عِلَّةُ تَحْرِيْمِ الدُّوْمَنَه وَالطَاوِلَةِ وَالشِّطْرَنْجِ.

عَلِي رِضَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .. بَعَدَ الإِذْنِ نُرِيْدُ مَقَالَاً يُبْحَثُ فِيْهِ عِلَّةُ تَحْرِيْمِ الدُّومنَه، الطَاولة، الشَّطْرَنج، وَمَا شَابَهَهَا، مَعْ وَافِرِ الشُّكْرِ.

: اللجنة العلمية

الجواب:

الأَخُ عَلِيٌ المُحْتَرَمُ، عَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

لَقَدْ وَرَدَ فِي كَلِمَاتِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) كَلِمَاتٌ كَثِيْرَةٌ حَوْلَ عِلَّةِ تَحْرِيْمِ هَذِهِ الأُمُوْرِ، فَتَارَةً يَقُوْلُوْنَ هِيَ مِنَ البَاطِلِ، كَمَا فِيْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الشَّطْرَنْجِ، وَعَنْ لُعْبَةِ شَبِيْبٍ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: لُعْبَةُ الأَمِيْرِ، وَعَنْ لُعْبَةِ الثُّلُثِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُكَ إِذَا مَيَّزَ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ مَعْ أَيِّهِمَا تَكُوْنُ؟ قَالَ : مَعَ البَاطِلِ، قَالَ: فَلَا خَيْرَ فِيْهِ.[ وَسَائِلُ الشِّيْعَةِ 17 : 319 ، طَبْعَةُ آَلِ البَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ].  

وَأُخْرَى أَنَّهَا تَشْغَلُ المُؤْمِنَ، وَالمُؤْمِنُ فِي شُغْلٍ عَنْ مِثْلِ هَذَا اللَّعِبِ، كَهَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ المُخْتَارِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ اللَّعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ ، فَقَالَ : إِنَّ المُؤْمِنَ لَمَشْغُوْلٌ عَنِ اللَعِبِ .[ المَصْدَرُ السَّابِقُ ، ص 321].

وَأُخْرَى أَنَّهَا مِنْ آَلَاتِ القِمَارِ، كَهَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَلِيٌّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ (فِي تَفْسِيْرِهِ) عَنْ أَبِي الجَارُوْدِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوْهُ لَعَلَّكُم تُفْلِحُوْنَ" قَالَ: أَمَّا الخَمْرُ: فَكُلُّ مُسْكِرٍ مِنَ الشَّرَابِ -إِلَى أَنْ قَالَ:- وَأَمَّا المَيْسِرُ: فَالنَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ، وَكُلُّ قِمَارٍ مَيْسِرٌ. [المَصْدَرُ السَّابِقُ].

فَعِلَّةُ التَّحْرِيْمِ وَاضِحَةٌ بِلِحَاظِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَلَكِنْ قَدْ تَخْرُجُ بَعْضُ هَذِهِ المُسَمَّيَاتِ عَنِ العَنَاوِيْنِ التَّحْرِيْمِيَّةِ المَذْكُوْرَةِ فَتَصِيْرُ حَلَالاً، فَبَعْضُ فُقَهَائِنَا كالسَّيِّدِ الخُمَيْنِيِّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) قَدْ أَفْتَى بِالحِلِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لُعْبَةَ الشَّطْرَنْجِ قَدْ خَرَجَتْ فِي زَمَانِنَا عَنْ كَوْنِهَا آَلَةَ قِمَارٍ وَأَصْبَحَتْ وَسِيْلَةً لِتَنْشِيْطِ الذِّهْنِ وَتَنْمِيَةِ الذَّكَاءِ، وَمَعْ تَبَدُّلِ هَذَا العُنْوَانِ لَهَا يَتَبَدَّلُ الحُكْمُ، وَهَذَا بَحْثٌ أُصُوْلِيٌّ مَفَادُهُ: مَدْخَلِيَّةُ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ فِي عَمَلِيَّةِ الاسْتِنْبَاطِ. 

جَاءَ فِي كِتَابِ "قَوَاعِدُ نَافِعَةٌ فِي الإسْتِنْبَاطِ": ( قَدْ يَكُوْنُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ لِلزَّمَانِ وَالمَكَانِ دَوْرٌ وَتَأْثِيْرٌ عَلَى عَمَلِيَّةِ الاسْتِنْبَاطِ وَصِيَاغَةِ الحُكْمِ، وَفِي البَعْضِ الآَخَرِ قَدْ لَا يَكُوْنُ لَهُمَا مِثْلُ الدَّوْرِ المَذْكُوْرِ ...وَلَعَلَّ مِنْ هَذَا القَبِيْلِ تَحْرِيْمُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ ، فَإِنَّهُ لَو حَصَلَ لِلفَقِيْهِ جَزْمٌ بِأَنَّ الشَّطْرَنْجَ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ مِنَ الوَسَائِلِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى تَقْوِيَةِ الذِّهْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ وَسِيْلَةً لِقَضَاءِ الوَقْتِ وَاللَّعِبِ وَاللَّهْوِ لَا أَكْثَر، لَأَمْكَنَ القَوْلُ بِرَفْعِ اليَدِ عَنْ تَحْرِيْمِهِ، وَأَنَّ دَلِيْلَ التَّحْرِيْمِ لَا يَشْمَلُ مِثْلَ زَمَانِنَا الَّذِي أَصْبَحَ فِيْهِ الشَّطْرَنْجُ عِلْمَاً وَفَنَّاً خَاصَاً يَتَبَارَى فِيْهِ الأَذْكِيَاءُ لِلْكَشْفِ عَنْ قِوَاهُمُ الذِّهْنِيَّةِ. 

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي دَعَا السَّيِّدَ الخُمَيْنِيَّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) إِلَى الحُكْمِ بِحِلِّيَتِهِ.

وَنَلْفُتُ النَّظَرَ هُنَا إِلَى قَضِيَةٍ جَانِبِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ (قُدِّسَ سِرُّهُ) لَمْ يَحْكُمْ بِحِلِّيَتِهِ مُطْلَقَاً كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الحُكْمَ عَلَى الفَرْضِ السَّابِقِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ، أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الشَّطْرَنْجَ قَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ وَسِيْلَةَ تَرَفٍ وَلَهْوٍ، وَأَصْبَحَ مِنْ وَسَائِلِ تَقْوِيَةِ الذِّهْنِ وَالذَّكَاءِ). [قَوَاعِدُ نَافِعَةٌ فِي الإسْتِنْبَاطِ ، تَقْرِيْرَاتُ آَيَةِ اللهِ الشَّيْخِ بَاقِرٍ الأَيْرَوَانِيِّ ، ص 190].

وَبِلِحَاظِ مَا تَقَدَّمَ، يُمْكِنُ القَوْلُ بِأَنَّ دَلِيْلَ التَّحْرِيْمِ عِنْدَ الفَقِيْهِ خَاضِعٌ لِصِدْقِ العُنْوَانِ عَلَى المُعَنْوَنِ، فَمَعْ صِدْقِ العُنْوَانِ -كَمَا فِي الشَّطْرَنْجِ بِأَنَّهُ آَلَةُ قِمَارٍ- أَفْتَى الفُقَهَاءُ بِالحُرْمَةِ، وَمَعْ عَدَمِ صِدْقِ العُنْوَانِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالحِلِّيَّةِ. 

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.