الْاِسْتِدْلَالُ عَلَى الْخِلَاَفَةِ بِآيَةِ الْوَلَاَيَةِ.

عَبِيرُ مُحَمَّد/: أَيْنَ الْوَلَاَيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ 55} أَيْنَ الْخِلَافَةُ؟؟ إِنَّ كَلِمَةَ (إِنَّمَا) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} تَقُولُونَ هِي لِلْحَصْرِ كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)( 1) أَي حَصْرُ الْأَعْمَالِ لَا تُقْبَلُ إِلَّا تَكُونُ مَصْحُوبَةً بِنِيَّةٍ وَجَاءَتْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وَتَقُولُونَ هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ! سَلَّمْنَا جَدَلَاً أَنَّهَا فِي عَلِيٍّ ثُمَّ مَاذَا؟؟... فَأَيْنَ خِلَاَفَةُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَهَذِهِ لِلْحَصْرِ؟، إِذَا لَيْسَ لَكُمْ وَلِيٌّ إِلَّا اللهَ وَلَيْسَ لَكُمْ وَلِيٌّ إِلَّا رَسُولُ اللهِ وَلَيْسَ لَكُمْ وَلِيٌّ إِلَّا عَلي إِذاً أَبْطِلُوا خِلَاَفَةَ الْحَسَنِ أَبْطِلُوا خِلَاَفَةَ الْحُسَيْنِ أَبْطِلُوا خِلَاَفَةَ التِّسْعَةِ مِنْ أَوْلَاَدِ الْحُسَيْنِ لِأَنَّ اللهَ قَالَ{ إِنَّمَا} أي فَقَطْ!!!.

: اللجنة العلمية

الأُختُ عَبِيرٌ الْمُحْتَرَمَةُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

الْاِسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْمُبَارَكَةِ أوّلاً عَلَى إمَامَةِ وَخِلَافَةِ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ)، يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:

الْمُقَدِّمَةُ الْأوْلَى: إِثْبَاتُ أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ).

الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: إِثْبَاتُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلَاَيَةِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هِي وِلَاَيَةُ الْأَمْرِ.

أمّا الْمُقَدِّمَةُ الْأوْلَى فَيَكْفِي أَنْ نَذكُرَ هُنَا اِعْتِرَافَ عُلَمَاءِ أهْلِ السُّنَّةِ بِنُزُولِهَا بِالْإِجْمَاعِ فِي عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ):

1- قَالَ القاضي عَضُدِ الدِّينِ الأيجي فِي كِتَابِهِ (الْمَوَاقِفُ فِي عِلْمِ الْكَلَاَمِ):(( وَأَجْمَعَ أئِمَّةُ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ عَلِيٌّ))[ الْمَوَاقِفُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ 3: 641].

2 - قَالَ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ فِي (شَرْحِ الْمَوَاقِفِ).

((وَقَدْ أَجْمَعَ أئِمَّةُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ب:( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاَةَ) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (وَهُمْ رَاكِعُونَ) عَلِيٌّ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاَةِ رَاكِعًا فَسَأَلَهُ سَائِلٌ فأَعطاهُ خَاتَمَهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ))[ شَرْحُ الْمَوَاقِفِ 3: 641].

3- قَالَ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي (شَرْحِ الْمَقَاصِدِ):(( نَزَلَتْ بِاِتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ أَعْطَى خَاتَمَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي صَلَاتِهِ))[ شَرْحُ الْمَقَاصِدِ 2: 288].

4- قَالَ الْقَوْشَجِيُّ فِي (شَرَحِ تَجْرِيدِ الْاِعْتِقَادِ):(( أَنَّهَا نَزَلَتْ بِاِتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ فِي حَقِّ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ حِينَ أَعْطَى السَّائِلَ خَاتَمَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي صَلَاتِهِ))[ شَرْحُ تَجْرِيدِ الْاِعْتِقَادِ: 368].

5- وَقَالَ اِبْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي (الصَّوَاعِقِ الْمُحْرِقَةِ):(( وَقَدْ أَجْمَعَ أهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيَؤُتُّونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ، عَلِيٌّ، إِذْ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ سُئِلَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَأَعْطَى خَاتَمَهُ))[ الصَّوَاعِقُ الْمُحْرِقَةَ: 120]

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةَ، فَنَقُولُ: كَلِمَةُ (وَلِي) هِي مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي اللُّغَةِ، أي لَهَا عِدَّةُ مَعانٍ، وَيُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنْهَا فِي الْكَلَاَمِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ دَائِمًا.

فَمِنْ مَعاني الْوَلِيّ مَثَلًا: الصِّهْرُ، الْحَلِيفُ، النَّاصِرُ، الصَّدِيقُ، الْمُحِبُّ، اِبْنُ الْعَمِّ، الْعُصْبَةُ، الْمَالِكُ، الْأوْلَى بِالتَّصَرُّفِ..

فَأَيُّ مَعْنىً مِنْ هَذِهِ اِلْمَعَانِي هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؟!

مِنَ الْمُلَاحَظِ أَنَّنَا لَوْ فَسَّرْنَا الْوَلَاَيَةَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِالصِّهْرِ مَثَلًا، فَالْمَعنى يَصيرُ هَكَذَا: إِنَّمَا صِهرُكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَعَلِيٌّ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ جَزَماً، وَلَوْ فَسَّرْنَاهَا بِالْحَلِيفِ وَالصَّدِيقِ وَاِبْنِ الْعَمِّ وَالْعُصْبَةِ، كَذَلِكَ لَا تُعْطِي مُعَنىً صَحِيحاً..

فَأَيُّ مَعْنىً مِنْ معاني (الْوَلِيّ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؟؟!!

قَدْ يُقَالُ إِنَّ تَفْسِيرَهَا بِالْمُحِبِّ أَوِ النَّاصِرِ هُوَ الْمُنَاسِبُ، فَيَصيرُ الْمَعنى هَكَذَا:

 إِنَّمَا مُحِبُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَعَلِيٌّ.

أَوْ: إِنَّمَا نَاصِرُكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَعَلِيٌّ.

وَلَكِنَّ الْمُلَاحَظَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ حَصْرٌ بَلَاغِيٌّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ،فَقَد وَرَدَتْ فِي الْآيَةِ لَفْظَةُ (إِنَّمَا)، وَهِي تُفِيدُ الْحَصْرَ بإتّفاقِ أهْلِ الْأُصولِ وَالْعَرَبِيَّةِ [ اُنْظُرْ: الأسنويّ فِي ( الْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ)، ص374، وَاِبْنَ فَارِسٍ فِي (الصَّاحِبِيّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ)، بَابُ (إِنَّمَا)، ص31، وَاِبْنَ تِيمِيَّةٍ فِي (مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى) 18: 264، وَالنَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ 13: 54]، فَالْمُحِبُّونَ وَالنَّاصِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَنْحَصِرُونَ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَقَط فَلَا وَجْهَ لِحَصْرِ الْمَحَبَّةِ وَالنُّصْرَةِ فِيهِمْ، فَهَذَا خَلَلٌ بَلَاغِيٌّ يَتَنَزَّهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَنْهُ..

فَمَا هُوُ الْمُعَنى الْمُنَاسِبُ إِذَنْ؟

لَا يُوجَدُ عِنْدَنَا سِوَى مَعنىً وَاحِدٌ يتلاءَمُ مَعَ طَبِيعَةِ الْحَصْرِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ (إِنَّمَا) فِي الايةِ الْكَرِيمَةِ، وَهَذَا الْمَعنى هُوَ الْأوْلَى بِالتَّصَرُّفِ، الَّذِي يَعُدُّهُ أهْلُ اللُّغَةِ أَحَدَ اِسْتِعْمَالَاتِ الْمُفْرَدَةِ (وَلِي)، فَيَصيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هَكَذَا: الْأوْلَى بِالتَّصَرُّفِ بِكُمْ هُمِ اللهُ وَرَسُولُهُ وَعَلِيٌّ..

فَهَذَا الْمَعنى هُوَ الْمُنَاسِبُ لِطَبِيعَةِ الْآيَةِ وَلِلْحَصْرِ الْوَارِدِ فِيهَا بِأَنْ تَكوُنَ أَوْلَوِيَّةُ التَّصَرُّفِ بِشُؤُونِ الْمُسْلِمِينَ (الَّتِي هِي مُعَنىً آخَرَ لِوِلَايَةِ الْأَمْرِ وَالْخِلَافَةِ) مُنْحَصِرَةً بِيدِ اللهِ وَرَسُولِهِ (ص) وَعَليٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ)..

وَبِذَلِكَ يَثبُتُ الْمَطْلُوبُ

وَقَدْ تَسْأَلُ: وَكَيْفَ نُثْبِتُ إمَامَةَ بَقِيَّةِ الْأئِمَّةِ لِأهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)؟

الْجَوَابُ: الْإمَامَةُ تَثبُتُ إِمَّا بِالنَّصِّ الْقُرْآنِيِّ عَلَيْهَا أَوِ النَّصِّ مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ ( ص) أَوْ مِنْ خِلَالِ نَصِّ الْإمَامِ السَّابِقِ عَلَى اللَّاحِقِ، وَبَعْدَ ثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ الْقُرْآنِيِّ هُنَا لِعَلِيٍّ( عَلَيْهِ السَّلامُ)، يَكُونُ إِثْبَاتُ الْإمَامِ اللَّاحِقِ بَعْدَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ) مِنْ خِلَالِ نَصِّهِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي طَبَّقَهُ عَمَلِيَّاً حِينَ سَلَّمَ الْحُكْمَ لَابنِهِ الْإمَامِ الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) مِنْ بَعْدِهُ، وَبِهِ يَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ، وَقَدْ دَلَّ حَديثُ الثَّقَلَيْنِ عَلَى خِلَافَةِ العِترةِ، وَبِالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَديثِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ تَثْبُتُ خِلَاَفَةُ اِثْنَيْ عَشَرَ إمَامًا مِنَ العِترةِ الطَّاهِرَةِ.

فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى حَديثِ الثَّقَلَيْنِ (الْكِتَابِ والعِترَة) وَجَدْنَاهُ يَقُولُ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيحٍ فِي إحْدَى طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ: (إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ الْأرْضِ وَالسَّمَاءِ، وعِترَتي أَهْلَ بَيْتِي، وَأَنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الْحَوْض)( صَحِيحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْأَلْبَانِيِّ 1: 482، مُسْنَدُ أَحَمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، بِرَقْمِ: 21654، تَصْحِيحُ شُعَيْبٍ الأرنؤوط)، فَمَاذَا يُستفادُ مِنَ الْحَديثِ الْمَذْكُورِ؟

يُستفادُ مِنْهُ دَلَالَاتٍ أَرْبَعٍ:

الْأُوْلَى: أَنَّ العِترَةَ هُمُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ).

الثَّانِيَةُ: أَنَّ العِترةَ تَكُونُ هَادِيَةً مَهْدِيَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا هُوَ مَعَنى عَدَمِ الْاِفْتِرَاقِ عَنِ الْقُرْآنِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ أهْلِ السُّنَّةِ عِنْدَ شَرْحِهِمْ لِلْحَديثِ الْمَذْكُورِ (اُنْظُرْ: فَيْضُ الْقَدِيرِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَنّاوِيّ 3: 20، شَرْحُ الْمَقَاصِدِ للتّفتازاني3: 529).

الثَّالِثَةُ: اِسْتِمْرَارُ خِلَافَةِ العِترةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ أهْلِ السُّنَّةِ أَنَفْسُهُمْ عِنْدَ شَرْحِهِمْ لِهَذَا الْحَديثِ (اُنْظُرْ: فَيْضُ الْقَدِيرِ 3: 19، الصَّوَاعِقُ الْمُحْرِقَةُ: 442).

الرَّابِعَةُ: كَونُهُمْ مِنْ قُرَيْشِ ؛ لِأَنَّ العِترةَ مِنْ بَني هَاشِمٍ، وَبَنو هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ.

نَقُولُ: فَإِذَا لَاحَظْنَا هَذَا الْحَديثَ الْمُبَارَكُ بِمَا فِيهِ مِنْ دَلَالَاتٍ أَرْبَعٍ، وَلَاحَظْنَا حَديثاً آخَرَ مُتَضَافِراً رَوَتْهُ صِحَاحُ الْمُسْلِمِينَ ومَسانيدُهم، وَهُوَ حَديثُ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ نَنْتَهِي إِلَى نَتِيجَةٍ وَاضِحَةٍ وُضُوحَ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ.

فَحَديثُ الْخُلَفَاءِ مِنْ بُعْدِي اِثْنَا عَشَرَ يُشِيرُ إِلَى اِسْتِمْرَارِ خِلَافَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَيْثُ جَاءَ فِيهِ:( لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيكُم اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)( رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 6: 4 كِتَابُ الْإمَارَةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمَرَة).

يَقُولُ اِبْنُ كَثِيرُ فِي تَارِيخِهِ:« قَالَ اِبْنُ تِيمِيَّة: وَهَؤُلَاءِ الْمُبَشَّرُ بِهِمْ فِي حَديثِ جَابِرِ بْنِ سَمَرَةَ وَقَرَّرَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُفَرَّقينَ فِي الاُمّة وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُوجَدُوا»( تَارِيخُ اِبْنِ كَثِيرٍ 6: 249 َ 250).

وَعَنِ السُّيُوطِيِّ فِي تَارِيخِهِ:« وُجُودُ اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْقِيَامَةِ يَعْمَلُونَ بِالْحَقِّ وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَوْا»( تَارِيخُ الْخُلَفَاءِ لِلْسُّيُوطِيِّ: 12)، وَعَنِ اِبْنِ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَاري:" وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ " اِنْتَهَى( فَتْحُ الْبَاري 13: 211).

وَأَيْضًا يُشِيرُ هَذَا الْحَديثُ إِلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ هُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ: ( لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ صَالِحًا)(اُنْظُرْ: مُسْنَدَ أَحَمَد 5: 97، 107)..

يَقُولُ اِبْنُ كَثِير:« وَمَعنى هَذَا الْحَديثِ الْبِشَارَةُ بِوُجُودِ اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً صَالِحًا يُقِيمُ الْحَقَّ وَيَعدِلُ فِيهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَوَالِيِهم وَتَتَابُعُ أيَّامِهِمْ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةَ حَتَّى تَكُونَ وِلايتُهُمْ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُم الْمَهْدِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِذِكْرِهِ»( تَفْسِيرُ اِبْنِ كَثِيرِ 33 َ 34).

فَحَديثُ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ فِيهِ دَلَالَاتٌ أَرْبَعُ:

الصَّلاحُ، النَّصُّ عَلَى خِلَافَتِهِمْ، اِسْتِمْرَارُ هَذِهِ الْخِلَافَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهِي نَفْسُهَا دِلَالَاتُ حَديثِ الثَّقَلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ دُونَ زِيَادَةٍ وَلَا نَقِيصَةٍ..

وَبِمُقْتَضَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَديثِينِ الشَّرِيفِينِ (الثَّقَلَيْنِ وَالْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي اِثْنَا عَشر) نَنْتَهِي إِلَى نَتِيجَةٍ وَاضِحَةٍ جِداً وُضُوحَ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ، حَاصِلُهَا: أَنَّ الْخُلَفَاءَ الإثنَي عَشرَ الَّذِينَ تَسْتَمِرُّ خِلَاَفَتُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ عِترَة النَّبِيّ ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ) لَا غَيْرُ..

وَلَمْ يُصَرِّحْ جَمَاعَةٌ أَوْ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعِهَا بِمُوَالَاةِ اِثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً أَوْ إمَامًا مِنَ العترةِ سِوَى الشِّيعَةُ الْإمَامِيَّةُ، وَبِهَذَا يَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ.

وَبِلِحَاظِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانَاتٍ يُستفادُ مِنْهُ أَنَّ آيَةَ الْوَلَاَيَةِ- فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ- لَمْ يَكُنِ الْحَصْرُ فِيهَا حَصْرًا حَقِيقِيًّا يَمْنَعُ اِنْطِبَاقَ عُنْوَانِ الْخِلَافَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَقْصُودِينَ فِيهَا، بَلْ هُوَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ يُرَادُ بِهِ الْفَتْرَةَ الزَّمَنِيَّةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا الْآيَةَ الْمُبَارَكَةَ وَالشُّخُوصَ الْمَوْجُودينَ فِيهَا، وَإِثْبَاتُ خِلَافَةِ غَيْرِهِمْ يَثبُتُ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أُخْرَى، وَهُوَ مَا تَعَرَّضْنَا لِبَيَانِهِ بِالتَّفْصِيلِ.

وَدُمْتُم سَالِمِينَ.