حُكْمُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَةَ أَهْلِ البَيْتِ (ع).
أَبُو دُجَانَةَ/: ((السُّؤَالُ لَكُمْ: مَا حُكْمُكُمْ عَلَى مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَتَكُمْ)) وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100). "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيْتَةَ جَاهِلِيَّةً"(1). وَأَلْفَاظُ الحَدِيْثِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِإِمَامٍ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً"(2). وَالمُتَبَادَرُ مِنْ فِقْهِ هَذَا الحَدِيْثِ وُجُوْدُ أَئِمَّةٍ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَلِهَذَا الدِّيْنِ، بِهِمْ يَتَقَوَّمُ الإِيْمَانُ، وَبِمَعْرِفَتِهِمُ النَّجَاةُ، وَأَنَّ مَعْرِفَتَهُمْ عَلَى حَدِّ مَعْرِفَةِ بَقِيَّةِ أُصُوْلِ الدِّيْنِ. 1- مُسْنَدُ الطَّيَالِسِي: 259 طَبْعَةُ حَيْدَرْ آَبَاد، وَصَحِيْحُ القَتِيْرِيِّ النَّيْسَابُوْرِيِّ 8/107، وَيَنَابِيْعُ المَوَدَّةِ لِلْقَنْدُوْزِيِّ: 117. وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الحَدِيْثِ: "مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً". 2- مَجْمَعُ الفَائِدَةِ لِلْمُحَقِّقِ الأَرْدَبِيْلِيِّ: 215.
الأَخُ أُبُو دُجَانَةَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) فِي أَحَادِيْثَ مُتَظَافِرَةٍ بَلْ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّهُ قَالَ:
1-(مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً). [صَحِيْحُ مُسْلِمٍ 6: 22 كِتَابُ الإِمَارَةِ، السُّنَنُ الكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ 8: 156].
2-(مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً). [مُسْنَدُ أَحْمَد 4: 96، المُعْجَمُ الكَبِيْرُ لِلطَّبَرَانِيِّ 19 : 389].
3-(مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ مِيْتَتُهُ مِيْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ). [مَجْمَعُ الزَّوَائِدِ 5: 224و225، كِتَابُ السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ :489 ح1075.قَالَ اللُّبَانِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ].
4-(مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً). [شَرْحُ المَقَاصِدِ لِلتَّفْتَازَانِيِّ 2: 275].
5-(مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً). [مُسْنَدُ أَحْمَدَ 3: 446، المَطَالِبُ العَالِيَةُ لِابْنِ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيِّ 6: 339].
قَالَ إبْنُ حَزْمٍ فِي "الفَصْلِ بَيْنَ المِلَلِ وَالنِّحَلِ": (إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ- نَصَّ عَلَى وُجُوْبِ الإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَقَاءُ لَيْلَةٍ دُوْنَ بَيْعَةٍ). [الفَصْلُ بَيْنَ المِلَلِ وَالنِّحَلِ 4: 84].
وَقَالَ فِي "المُحَلَّى": (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيْتَ لَيْلَتَيْنِ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ لِإِمَامٍ بَيْعَةٌ). [المحلّى 9:359].
وَقَالَ الأَيْجِيُّ فِي "المَوَاقِفِ": (تَوَاتَرَ إِجْمَاعُ المُسْلِمِيْنَ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الوَقْتِ مِنْ إِمَامٍ). [المَوَاقِفُ 3: 575].
وَقَالَ إبْنُ حَجَرٍ: (قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَصْبُ خَلِيْفَةٍ، وَعَلَى أَنَّ وُجُوْبَهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالعَقْلِ). [ فتحُ الباري 13 : 176]
وَقَالَ المَاوَرْدِيُّ: (وَعَقْدُهَا "أَي الإِمَامَةُ" لِمَنْ يَقُوْمُ بِهَا فِي الأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالإِجْمَاعِ). [الأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ:29]
أمّا مَا هُوَ حُكْمُ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَايِعْ لِإِمَامٍ وَاجِبِ الطَّاعَةِ؟!!
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نَيْلِ الأَوْطَارِ": (وَالمُرَادُ بِالمِيْتَةِ الجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ بِكَسْرِ المِيْمِ أَنْ يَكُوْنَ حَالُهُ فِي المَوْتِ كَمَوْتِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ عَلَى ضَلَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مُطَاعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُوْنَ ذَلِكَ. وَلَيْسَ المُرَادُ أَنَّهُ يَمُوْتُ كَافِرَاً بَلْ يَمُوْتُ عَاصِيَاً). [نَيْلُ الأَوْطَارِ 7 :356].
وَقَوْلُكُمْ فِي السُّؤَالِ: مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَتَكُمْ .. فِيْهِ مُغَالَطَةٌ وَاضِحَةٌ؛ فَالمُهَاجِرُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) كَيْفَ تَخْفَى عَلَيْهِ الأَحَادِيْثُ المُتَقَدِّمَةُ المُتَظَافِرَةُ بَلِ المُتَوَاتِرَةُ -كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَعْلَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ- فِي لُزُوْمِ البَيْعَةِ لِإِمَامٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟ وَإِنْ كُنْتَ تَقْصِدُ عَدَمَ مَعْرِفَتِكَ لِإِمَامَةِ وَخِلَافَةِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهُ قَالَ: (إِنِّي تَارِكٌ فِيْكُمْ خَلِيْفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُوْدٌ مَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ}. [صَحِيْحُ الجَامِعِ الصَّغِيْرِ لِلْأَلْبَانِيِّ 1: 482، مُسْنَدُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ ، بِرَقَمِ : 21654، تَصْحِيْحُ شُعَيْبٍ الأَرْنَؤُوْط].
وَلَمْ يَثْبُتْ نَصٌّ صَحِيْحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ جَمِيْعَاً عَلَى إِمَامَةِ وَخِلَافَةِ غَيْرِهِمْ، وَمَعْنَى الخِلَافَةِ وَالإِمَامَةِ وَاحِدٌ؛ إِذِ الخَلِيْفَةُ فِي اللُّغَةِ تَعْنِي الإِمَامَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ. فَالجَاهِلُ هُنَا إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ قَاصِرَاً (أَيْ لَمْ تَتَوَفَّرْ لَهُ إِمْكَانِيَّةُ البَحْثِ وَمَعْرِفَةُ الإِمَامِ الحَقِّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَايَعَتَهُ، وَالمَقْصُوْدُ بِالمُبَايَعَةِ هِيَ المَعْرِفَةُ وَالاِلْتِزَامُ بِخَطِّهِ وَمَنْهَجِهِ)، أَوْ يَكُوْنَ مُقَصِّرَاً (أَيْ هُوَ تَهَاوَنَ فِي البَحْثِ عَنِ الإِمَامِ الحَقِّ الَّذِي يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ وَمُبَايَعَتُهُ)، وَفِي الحَالَةِ الأُوْلَى يَكُوْنُ مَعْذُوْرَاً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الحَالَةِ الثَّانِيَّةِ يَكُوْنُ عَاصِيَاً، كَمَا نَصَّ الشَّوْكَانِيُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.
اترك تعليق