نُبْذَةٌ عَنْ حَيَاةِ الصِدِّيْقَةِ خَدَيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ (ع).

جَلِيْل: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ .. أُذْكُرُوا لَنَا نُبْذَةً مِن حَيَاةِ السَّيِّدَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ {عَلَيْهَا السَّلَامُ}

: اللجنة العلمية

الأَخُ جَلِيْلٌ المُحْتَرَمُ، عَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

هِيَ خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ بنِ أَسَدٍ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ ، مِنْ بَيْتِ عِزٍّ وَشَرَفٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، كَانَتْ تُدْعَى فِي الجَاهِلِيَّةِ بِالطَّاهِرَةِ، وَلَقَّبَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) بِـالكُبْرَى، أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَامَاً وَإِيْمَانَاً بِالنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، لَمْ يَتَقَدَّمْهَا  فِي إِسْلَامِهَا سِوَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ فِي  الخَامِسَةِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ عُمُرِهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ القَاسِمَ وَعَبْدَ اللهِ (وَهُوَ المُلَقَّبُ بِالطَّاهِرِ وَالطَّيِّبِ) وَفَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ).

وَيُوْجَدُ خِلَافٌ بَيْنَ المُؤَرِّخِيْنَ فِي بَقِيَّةِ مَنْ سَمَّيْنَا بِبَنَاتِهِ مِنْ خَدِيْجَةَ، هَلْ هُنَّ بَنَاتُهُ فِعْلَاً أَمْ رَبَائِبُهُ (بِاعْتِبَارِ أَنَّهُنَّ بَنَاتُ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ أُخْتِ خَدِيْجَةَ الْلَّاتِي ضَمَّتْهُنَّ إلَيْهَا بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدَيْهِمَا وَانْتَقَلْنَ إلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَتَرَبَّيْنَ فِي حِجْرِهِ بَعْدَ زَوَاجِ خَدِيْجَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ).

سَخَّرَتِ الصِّدِّيْقَةُ الكُبْرَى خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ كُلَّ ثَرْوَتِهَا الطَّائِلَةِ فِي خِدْمَةِ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِيْنَ، وَوَهَبَتْ كُلَّ مَا تَمْلِكُ لِلنَّبِيِّ الأَقْدَسِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَكَانَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) يَرُدُّ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَقُوْلُ لَهُ إِنَّ اللهَ أَبْدَلَكَ بِخَيْرٍ مِنْهَا: «لَا وَاللهِ مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْرَاً مِنْهَا، آَمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي وَكَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي فِي مَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللهُ مِنْهَا أَوْلَادَاً إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ».

جَاءَ فِي كِتَابِ "الخَصَائِصِ الفَاطِمِيَّةِ": (كَفَى خَدِيْجَةَ شَرَفَاً أَنَّهَا عَاشَتْ مَعِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) أَرْبَعَاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، فَلَمْ يَخْتَر عَلَيْهَا اِمْرَأَةً حَتَّى مَاتَتْ، فَلَمَّا هَاجَرَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) تَزَوَّجَ فِي فَتْرَةٍ وَجِيْزَةٍ عِدَّةَ زَوْجَاتٍ وَظَلَّ يَلْهَجُ بِاسْمِ «خَدِيْجَةَ» وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهَا وَيَسْتَغْفِرُ لَهَا وَيَحْتَرِمُ أَرْحَامَهَا وَيُقَرِّبُهُمْ، وَلَمْ يَغْفَلْ عَنْ ذِكْرِهَا أَبَدَاً ، وَكَانَ يَرَى فِي فَاطِمَةَ حَنَانَ أُمِّهَا وَحُبَّهَا وَوُدَّهَا وَإِحْسَانَهَا فَيَلْزَمُهَا وَيُحِبُّهَا وَيُقَبِّلُهَا وَيَتَذَكَّر فِيْهَا أُمَّهَا.

وَفِي الخَبَرِ أَنَّ فَاطِمَةَ إِمْتَنَعَتْ يَوْمَاً عَنِ الطَّعَامِ وَقَالَتْ لَا آَكُلُ حَتَّى أَعْلَمَ أَيْنَ أُمِّي خَدِيْجَة، فَنَزَلَ جِبْرَئِيْلُ الأَمِيْنُ وَقَالَ: إِنَّ خَدِيْجَةَ فِي الجَنَّةِ بَيْنَ آَسِيْةَ وَسَارَةَ.

وَتُوُفِّيَتْ فِي السَّنَةِ العَاشِرَةِ مِنَ البَعْثَةِ، عَلَى الرِّوَايَةِ المَشْهُوْرَةِ، وَقَارَنَتْ وَفَاتُهَا وَفَاةَ أَبِيْ طَالِبٍ، فَسَمَّى الرَّسُوْلُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) ذَاكَ العَامَ بعَامِ الحُزْنِ ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ مِنْ وَفَاتِهَا إِلَى المَدِيْنَةِ المُنَوَّرَةِ. وَقَدْ وَرَدَتِ الأَخْبَارُ عَنِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ فِي كَثْرَةِ أَمْوَالِ خَدِيْجَةَ، حَتَّى قَالَ العَلَّامَةُ المَجْلِسِيُّ فِي المُجَلَّدِ السَّادِسِ مِنْ بِحَارِ الأَنْوَارِ أَنَّهُ «كَانَ لِخَدِيْجَةَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَبِيْدٌ وَمَوَاشٍ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّ لَهَا أَزْيَدَ مِنْ ثَمَانِيْنَ أَلْفِ جَمَلٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ». 

وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ أَمِيْرَةَ عَشِيْرَتِهَا وَسَيِّدَةَ قَوْمِهَا وَوَزِيْرَةَ صِدْقٍ لِرَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، فَكَانَتْ كَأَنَّهَا المَلِكَةُ فِي الحِجَازِ وَأَطْرَافِهَا، لِكَثْرَةِ مَا كَانَتْ تَمْلِكُهُ مِنَ المَوَاشِي وَالخَدَمِ وَالحَشَمِ وَالضِّيَاعِ وَالعَقَارِ وَالأَمْلَاكِ وَالأَمْوَالِ وَالتِّجَارَةِ والعَبِيْدِ وَالإِمَاءِ وَالجَوَاهِرِ الغَالِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَقَدْ قَدَّمَتْهَا جَمِيْعَاً -وَهِيَ فِي غَايَةِ الرِّضَا وَالِامْتِنَانِ- إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) خُصُوْصَاً خِلَالَ فَتْرَةِ الحِصَارِ فِي شِعْبِ مَكَّةَ، حَيْثُ إسْتَمَرَّ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ مَنَعْتْ قُرَيْشٌ القُوْتَ وَالإِمْدَادَ عَنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَكَانَتْ خَدِيْجَةُ تُغْدِقُ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ سَخَاءٍ، وَتُنْفِقُ عَلَى تِلْكَ الجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ بَنِي هَاشِمَ وَمِنَ الحُرَّاسِ وَالحَفَظَةِ الَّذِيْنَ كَانُوا مَعْ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَكَانَ الرَّبِيْعُ بنُ العَاصْ صِهْرَ خَدِيْجَةَ عَلَى بِنْتِهَا يَحْمِلُ الحِنْطَةَ وَالتَّمْرَ عَلَى الإِبِلِ وَيَبْعَثُ بِهَا إِلَيْهِمْ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلَامِ، حَتَّى نَفَذَتْ ذَخَائِرُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ، وَآَلَ أَمْرُهُمْ إِلَى أَنْ قَنَعُوا بِثَوْبٍ وَاحِدٍ يَسْتُرُ عَوْرَاتِهِمْ.

وَهَكَذَا كَانَتْ خَدِيْجَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) مُؤْمِنَةً حَقْاً، آَمَنَتْ بِنَبِيِّ آَخِرِ الزَّمَانِ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالمَالِ وَالجِنَانِ.

نَعَمْ; لَقَدْ سَاوَى بَذْلُ خَدِيْجَةٍ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) سَيْفَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي الإِسْلَامِ، وَتَسَاوَيَا مِنْ قَبْلُ فِي السَّبْقِ إلَى الإِسْلَامِ، وَفِي هَذَا مِنَ الشَّرَفِ مَا يَكْفِي خَدِيْجَةً (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، عَلَاوَةً عَلَى أنَّهَا قَامَتْ عَنْ بِنْتٍ كَفَاطِمَةٍ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، وَبِهَا تَشَرَّفَتْ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِيْنَ.

وَقَبْلَ نُزُوْلِ الأَجَلِ وَحُلُوْلِ زَمَنِ الفِرَاقِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى العَالَمِ الأَعْلَى ظَهَرَتْ لِخَدِيْجَةٍ الطَّاهِرَةِ مِنْ مَبْدَأِ المَرَاحِمِ الإِلَهِيَّةِ الخَاصَّةِ، مِنَ الأَلْطَافِ وَالمَرَاحِمِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى حَتَّى كَانَتْ مُسَلِّيَةً لِخَاطِرِ النَّبِيِّ الرَّؤُوْفِ. وَمُنْذُ البَعْثَةِ وَالنُّبُوَّةِ لَمْ يَقْبِضْ عِزْرَائِيْلُ وُعُمَّالُهُ رُوْحَ أَحَدٍ لَهُ تِلْكَ الأَلْطَافُ المُتَوَاتِرَةُ وَالأَفْضَالُ المُتَكَاثِرَةُ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَهَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ اِمْرَأَةٌ بَلْ حَتَّى رَجُلٌ بِصَلَابَةِ الإِيْمَانِ وَحُسْنِ الإِسْلَامِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ خَدِيْجَةٌ حَيْثُ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ; رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ مِنْ شُيُوْخٍ وَشُبَّانٍ وَرِجَالٍ وَنِسْوَانٍ، كَانُوْا أَرْكَانَ العَالَمِ وَقُوَّامَ الشَّرْعِ، أَمَّا الرَّجُلَانِ فَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَبُوْهُ أَبُو طَالِبٍ الَّذِي تُوفّيَ فِي عَامِ الحُزْنِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَخَدِيْجَةٌ الطَّاهِرَةُ وَبِنْتُهُا فَاطِمَةٌ المُطَهَّرَةِ).  انتهى 

الخَصَائِصُ الفَاطِمِيَّةُ، مُحَمَّدْ بَاقِر الكَجْوُّرِي ، ج1 ص 451 

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.