ما حقيقة الحيوانات الممسوخة مثل القرد والدب والفيل والعقرب والارنب وغيرها وما هي الحيوانات الباقيه
السلام عليكم ورحمة الله
أمرُ المُسوخِ منَ الأمورِ البعيدةِ عَن إدراكِ الإنسانِ وفهمِه، ولا يمتلكُ الإنسانُ المُقوّماتِ العلميّةَ والمعرفيّةَ التي تجعلُ الإنسانَ يُحقّقُ فهماً واضِحاً عَن حقيقةِ المسوخِ، فالقولُ أنَّ هُناكَ بعضَ الحيواناتِ كانَت بشراً ثمَّ مُسخَت، قولٌ لهُ علاقةٌ بالغيبِ، ومنَ الواضحِ أنَّ التّعاملَ معَ الأمورِ الغيبيّةِ يدورُ مدارَ التّصديقِ أو التّكذيبِ ولا طاقةَ للإنسانِ في فهمِه وإدراكِه، فالذي يُصدّقُ بالمسخِ لا يُصدّقُ بهِ لأنّهُ حقّقَ وعياً مكّنَه مِن إستيعابِ حقيقةِ المسخِ، وإنّما يدفعُه إلى التّصديقِ مُجرّدُ إيمانِه بقُدرةِ اللهِ على فعلِ ذلكَ، وعليهِ فالسّبيلُ الوحيدُ لمعرفةِ إن كانَ هُناكَ مسخٌ أو لا هوَ إخبارُ الوحي ولا سبيلَ غيرَه، والقرآنُ الكريمُ بوصفِه مصدراً مقطوعَ الصّدورِ أشارَ إلى حدوثِ المسخِ بالفعلِ لبعضِ بني إسرائيل، قالَ تعالى: (وَلَقَد عَلِمتُمُ الَّذِينَ اعتَدَوا مِنكُم فِي السَّبتِ فَقُلنا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) وعليهِ تكونُ الآيةُ نصَّت على وقوعِ ذلكَ، يقولُ العلّامةُ الطّباطبائيّ في تفسيرِ الميزان: "وقَد نصَّ القُرآنُ الشّريفُ على مسخِ آخرينَ بالقردةِ، قالَ تعالى: " وَلَقَد عَلمتُمُ الَّذِينَ اعتَدَوا مِنكُم فِي السَّبتِ فَقُلنَا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ"، والمَرويّ في هذا البابِ عَن بعضِ طُرقِ أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام: أنّهُم مُسخُوا خنازير. وفى تفسيرِ العيّاشيّ عنِ الفُضيلِ بنِ يسار عَن أبي الحسنِ (ع) قالَ: إنَّ الخنازيرَ مِن قومِ عيسى سألوا نزولَ المائدةِ فلم يؤمنُوا بها فمسخَهُم اللهُ خنازير. وفيهِ: عَن عبدِ الصّمدِ بنِ بندار قالَ: سمعتُ أبا الحسنِ (ع) يقولُ: كانَت الخنازيرُ قوماً منَ القصّارينَ كذّبوا بالمائدةِ فمُسِخُوا خنازير. أقولُ: وفيما رواهُ في الكافي عَن محمّدٍ بنِ يحيى عَن أحمد بنِ محمّدٍ عَن مُحمّدٍ بنِ الحسنِ الأشعريّ عَن أبي الحسنِ الرّضا (ع) قالَ: الفيلُ مسخٌ كانَ ملكاً زنّاءً، والذّئبُ مسخٌ كانَ أعرابيّاً ديوثاً، والأرنبُ مسخٌ كانَت إمرأةً تخونُ زوجَها ولا تغتسلُ من حيضِها، والوطواطُ مسخٌ كانَ يسرقُ تمورَ النّاسِ، والقِردةُ والخنازيرُ قومٌ مِن بني إسرائيلَ اعتدوا في السّبتِ، والجريثُ والضّبُّ فرقةٌ مِن بني إسرائيلَ لم يُؤمنُوا حيثُ نزلَت المائدةُ على عيسى بنِ مريم فتاهوا فوقعَت فرقةٌ في البحرِ وفرقةٌ في البرِّ، والفارةُ فهىَ الفويسقةُ، والعقربُ كانَ نمّاماً، والدّبُّ والوزغُ والزّنبورُ كانَت لحّاماً يسرقُ في الميزانِ. والرّوايةُ لا تُعارضُ الرّوايتينِ السّابقتين لإمكانِ أن يُمسخَ بعضُهم خنزيرَ وبعضُهم جريثاً وضبّاً"
وعليهِ لا مجالَ لمعرفةِ حقيقةِ المسخِ كما يُطالبُ السّائلُ، وكلُّ ما بوسعِ الإنسانِ هوَ التّصديقُ بحدوثِه كما أخبرَ القُرآنُ والرّواياتُ، ويبدو أنَّ السّببَ الذي يجعلُ البعضَ يرفضُ حدوثَ المسخِ هوَ التّصوّرُ الذي يقولُ إنَّ المسخَ هوَ أساسُ وجودِ هذهِ الحيواناتِ، وهذا ليسَ صحيحاً، فقولُه (كونُوا قِردةً) يدلُّ على أنَّ القرودَ كانَت موجودةً قبلَ المسخِ، وكلُّ ما حدثَ هوَ أنَّ اللهَ جعلَ صورتَهُم كصورةِ تلكَ القرودِ، ولِذا ما يقعُ عليهِ المسخُ لا يتكاثرُ ولا يعيشُ وإنّما يكونُ الموتُ هوَ مصيرُه. وعليهِ فإنَّ الحيواناتِ التي نراها الآنَ ليسَت هيَ ذاتُها المسوخُ وإنّما هيَ خلقٌ للهِ أوجدَها لحِكمةٍ وهيَ تتكاثرُ بطريقتِها الخاصّةِ. وبذلكَ يصبحُ المسخُ نوعاً منَ العقابِ يتحوّلُ الإنسانُ معهُ على الصّورةِ التي تشبهُ هيئتَه النّفسيّةَ، ولِذا يقولُ بعضُ العُرفاءِ إنَّ الإنسانَ لهُ شكلٌ ظاهرٌ وشكلٌ باطنٌ، فحتّى لو كانَ شكلُه الظّاهرُ إنساناً إلّا أنّهُ قَد يكونُ شكلُه الباطنُ مثلَ الكلبِ أو الخنزيرِ أو غيرِ ذلكَ، ولو رُفعَ الحجابُ أمامَ الإنسانِ ورُئيَ النّاسُ على حقائقِها لما تمكّنَ منَ العيشِ معهُم، وعليهِ فإنَّ المسخَ هوَ جعلُ صورةِ الظّاهرِ مُطابقةً لصورةِ الباطنِ، وبالتّالي فإنَّ سببَ المسخِ هوَ أنَّ البعضَ قَد عاقبَهُ اللهُ بأن حوّلَ صورتَه على صورةِ الحيوانِ الذي يُناسبُ ذنبَه أو يناسبُ هيئتَه النّفسيّةَ، ولِذا قيلَ في تفسيرِ الآيةِ (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) " يقولُ تعالى: ( ولقَد علمتُم ) يا معشرَ اليهودِ ، ما حلَّ منَ البأسِ بأهلِ القريةِ التي عصَت أمرَ اللهِ وخالَفوا عهدَه وميثاقَه فيما أخذَه عليهم مِن تعظيمِ السّبتِ والقيامِ بأمرِه، إذ كانَ مشروعاً لهُم، فتحايلوا على اصطيادِ الحيتانِ في يومِ السّبتِ، بما وضعوهُ لها منَ الشّصوصِ والحبائلِ والبركِ قبلَ يومِ السّبتِ، فلمّا جاءَت يومَ السّبتِ على عادتِها في الكثرةِ نشبَت بتلكَ الحبائلِ والحيلِ، فلَم تخلَص منها يومَها ذلكَ، فلمّا كانَ اللّيلُ أخذوها بعدَ انقضاءِ السّبتِ. فلمّا فعلوا ذلكَ مسخَهُم اللهُ إلى صورةِ القِردةِ، وهيَ أشبهُ شيءٍ بالأناسيّ في الشّكلِ الظّاهرِ وليسَت بإنسانٍ حقيقةً. فكذلكَ أعمالُ هؤلاءِ وحيلُهم لمّا كانَت مُشابهةً للحقِّ في الظّاهرِ ومُخالفةً لهُ في الباطنِ، كانَ جزاؤهم مِن جنسِ عملِهم".
اترك تعليق