الإعْتِقَادُ الوِرَاثِيُّ.
رَأْفَتْ/ مِصْرُ/: إنَّ الإِسْلَامَ كَسِوَاهُ مِنْ الأَدْيَانِ هُوَ مُعْتَقَدٌ وِرَاثِيٌّ يَرِثُهُ الأَبْنَاءُ مِنْ الآبَاءِ، وَالأَبْنَاءُ مِنْ الأَجْدَادِ.. يَتَعَرَّضُ المُسْلِمُ مُنْذُ صِغَرِهِ إِلَى عَمَلِيَّةِ غَسْلِ مُخٍّ مُبَرْمَجٍ يَشْمُلُ البَيْتَ وَالحَيَّ وَالمَدْرَسَةَ. وَنَظَرًا لِارْتِفَاعِ نِسْبَةِ الأُمِّيَّةِ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ فَإنَّ المَدْرَسَةَ هِيَ المُصَدِّرُ الأَسَاسِيُّ لِزَرْعِ القِيَمِ الإِسْلَامِيَّةِ.. مَنَاهِجُ التَّرْبِيَةِ الإِسْلَامِيَّةِ تَتَشَكَّلُ بِطَرِيقَةٍ تُبْرِزُ الوَجْهَ المُزَيَّفَ لِلإِسْلَامِ وَلِلتَّارِيخِ الإِسْلَامِيِّ... يَتمُّ تَدْرِيسُ الخُرَافَاتِ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهَا حَقَائِقُ مُطْلَقَةٌ. فَفِي المَدَارِسِ الإِسْلَامِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَوَّلَ العَصَا إِلَى ثُعْبَانٍ. المَسِيحُ مَشَى عَلَى المَاءِ وَأَطْعَمَ آلَافَ الجَوْعَى بِسَمَكَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَلَّمَ مُوسَى رَبَّهُ مِنْ فَوْقِ جَبَلٍ. شَعْبٌ يُقَدَّرُ بِالمِلْيَارَاتِ مَحْبُوسٌ فِي سَدٍّ مَحْصُورٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ (يَأجُوجُ وَمَأجُوجُ). الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ. يَبُولُ الشَّيْطَانُ فِي خَيْشُومِ المُسْلِمِ وَلَهُ ضرَاطٌ. وَكَمَا أَنَّ التَّعْلِيمَ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الحَجَرِ، فَإنَّ الدِّينَ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الحَجَرِ. وَيَتمُّ تَدْعِيمُ قٍيَمِ الدِّينِ بِالتَّلْقِينِ وَالحِفْظِ لِقَتْلِ رُوحِ السُّؤَالِ وَالشَّكِ فِي الطِّفْلِ. فَالهَدَفُ هُوَ تَحْوِيلُ المُسْلِمِ إِلَى شَخْصٍ يُؤْمِنُ بِمُسَلَّمَاتٍ وَلَيْسَ حَقَائِقَ.
وَيُجَابُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
الأَوَّلُ: أنَّ قَوْلَ الأَخِ أُوَلًا: (إنَّ الإِسْلَامَ كَسِوَاهُ مِنْ الأَدْيَانِ) أَنَّهُ يُشْرِكُ الدِّينَ اليَهُودِيَّ وَالمَسِيحِيَّ فِي الحُكْمِ.
وَقَوْلُهُ ثَانِيًا: (وَنَظَرًا لِارْتِفَاعِ نِسْبَةِ الأُمِّيَّةِ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ).. التَّهَافُتُ وَاضِحٌ بَينَ كَلَامَيْهِ، فَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْشَأَ اتِّبَاعِ الدِّينِ هُوَ الأُمِّيَّةُ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ، مَعَ أَنَّ اتِّبَاعَ الدِّينِ المَسِيحِيِّ وَاليَهُودِيِّ لَيْسُوا كَذَلِكَ، فَمَا ذُكِرَ مِنْ تَعْلِيلٍ لَيْسَ بتَامٍّ، وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنْ نَقُولَ: إنَّ اتِّبَاعَ الدِّينِ المَسِيحِيِّ وَاليَهُودِيِّ فِي أَلْمَانِيَا مَثلًا أَوْ فَرَنْسَا أَوْ أَمْرِيكَا أُنَاسٌ أُمِّيُّونَ لِاتِّبَاعِهِمْ دِينًا مَوْرُوثًا. وَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ!!!
وَالثَّانِي: أنَّ قَوْلَهُ (يَتَعَرَّضُ المُسْلِمُ مُنْذُ صِغَرِهِ إِلَى عَمَلِيَّةِ غَسْلِ مُخٍّ مُبَرْمَجٍ يَشْمُلُ البَيْتَ وَالحَيَّ) يَتَنَافَى مَعَ دَعْوَى انْتِشَارِ الأُمِّيَّةِ وَالجَهْلِ، لِأَنَّ مِنْ البَدِيهِيِّ أَنَّ غَسِيلَ المُخِّ وَالبَرْمَجَةِ، تَقْتَضِي وُجُودَ عَقْلٍ وَدِرَايَةٍ وَتَخْطِيطٍ مُسْبَقٍ ومُرَاعَاتِ الأَحْوَالِ وَالظُّرُوفِ، وَكَيْفَ يُصَدِّقُ عَاقِلٌ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَصْدُرُ مَنْ جَاهِلٍ أُمِّيٍّ لَا وَعْيَ لَهُ!
فَالكَلَامُ المَذْكُورُ يُنَافِي بَعْضَهُ بَعْضًا.
وَالثَّالِثُ: أنَّ مِنْ الوَاضِحَاتِ أَنَّ الأَمْرَ الوِرَاثِيَّ يَحْصُلُ قَهْرًا، مَعَ أَنَّ عُلَمَاءَ الكَلَامِ مِنْ أتْبَاعِ الأَدْيَانِ الثَّلَاثِ يُقَدِّمُونَ الأَدِلَّةَ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ، وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَهُمْ أَمْرًا وِرَاثِيًّا، لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ حِينَئِذٍ إِلَى تَجَشُّمِ عَنَاءِ البَحْثِ وَالإسْتِدْلَالِ.
فَدَعْوَى الوِرَاثَةِ فِي الدِّينِ أَمْرٌ غَيْرُ مُبَرْهَنٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مُجَرَّدُ دَعْوًى، وَنِعْمَ مَا قَالَهُ فرويد (مِنْ السَّهْلِ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَخْدَعَ نَفْسَهُ، لَكِنْ مِنْ الصَّعْبِ أَنْ يَخْدَعَ الآخَرِينَ).
بَلْ البُرْهَانُ فِي خِلَافِهَا.. فَعِنْدَ المُسْلِمِينَ رَاجِعْ مَثَلًا بُرْهَانَ الإِمْكَانِ، وَعِنْدَ المَسِيحِيِّينَ رَاجِعْ مَثَلًا قَانُونَ الإِيمَانِ الأثناسيوسي، وَعِنْدَ اليَهُودِ رَاجِعْ مَثَلًا المدراش وَالتَّلْمُودُ.
وَالرَّابِعُ: قَوْلُ المُتَكَلِّمِ (وَيَتمُّ تَدْعِيمُ قِيَمِ الدِّينِ بِالتَّلْقِينِ وَالحِفْظِ لِقَتْلِ رُوحِ السُّؤَالِ وَالشَّكِ فِي الطِّفْلِ).. فَإِنَّ السُّؤَالَ لَيْسَ بمَمنُوعٍ فِي الإِسْلَامِ، بَلْ مُرَغَّبٌ إِلَيْهِ، انْظُرْ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): العِلْمُ خَزَائِنُ وَمِفْتَاحُهَا السُّؤَالُ، فَاسْأَلُوا يَرْحَمْكُمْ اللهُ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ، وَالمُعَلِّمُ، وَالمُسْتَمِعُ، وَالسَّامِعُ، وَالمُحِبُّ لَهُمْ.
وَالخَامِسُ: أنَّ مَنْ لَاحَظَ كَلَامَ المُتَكَلِّمِ يَجِدُ جَلْيًّا أَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مُجَرَّدُ دَعَاوَى، وَفِي جَمِيعِ المُجْتَمَعَاتِ المُتَحَضِّرَةِ هَلْ هُنَاكَ مَنْ يَقْبَلُ دَعْوًى بِلَا دَلِيلٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَهَلْ مِنْ العَقْلِ تَصْدِيقُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، بَلْ حَتَّى الإِيمَانِ بِأَنَّ لَهُ عَقلًا أَصْلًا؟
الثَّانِي: التَّحَامُلُ عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ مِنْ دُونِ أَنْ يُذْكَرَ وَجْهٌ وَمُبَرِّرٌ لِذَلِكَ التَّحَامُلِ.
وَهَلْ يُعْقَلُ أَنَّ هَذِهِ المِلْيَارَاتِ مِنْ أتْبَاعِ الدِّيَانَاتِ الَّتِي مِنْهَا أَكَابِرُ العُلَمَاءِ وَالمُثَقَّفِينَ جَهَلَةٌ بِاتِّبَاعِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ المَعْمُورَةِ إِلَّا الأَخُ السَّائِلُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي أَدْرَكَ حَقَائِقَ الأُمُورِ، فَلِلهِ دَرُّهُ مِنْ سَابِقٍ لِعَصْرِهِ وَمُلْهِمِ الحُلُولِ الجِسَامِ.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10).
ودُمتُم سَالِمِينَ.
اترك تعليق