لِمَاذَا لَا نَكُوْنَ لَاأَدْرِيِّيْنَ فِي مَسْأَلَةِ وُجْوُدِ اللهِ؟
يَقُوْلُ المُلْحِدُوْنَ: لِمَاذَا لَا نَكُوْنُ لَاأَدْرِيِّيْنَ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوْدِ اللهِ كَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى مِثْلَ وُجُوْدِ حَيَاةٍ فِي كَوْكَبٍ آَخَرٍ، أَوِ الحَدِيْثِ عَنْ سَبَبِ إنْقِرَاضِ الدَّيْنَاصُوْرَاتِ؟ الكَثِيْرُ قَالُوا نَعَمْ مِنْ دُوْنِ شَكٍّ، وَبِلَهْجَةٍ تُوْحِي بِأَنَّهُمْ عَلَى حَافَّةِ الغَضَبِ وَعَلَى غَيْرِ اِسْتِعْدَادٍ لِلْمُنَاقَشَةِ فِي ذَلِكَ.
يَحْتَوِيْ هَذَا الكَلَامُ عَلَى مَجْمُوْعَةٍ مِنَ المُغَالَطَاتِ.
المُغَالَطَةُ الأُوْلَى: هِيَ قَوْلُهُ: (يَقُوْلُ المُلْحِدُوْنَ لِمَاذَا لَا نَكُوْنُ لَاأَدْرِيِّيْنَ) وَهِيَ عِبَارَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ فِي نَفْسِهَا، فَكَيْفَ يَكُوْنُ هَذَا الخِطَاْبَ مُوَجَّهَاً مِنَ المُلْحِدِ لِلْمُؤْمِنِ؟؛ فَالإِلْحَادُ مَوْقِفٌ قَائِمٌ عَلَى الجَزْمِ بِعَدَمِ وُجُوْدِ إِلَهٍ أَيْ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِعَدَمِ وُجُوْدِهِ، وَاللَّاأَّدْرِيَّةُ هِيَ مَوْقِفٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الوُجُوْدِ وَالعَدَمِ أَيْ أَنَّ المَسَافَةَ مُتَسَاوِيَةٌ بَيْنَ وُجُوْدِهِ وَعَدَمِهِ.
المُغَالَطُةُ الثَّانِيَةُ: أنْزَلَ اللَّاأَدْرِيَّةَ مَنْزِلَةَ العِلْمِ وَمِنْ ثُمَّ تَحَدَّثَ عَنْهَا وَكَأَنَّهَا حَقِيْقَةٌ يَجِبُ التَّسْلِيْمُ بِهَا، فِيْ حِيْنِ أَنَّ اللَّاأَدْرِيَّةَ هِيَ الجَهْلُ بِالشَّيِءِ، وَالجَهْلُ مَوْقِفٌ سَلْبِيٌّ تَنْفِرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ الرَّفِيْعَةُ، وَمُسَاوَاةُ الجَهْلِ بِالعِلْمِ وَجَعْلُهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ جَهْلٌ لَا يُدَانِيْهِ جَهْلٌ.
المُغَالَطَةُ الثّالِثَةُ: إسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ النَّمَاذِجِ الَّتِي لَمْ يَتَوَصَّلْ فِيْهَا الإِنْسَانُ إِلَى العِلْمِ مِثْلِ وُجُوْدِ حَيَاةٍ فِي كَوْكَبِ المَرِّيْخِ، وَالمَوْقِفُ العِلْمِيُّ إتِّجَاهَ هَذِهِ النَّمَاذِجِ لَيْسَ اللَّاأَدْرِيَّةَ كَمَا يَظُنُّ، وَإِنَّمَا البَحْثُ الدَّؤُوْبُ ضِمْنَ فَرَضِيَّاتٍ عِلْمِيَّةٍ يَسْعَى العُلَمَاءُ وَبِشَكْلٍ جِدِّيٍ فِي تَرْجِيْحِهَا أَوْ نَفْيِهَا، وَلَا يَكْتَفُوْنَ بِالْمَوْقِفِ السَّلْبِيِّ كَمَا يُطَالِبُنَا المُلْحِدُ.
المُغَالَطَةُ الرَّابِعَةُ: الخَلْطُ فِي أَدَوَاتِ المَعْرِفَةِ وَمُصَادَرَةُ بَعْضِهَا لِصَالِحِ المَنْهَجِ الحِسِّيِّ، وَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ شَائِعَةٌ بَيْنَ المُلْحِدِيْنَ، فَتَنَوُّعُ المَعَارِفِ الإِنْسَانِيَّةِ كَاشِفٌ عَنْ تَنَوُّعِ الأَدَوَاتِ المُوْصِلَةِ لِتِلْكَ المَعَارِفِ، وَمُصَادَرَةُ المَنْهَجِ العَقْلِيِّ البُرْهَانِيِّ لِصَالِحِ المَنْهَجِ التَّجْرِيْبِيِّ لَا يَقِفُ عِنْدَ حُدُوْدِ إِنْكَارِ الخَالِقِ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا يَتَجَاوَزُ كُلَّ مَا يُمَيِّزُ الإِنْسَانَ بِوَصْفِهِ كَائِنَاً عَاقِلَاً لَهُ القُدْرَةُ عَلَى التَّفْكِيْرِ خَارِجَ حُدُوْدِ الحِسِّ.
المُغَالَطَةُ الخَامِسَةُ: إِهْمَالُهُ لِلضَّرُوْرَةِ العَقْلِيَّةِ فِي مَوْضُوْعِ إثْبَاتِ وُجُوْدِ الإِلَهِ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَعْلُوْلٍ لَابُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، فَقَوْلُهُ مَثَلَاً: مَا هُوَ السَّبَبُ فِي انْقِرَاضِ الدَّيْنَصُوْرَاتِ؟ لَا يَسْتَقِيْمُ إِلَّا بِالإِرْتِكَازِ عَلَى هَذِهِ الضَّرُوْرَةِ، وَالاِعْتِرَافُ بِذَلِكَ يَقُوْدُهُ حَتْمَاً إِلَى الإِيْمَانِ بِوُجُوْدِ صَانِعٍ لِهَذَا الكَوْنِ ِحَتَّى لَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَهْتَدِيَ لِصِفَاتِ هَذَا الصَّانِعِ، وَبِالتَّالِي فَالمُطَالَبَةُ بِاللَّاأَدْرِيَّةِ تُصْبِحُ مُطَالَبَةً مُخَالِفَةً لِضَرُوْرَاتِ العَقْلِ.
اترك تعليق