أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (ع) لَمْ يُشَارِكْ فِيمَا ادُّعِيَ أَنَّهَا حُرُوبُ رِدَّةٍ.
سَلْمَانُ/ الأَرْدُنُ/: إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ شَارَكَ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ أُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ كَانَتْ مُرْتَدَّةً فَاسْتَرَقَّهَا عَلِيٌّ وَاسْتَوْلَدَهَا. قَالَ الوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ: مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيد أَنَّهُ قَسَّمَ سَهْمَ بَنِي حَنِيفَةَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَقَسَّمَ عَلَى النَّاسِ أَرْبَعَةً وَعَزَلَ الخُمُسَ حَتَّى قَدِمَ بِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ ذُكِرَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّ الحَنَفِيَّةَ كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ. قُلْتُ: وَرَوَيْنَا فِي جُزْءِ ابْن علم أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَأَى الحَنَفِيَّةَ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَ عَلِيًّا أَنَّهَا سَتَصِيرُ لَهُ وَأَنَّهُ يُولَدُ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ (التَّلْخِيصُ الحَبِيرُ4 / 50)، وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ عَلِيًّا شَارَكَ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ.
الأَخُ سلمان المُحْتَرَمُ .. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
1- كُلُّ مَا قَدَّمْتُمْ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ لَا تَدُلُّ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ عَلَى المُدَّعَى، وَكَذَلِكَ اعْتِمَادُ الوَاقِدِيِّ كَدَلِيلٍ وَحُجَّةٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِهِ حَتَّى عِنْدَكُمْ، فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِمِثْلِ هَذِهِ الأَدِلَّةِ عَلَيْنَا؟! وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عَمَّا تُرِيدُونَ إِثْبَاتَهُ كَمَا سَنُبِيّنُ ذَلِكَ.
2- لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) يَتَزَوَّجُ أَوْ يَمْلِكُ سَبِيًّا مِنْ حَرْبٍ مَا أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ فِي تِلْكَ الحَرْبِ، فَالخُمُسُ الَّذِي لِبَنِي هَاشِمٍ وَالَّذِي أَصْبَحَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا يُعْطَى لِلخَلِيفَةِ غَيْرِ الشَّرْعِيِّ وَالَّذِي هُوَ مِنْ غَيْرِ بَنِي هَاشِمٍ عَادَةً يُمْكِنُ أَنْ يُوَزِّعَهُ ذَلِكَ الخَلِيفَةُ، فَنَسْتَفِيدُ حَتَّى مِنْ خِلَالِ رِوَايَتِكُمْ (الوَاقِدِيَّةِ) احْتِمَالَ إِعْطَاءِ أَبِي بَكْرٍ تِلْكَ السَّبِيَّةَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ خُمُسِ الغَنَائِمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ بَنِي هَاشِمٍ أَصْلًا، فَلَا يَلْزَمُ مُشَارَكَتَهُ (عَ) فِي الحَرْبِ كَيْ يَمْلِكَهَا فَافْهَمْ.
3- أَمَّا كَوْنُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) قَدْ مَلَكَ الحَنَفِيَّةَ وَالِدَةَ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ حُرُوبِ الرِّدَّةِ فَهَذَا أَمْرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا هُوَ مَنْقُولٌ أَصْلًا، بَلْ إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ خِلَافُهُ، فَمِنْهُ كَوْنُهَا سُبِيَتْ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَمَا نَقْلَهُ البلاذرِيُّ فِي أَنْسَابِ الأَشْرَافِ (2 / 200) وَهَذَا يُنَافِي دَعْوَاكُمْ زَمَانًا وَمَكَانًا حَيْثُ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيُّ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلِيًّا إِلَى اليَمَنِ فَأَصَابَ خَوْلَةَ فِي بَنِي زُبَيْدٍ، وَقَدْ ارْتَدُّوا مَعَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِب، وَصَارَتْ فِي سَهْمِهِ، وَذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إِنْ وَلَدَتْ مِنْكَ غُلَامًا فَسَمِّهِ بِاسْمِي وَكَنِّهِ بِكُنْيَتِي، فَوَلَدَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) غُلَامًا فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا القَاسِمِ.
4- ثُمَّ رَوَى البلاذرِيُّ احْتِمَالًا ثَانِيًا يَتَنَافَى مَعَ زَعْمِكُمْ حَيْثُ لَا عِلَاقَةَ لَهُ بِحُرُوبِ الرِّدَّةِ، فَرَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ خَرَاشٍ العَجْلِيِّ: أَغَارَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ فَسَبَوْا خَوْلَةَ بِنْتَ جَعْفَرٍ ثُمَّ قَدِمُوا بِهَا المَدِينَةَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَاعُوهَا مِنْ عَلِيٍّ، وَبَلَغَ الخَبَرُ قَوْمَهَا فَقَدِمُوا المَدِينَةَ عَلَى عَلِيٍّ فَعَرَفُوهَا وَأَخْبَرُوهُ بِمَوْضِعِهَا مِنْهُمْ، فَأَعْتَقَهَا (عَلِيٌّ) وَمَهَّرَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا ابْنَهُ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(أَتَأْذَنُ لِي إِنْ وُلِدَ لِي بِأَنْ أُسَمِّيَهُ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيَهُ بِكُنْيَتِكَ؟ فَقَال: نَعَمَ. فَسَمَّى ابْنَ الحَنَفِيَّةِ مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا القَاسِمِ. (قَالَ البلاذرِيُّ): وَهَذَا أَثْبَتُ مِنْ خَبَرِ المَدَائِنِيِّ. فَرَجَّحَ البلاذرِيُّ هَذِهِ القِصَّةَ عَلَى تِلْكَ الَّتِي تَحْكِي حُصُولَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَمْ يَأْتِ البلاذرِيُّ بِاحْتِمَالٍ وَلَوْ ضَعِيفًا عَلَى أَنَّهَا مِنْ سَبْيِ حُرُوبِ الرِّدَّةِ.
5- فَكِلْتَا القِصَّتَيْنِ تُخَالِفَانِ كَوْنَ الحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ خَالِدٍ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ المَزْعُومَةِ، وَكَذَا القِصَّةُ الَّتِي نَقَلْتَهَا - جَنَابَكَ الكَرِيمَ - لَنَا لَا تَدُلُّ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا أَرَدْتَهُ كَذَلِكَ، وَيَشْهَدُ لِقَوْلِنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْكَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الإِصَابَةِ (8 / 113) فِي تَرْجُمَةِ خَوْلَةَ بِنْتِ إِيَاسِ بْنِ جَعْفَرٍ الحَنَفِيَّةِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ القِصَّةَ الَّتِي نَقَلْتَهَا لَنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَدْ رَآهَا فِي مَنْزِلِهِ فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ أَمَا إِنَّكَ تَتَزَوَّجُهَا مِنْ بَعْدِي وَسَتَلِدُ لَكَ غُلَامًا فَسَمِّهِ بِاسْمِي وَكَنِّهِ بِكُنْيَتِي وَأَنْحِلْهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ :وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَثُبُوتُ صُحْبَتِهَا مَعَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ مُسْلِمَةً.
فَالحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ مَعَ تَضْعِيفِهِ لِلرِّوَايَةِ سَنَدًا فَهُوَ يَحْمِلُهَا عَلَى كَوْنِهَا مُسْلِمَةً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ (ص) حَتَّى يُمْكِنَ الزَّوَاجُ مِنْهَا. إِضَافَةً إِلَى تَصْرِيحِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ (ص) بِأَنَّهُ (عَ) سَيَتَزَوَّجُهَا، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ وَاسْتِدْلَالِكُمْ بِهَا مِنْ كَوْنِهَا سُبِيَتْ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ وَمِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ عَ نَفْسِهِ.
فَتَبَيَّنَ بِمَا لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَيُّ احْتِمَالٍ لِكَوْنِ الحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ حُرُوبِ الرِّدَّةِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا مُشَارَكَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَ) فِيهَا، فَلَا يُوجَدُ أَيُّ دَلِيلٍ أَوْ احْتِمَالٍ - عَلَى كُلِّ الإِحْتِمَالَاتِ - عَلَى مُشَارَكَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فِي حُرُوبِ الرِّدَّةِ، فَلَا دَاعِيَ لِلتَّرْقِيعِ وَتَضْلِيلِ الحَقَائِقِ عَلَى النَّاسِ لِغَايَاتٍ لَيْسَتْ شَرْعِيَّةً وَمَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.
اترك تعليق