُسينُ بنُ سواد . قالَ : حدّثنا محمّدٌ ابنُ عبدِ اللَّه . قالَ : حدّثنا شجاعٌ بنُ الوليدِ وأبو مليكٍ السكوني . قالَ : حدّثنا سليمانُ ابنُ مهرانَ الأعمش ، عن أبي صالحٍ ، عن ابنِ عبّاس رضيَ اللَّهُ عنه . قالَ : قالَ رسولُ اللَّه - صلّى اللَّهُ عليهِ وآله - : لمّا نزلَت الخطيئةُ بآدم وأُخرجَ منَ الجنّةِ ، أتاهُ جبرئيلُ - عليهِ السلام - فقالَ : يا آدم ! أدعُ ربّكَ . قالَ : يا حبيبي ، جبرئيل ! ما أدعو؟ قالَ : قُل « يا ربِّ ! أسألُك بحقِّ الخمسةِ الذينَ تُخرِجُهم مِن صُلبي ، آخرَ الزمان ، إلَّا تُبتَ عليَّ ورحمتَني » .فقالَ له آدم : يا جبرئيلُ ! « مَن هُم » ؟ سمِّهم لي .قالَ : قُل « اللهمَّ إنّي أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ ، نبيّك ، وبحقِّ عليٍّ ، وصيّ نبيّك ، وبحقِّ فاطمةَ ، بنتِ نبيّك ، وبحقِّ الحسنِ والحُسين ، سِبطي نبيّك ، إلَّا تُبتَ عليّ ، فارحَمني » . فدعا بهنَّ آدم . فتابَ اللَّهُ عليه . وذلكَ قولُ اللَّه تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ . فَتابَ عَلَيهِ » . وما مِن عبدٍ مكروبٍ ، يُخلِصُ النيّةَ ويدعو بهنَّ ، إلّا استجابَ اللَّهُ له .ورابِعاً: في روضةِ الكافي ( 8/305 ) . وفي روايةٍ أخرى : وقولهُ - عزَّ وجل - « فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ » قالَ : سألَه بحقِّ مُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين - عليهم السلام. وخامِساً: في كتابِ الاحتجاجِ ، للطبرسي - رحمَه اللَّه - ( 1/54 ) : وعن مُعمّرٍ بنِ راشد قالَ : سمعتُ أبا عبدِ اللَّه - عليهِ السلام - قالَ : قالَ رسولُ اللَّه - صلّى اللَّهُ عليهِ وآله - : إنَّ آدمَ - عليهِ السلام - لمّا أصابَ الخطيئةَ ، كانَت توبتُه أن قالَ : اللهمَّ إنّي أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ وآلِ مُحمّد لمّا غفرتَ لي . فغفرَ اللَّهُ له.وسادساً: في كتابِ معاني الأخبارِ للصّدوق (ص125، حديث 2) ، بإسنادِه إلى أبي سعيدٍ المدائني ، رفعَه ، في قولِ اللَّه - عزَّ وجل - « فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ». قالَ : سألَه بحقِّ مُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين - عليهم السلام. والصّدوقُ أيضاً في معاني الأخبار (ص108) بإسنادِه إلى مُحمّدٍ بنِ سنان عن المُفضّلِ بنِ عُمر ، عن أبي عبدِ اللَّه - عليهِ السلام - حديثٌ طويل ، فيهِ يقول - عليهِ السلام - بعدَ أن ذكرَ ، أنَّ آدمَ وحوّاءَ ، تمنّيا منزلةَ أهلِ البيت - عليهم السلام - : فلمّا أرادَ اللَّهُ - عزَّ وجل - أن يتوبَ عليهما جاءَهُما جبرئيلُ - عليهِ السلام - فقالَ لهُما : إنّكُما إنّما ظلمتُما أنفسَكُما ، بتمنّي منزلةِ مَن فُضّلَ عليكُما . فجزاؤكما ما قد عُوقِبتُما به منَ الهبوط ، مِن جوارِ اللَّه - عزَّ وجل - إلى أرضِه . فاسألا ربّكُما ، بحقِّ الأسماءِ التي رأيتموها على ساقِ العرش ، حتّى يتوبَ عليكُما .فقالا : اللهمَّ إنّا نسألُك بحقِّ الأكرمينَ عليك ، مُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين والأئمّةِ ، إلَّا تُبتَ علينا ورحمتَنا . فتابَ اللَّهُ عليهما . إنّهُ هوَ التوّابُ الرحيم . وسابعاً: في كتابِ الخِصالِ (ص270) ، عن ابنِ عبّاس . قالَ : سألتُ النبيَّ - صلّى اللَّهُ عليهِ وآله - عن الكلماتِ التي تلقّاها آدمُ ، مِن ربِّه ، فتابَ عليه .قالَ : سألَه بحقِّ مُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين ، إلَّا تُبتَ عليّ .فتابَ عليه . وفي كتابِ الخِصالِ أيضاً (ص304) عن المُفضّلِ بنِ عُمر، عن الصّادقِ ، جعفرٍ بنِ مُحمّد - عليهما السلام . قالَ : سألتُه عن قولِ اللَّهِ تعالى: وإِذِ ابتَلى إِبراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ، ما هذهِ الكلماتُ .قالَ : هيَ الكلماتُ التي تلقّاها آدمُ مِن ربِّه ، فتابَ عليه . وهوَ أنّه قال : يا ربِّ أسألُك بحقِّ مُحمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحُسين ، إلَّا تُبتَ عليّ . فتابَ اللَّهُ عليه . إنّهُ هوَ التوّابُ الرحيم .[ينظر : تفسيرُ كنزِ الدقائقِ للشيخِ المشهديّ، ج1/ص ٤٣٧، وشرحُ الآياتِ الباهرة (1/47)، وتفسيرُ الإمام  (225)]. ودُمتُم سالِمين.