دَوْرُ الإِمَامِ الهَادِي (ع) فِي تَحْصِينِ شِيعَتِهِ وَالدِّفَاعِ عَنِ الإِسْلَامِ.

أَحْمَدُ العِرَاقِيُّ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.      مَا هُوَ دُورُ الإِمَامِ عَلِيٍّ الهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي تَثْبِيتِ العَقِيدَةِ الشِّيعِيَّةِ وَمَحَارِبَةِ التَّيَّارَاتِ الفِكْرِيَّةِ وَمُوَاجِهَةِ بَنِي العَبَّاسِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ أَحْمَدُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     لَا يَخْتَلِفُ دَوْرُ الإِمَامِ الهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ دَوْرِ آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) فِي الذَّبِّ عَنِ الإِسْلَامِ وَتَحْصِينِ المُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ مَا يُشَوِّشُ عَلَى عَقِيدَتِهِمْ.

     فَفِي جَانِبِ التَّصَدِّي لِلغُلَاةِ وَالمُنْحَرِفِينَ فِي عَصْرِهِ يَنْقُلُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى يَقُولُ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَوْمٍ يَتَكَلَّمُونَ وَيَقْرَؤُونَ أَحَادِيثَ وَيَنْسِبُونَهَا إِلَيْكَ وَإِلَى آبَائِكَ فِيهَا مَا تَشْمَئِزُّ مِنْهَا القُلُوبُ وَلَا يَجُوزُ لَنَا رَدُّهَا إِذْ كَانُوا يَرْوُونَهَا عَنْ آبَائِكَ، وَلَا قَبُولُهَا لِمَا فِيهَا وَيَنْسِبُونَ الأَرْضَ إِلَى قَوْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ مِنْ مُوَالِيكَ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَلِيُّ ابْنُ حَسَكَةَ، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: القَاسِمُ اليَقْطِينيُّ.

     وَمِنْ أَقَاوِيلِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ قَوْلَ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ): (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ) مَعْنَاهَا رَجُلٌ، لَا رُكُوعَ وَلَا سُجُودَ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ مَعْنَاهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ لَا عَدَدُ دِرْهَمٍ وَلَا إِخْرَاجُ مَالٍ، وَأَشْيَاءُ مِنْ الفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَالمَعَاصِي تَأَوَّلُوهَا وَصَيَّرُوهَا عَلَى الحَدِّ الَّذِي ذَكَرْتُ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُبَيِّنَ لَنَا وَتَمُنَّ عَلَيْنَا بِمَا فِيهِ السَّلَامَةُ لِمَوَالِيكَ وَنَجَاتُهُمْ مِنْ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ الَّتِي تُخْرِجُهُمْ إِلَى الهَلَاكِ. فَكَتَبَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لَيْسَ هَذَا دِينَنَا فَاعْتَزِلْهُ. [رِجَالُ الكَشِّيِّ 2: 802].

     وَكَانَتْ فِي زَمَانِهِ نَمَاذِجُ مِنَ النَّاسِ تُظْهِرُ التَّصَوُّفَ وَتَعْبَثُ بِعَقَائِدِ المُسْلِمِينَ، فَحَذَّرَ الإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْهُمْ وَمِنْ طَرِيقَتِهِمْ.

     رَوَى الحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الخَطَّابِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الحَسَنِ الهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ (ص) فَأَتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ الجَعْفَرِيُّ، وَكَانَ بَلِيغًا وَلَهُ مَنْزِلَةٌ مَرْمُوقَةٌ عِنْدَ الإِمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَبَيْنَمَا نَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ المَسْجِدَ فَجَلَسُوا فِي جَانِبٍ مِنْهُ، وَأَخَذُوا بِالتَّهْلِيلِ، فَالْتَفَتَ الإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الخَدَّاعِينَ، فَإِنَّهُمْ حُلَفَاءُ الشَّيَاطِينِ، وَمُخَرِّبُوا قَوَاعِدِ الدِّينِ، يَتَزَهَّدُونَ لِإِرَاحَةِ الأَجْسَامِ، وَيَتَهَجَّدُونَ لِصَيْدِ الأَنْعَامِ، يَتَجَوَّعُونَ عُمُرًا حَتَّى يديخوا للإيكَافِ حمرًا، لَا يُهَلِّلُونَ إِلَّا لِغُرُورِ النَّاسِ، وَلَا يُقَلِّلُونَ الغِذَاءَ إِلَّا لِمَلَأِ العِسْاسِ وَاخْتِلَافِ قَلْبِ الدِّفْناس، يَتَكَلَّمُونَ النَّاسَ بِإِمْلَائِهِمْ فِي الحُبِّ، وَيَطْرَحُونَهُمْ بِإِدْلَائِهِمْ فِي الجُبِّ، أَوْرَادُهُمْ الرَّقْصُ وَالتَّصْدِيَةُ، وَأَذْكَارُهُمْ التَّرَنُّمُ وَالتَّغْنِيَةُ، فَلَا يَتْبَعُهُمْ إِلَّا السُّفَهَاءُ، وَلَا يَعْتَقِدُ بِهِمْ إِلَّا الحَمْقَى، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى زِيَارَةِ أَحَدِهِمْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، فَكَأَنَّمَا ذَهَبَ إِلَى زِيَارَةِ الشَّيْطَانِ وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَمَنْ أَعَانَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَأَبَا سُفْيَانَ.

     فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: وَإِنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِحُقُوقِكُمْ؟ 

     قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ شِبْهَ المُغْضِبِ وَقَالَ: دَعْ ذَا عَنْكَ، مَنِ اعْتَرَفَ بِحُقُوقِنَا لَمْ يَذْهَبْ فِي عُقُوقِنَا، أَمَا تَدْرِي أَنَّهُمْ أَخَسُّ طَوَائِفِ الصُّوفِيَّةِ؟ وَالصُّوفِيَّةُ كُلُّهُمْ مِنْ مُخَالِفِينَا، وَطَرِيقَتُهُمْ مُغَايِرَةٌ لِطَرِيقَتِنَا، وَإِنْ هُمْ إِلَّا نَصَارَى وَمَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَجْتَهِدُونَ فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ [حَدِيقَةُ الشِّيعَةِ للأَرْدَبِيلِي: 602].

     وَأَيْضًا كَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَتَصَدَّى لِكُلِّ إِشْكَالَاتِ الخُلَفَاءِ وَأَسْئِلَتِهِمُ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُحْرِجُونَ الإِمَامَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِهَا.

     وَفِي هَذَا الجَانِبِ يَرْوِي ابْنُ شَهْرِ آشُوبٍ أَنَّهُ: قَالَ المُتَوَكِّلُ لِابْنِ السِّكِّيتِ: اسْأَلْ ابْنِ الرِّضَا مَسْأَلَةً عَوْصَاءَ بِحَضْرَتِي، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لِمَ بَعَثَ اللهُ مُوسَى بِالعَصَا؟ وَبَعَثَ عِيسَى بِإِبْرَاءِ الأَكَمَهِ وَالأَبْرَصِ وَإِحْيَاءِ المَوْتَى؟ وَبَعَثَ مُحَمَّدًا بِالقُرْآنِ وَالسَّيْفِ؟

     فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ (عَ): بَعَثَ اللهُ مُوسَى بِالعَصَا وَاليَدِ البَيْضَاءِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ السِّحْرُ فَأَتَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا قَهَرَ سِحْرَهُمْ وَبَهَرَهُمْ وَأَثْبَتَ الحُجَّةَ عَلَيْهِمْ، وَبَعَثَ عِيسَى بِإِبْرَاءِ الأَكَمَهِ وَالأَبْرَصِ وَإِحْيَاءِ المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ الطِّبُّ فَأَتَاهُمْ مِنْ إِبْرَاءِ الأَكَمَهِ وَالأَبْرَصِ وَإِحْيَاءِ المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ فَقَهَرَهُمْ وَبَهَرَهُمْ، وَبَعَثَ مُحَمَّدًا بِالقُرْآنِ وَالسَّيْفِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ السَّيْفُ وَالشِّعْرُ فَأَتَاهُمْ مِنَ القُرْآنِ الزَّاهِرِ وَالسَّيْفِ القَاهِرِ مَا بَهَرَ بِهِ شِعْرَهُمْ وَقَهَرَ سَيْفَهُمْ وَأَثْبَتَ الحُجَّةَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فَمَا الحُجَّةُ الآنَ؟ قَالَ: العَقْلُ يُعْرَفُ بِهِ الكَاذِبُ عَلَى اللهِ فَيَكْذِبُ. فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: مَا لِابْنِ السِّكِّيتِ وَمُنَاظَرَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ نَحْوٍ وَشِعْرٍ وَلُغَةٍ. وَرَفَعَ قِرْطَاسًا فِيهِ مَسَائِلُ فَأَمْلَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ (عَ) عَلَى ابْنِ السِّكِّيتِ جَوَابَهَا.... إلخ. [مَنَاقِبُ آلِ أَبِي طَالِبٍ 3: 507].

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.