ما معنى قول أرسطو استكمل النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظريه والعمليه بقدر الطاقه الإنسانية؟
الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ
هذهِ المقولةُ لابنِ سينا في كتابِ "عيون الحكمة" حيثُ يستتبعُ هذهِ المقولةَ بشرحٍ تفصيليّ لمُرادِه، وسوفَ نُقدّمُ هُنا شرحاً مُوجزاً لِما قالَه، حيثُ يُؤكّدُ في هذه العبارةِ على أنَّ إستكمالَ الإنسانِ وكمالُه يتحقّقُ بنوعينِ منَ العِلم أو نوعينِ منَ الحِكمةِ، تُسمّى الأولى بالحكمّةِ النّظريّةِ وهيَ الحكمةُ المُتعلّقةُ بالأمورِ التي يجبُ أن نعلمَها ولا نعملَها، أمّا الحكمةُ المُتعلّقةُ بالأمورِ العمليّة، وهيَ الأمورُ التي يجبُ أن نعملَها، وكلُّ واحدةٍ منَ الحكمتينِ تنحصرُ في أقسامٍ ثلاث: فأقسامُ الحكمةِ العمليّةِ: حكمّةٌ مدنيّةٌ، وحكمةٌ منزليّةٌ، وحكمةٌ خلقيّةٌ، ثُمَّ يشرحُ الفائدةَ منهَا حيثُ تتعلّقُ الحكمةُ المدنيّةُ بالحالةِ الإجتماعيّةِ وكيفيّةِ المُشاركةِ مع الآخرينَ، أمّا الحكمةُ المنزليّةُ، فلها علاقةٌ بالأُسرةِ وشؤونِ تدبيرِ المنزلِ والعلاقةِ بينَ أفرادِ العائلة، وأمّا الحكمةُ الخلقيّةُ فلها علاقةٌ بالفضائلِ وتزكيةِ النّفسِ بالعاداتِ الحميدة.
أمّا بخصوصِ الحكمةِ النّظريّةِ فيقولُ إبنُ سينا: "وأمّا الحكمةُ النّظريّةُ، فأقسامُها ثلاثةٌ: حكمةٌ تتعلّقُ بما في الحركةِ والتّغيّرِ، وتُسمّى حكمةً طبيعيّةً، (المقصودُ هو علومُ الطّبيعيّات) وحكمةٌ تتعلّقُ بما من شأنِه أن يُجرّدَه الذّهنُ عَن التّغيّرِ، وإن كانَ وجودُه مُخالِطًا للتّغيّرِ، ويُسمّى حكمةً رياضيّةً، وحكمةً تتعلّقُ بما وجودُه يستغنِي عَن مُخالطةِ التّغيّرِ فلا يُخالِطُه أصلًا، وإن خالطَه فبالعرَضِ؛ لأنَّ ذاتهُ مُفتقرةٌ في تحقيقِ الوجودِ إليه، وهي الفلسفةُ الأدبيّةُ، والفلسفةُ الإلهيّةُ جزءٌ مِنها، وهيَ معرفةُ الرّبوبيّةِ. ثُمَّ يختمُ بقولِه: ومَن أوتي إستكمالَ نفسِه بهاتينِ الكلمتين، والعملَ على ذلكَ بإحداهما، فقَد أوتي خيرًا كثيرًا".
إبنُ سينا: "عيونُ الحكمة" ص 16-17، نشرتُنا في القاهرة سنة 1954.
اترك تعليق