"ما جمع المال الا من بخل أو حرام"هل هذا الحديث وارد عن أمير المؤمنين (عليه السلام )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الحديثُ بهذا اللّفظِ لَم يرِد في مصادرِ السّنّةِ والشّيعةِ المُعتبرةِ التي وصلَت إلينا, وإنْ كانَ مَشهوراً على ألسُنِ كثيرٍ منَ النّاس. نعَم, توجدُ روايةٌ بهذا المضمونِ رواها الشّيخُ الصّدوقُ في كتابِه (الخصالِ) بإسنادِه إلى محمّدٍ بنِ إسماعيلَ بنِ بُزيع قالَ: سمعتُ الإمامَ الرّضا (عليه السّلام) يقولُ: لا يجتمعُ المالُ إلّا بخصالٍ خمسٍ: ببُخلٍ شديدٍ، وأملٍ طويلٍ، وحرصٍ غالبٍ، وقطيعةِ الرّحمِ، وإيثارِ الدّنيا على الآخرة. وإذا تبادرَ إلى ذهنِ السّائلِ إشكاليّةٌ في جمعِ مالِ بعضِ الصّالحينَ؛ فلعلَّ في هذهِ الرّوايةِ منفذاً لتوجيهِ ذلك, إذْ وردَ فيها عبارةُ: (أملٍ طويلٍ), وهذا قَد يتوافقُ معَ الحديثِ الآخرِ المَرويّ عنِ الإمامِ الحسنِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ عليهما السّلام أنّهُ قالَ: إعمَل لدُنياكَ كأنّكَ تعيشُ أبداً, واعمَل لآخرتكَ كأنّكَ تموتُ غداً. ثُمَّ إنَّ متنَ هذا الحديثِ - على فرضِ التّسليمِ به - يلحظُ الصّورةَ لغالبيّةِ النّاسِ, ولكِنَّ هذا لا يمنعُ مِن أن يكونَ هُناكَ شخصٌ مؤمنٌ صالحٌ غيرُ بخيلٍ, فقَد يكونُ على قاعدةِ: (مَنْ أيقنَ بالخلفِ جادَ بالعطيّةِ), وهذهِ الحكمةُ مرويّةٌ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السّلام) في نهجِ البلاغة, ومعناها واضحٌ, فالذي يُعطي مالَهُ في سبيلِ اللهِ تعالى, فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا سيُخلِفُه له, ويُرجعُه عليهِ أكثرَ مِـمّا أعطى, أو مِن بابِ الزّكاةِ, فمَن زكّى مالَه فقَد يُكثِرُ اللهُ تعالى مالَه, ومعنَى الزّكاةِ لُغةً النّماءُ , ويُوجدُ لِهذا الكلامِ أمثلةٌ كثيرةٌ منَ المُؤمنينَ في المُجتمعِ, وسنذكرُ مِثالاً واضِحاً على ذلكَ وهوَ ما وردَ في المُؤمنِ الشّهيرِ عليٍّ بنِ يقطين , فقَد كانَ مِن أصحابِ الإمامِ الكاظم (عليه السّلام) , وكانَ غنيّاً, وكانَ وزيراً لهارونَ العبّاسيّ بإرشادِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السّلام).
وقَد جاءَ في علوِّ شأنِه ما رُوِيَ عنِ الإمامِ الكاظمِ (عليهِ السّلام) كما في كتابِ (معرفةِ إختيارِ الرّجالِ) للكشّيّ, أنّه قالَ: (…ضمنتُ لعليٍّ بنِ يقطين ألّا تمسّهُ النّارُ), وروى الكشيُّ أيضاً بإسنادِه عن عبدِ اللهِ بنِ يحيى الكاهليّ، قالَ: كنتُ عندَ أبي إبراهيمَ (الإمامِ الكاظمِ) عليهِ السّلام إذْ أقبلَ عليٌّ بنُ يقطين، فالتفتَ أبو الحسنِ عليهِ السّلام إلى أصحابِه فقالَ: مَن سرّهُ أن يرى رجُلاً مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه, فلينظُر إلى هذا المُقبلِ، فقالَ لهُ رجلٌ منَ القومِ: هوَ إذنْ مِن أهلِ الجنّةِ، فقالَ أبو الحسنِ عليه السّلام: أمّا أنا فأشهدُ أنّهُ مِن أهلِ الجنّةِ.
ففضلُه أجلُّ مِن أنْ يُحصَى ويُذكَر, فمعَ جلالةِ قدرِ عليٍّ بنِ يقطن فقَد كانَ غنيّاً, وكانَ لهُ مالٌ كثيرٌ, وكانَ يُنفِقُ منهُ في سبيلِ اللهِ تعالى, وفي أعمالِ الخيرِ, وسنذكرُ مِن إنفاقِه ما رواهُ الكشيُّ بإسنادِه إلى سليمانَ بنِ الحُسينِ كاتبِ عليٍّ بنِ يقطين، قالَ: أحصيتُ لعليٍّ بنِ يقطين مَنْ وافى عنهُ في عامٍ واحدٍ مئةً وخمسينَ رجُلاً، أقلُّ مَن أعطاهُ منهُم سبعمئةِ درهمٍ، وأكثرُ مَن أعطاهُ عشرةُ آلافِ درهمٍ, والرّواياتُ في بذلِه لمالِه وكرمِه كثيرةٌ, فمالُه – إذنْ - لَم يجتمِع لديهِ (مِن بُخلٍ أو حرام), ونكتفي بهذا القدرِ
ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق