اعتراف علماء أهل السنة بإجماع المفسّرين على نزول آية الولاية في علي (عليه السلام)
ان نزول قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(سورة المائدة 55)، في حقّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، حينما تصدّق بخاتمه وهو راكع في صلاته، اعترف به كبار علماء أهل السنة من ذوي الإختصاص في علم الكلام ومسائل العقيدة، أمثال القاضي عضد الدين الأيجي، والشريف الجرجاني، وسعد الدين التفتازاني، وعلاء الدين القوشجي، وابن حجر الهيثمي، فهؤلاء جميعهم يعترفون بإجماع المفسّرين على نزول الآية المتقدّمة في أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وها هي اعترافاتهم نذكرها بالنص:
1ـ القاضي عضد الدين الأيجي:
قال في (المواقف في علم الكلام): "وأجمع أئمة التفسير أنّ المراد عليّ"(1).
من هو الأيجي؟!
وقد تسأل هنا عن القاضي الأيجي ومكانته العلمية، فنقول: ممن ترجم للأيجي ابن حجر العسقلاني، وقد قال في حقه:"كان إماماً في المعقول قائماً بالأصول والمعاني والعربية مشاركاً في الفنون"(2).. وللأيجي مؤلفات عديدة أهمّها: شرح المختصر والمواقف في علم الكلام.
وقد أنجب تلامذة عظاماً اشتهروا في الآفاق مثل شمس الدين الكرماني وضياء الدين العفيفي وسعد الدين التفتازاني وغيرهم.
قيل عن كتابه المواقف:
"هو كتاب يقصر عنه الوصف ولا يستغني عنه من رام تحقيق الفن"(3).
2ـ الشريف الجرجاني:
قال في (شرح المواقف): "وقد أجمع أئمة التفسير على أنّ المراد بـ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ) الى قوله تعالى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) عليّ، فإنّه كان في الصلاة راكعاً فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية"((4).
من هو الجرجاني؟!
وصفه العلّامة السخاوي بقوله: "عالم الشرق وعلّامة عصره ووحيد دهره وسلطان العلماء والعاملين افتخار أعاظم المفسرين، ذي الخلق والخلق والتواضع مع الفقراء وذا فصاحة وطلاقة وعبارة رشيقة ومعرفة بطرق المناظرة والمباحثة والاحتجاج، وذا قوة في المناظرة وطول روح وعقل تام"(5).
3ـ سعد الدين التفتازاني:
قال في (شرح المقاصد): "نزلت بإتفاق المفسرين في عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته"(6).
من هو التفتازاني؟!
ترجم له ابن حجر العسقلاني قائلاً: "هو العلّامة الكبير صاحب شرحي التلخيص وشرح العقائد في أصول الدين... وكان قد انتهت إليه معرفة علوم البلاغة والمعقول بالمشرق بل بسائر الأمصار، لم يكن له نظير في معرفة هذه العلوم"(7).
4ـ علاء الدين القوشجي:
قال في (شرح تجريد الاعتقاد): " أنّها نزلت باتفاق المفسرين في حقّ عليّ بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته..."(8).
من هو القوشجي؟!
ترجم له الشوكاني بقوله: "هو علي بن محمّد القوشجي، بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة... قرأ على علماء سمرقند ثمّ رحل إلى الروم وقرأ على قاضي زاده الرومي ثمّ رحل إلى بلاد كرمان فقرأ على علمائها وسود هنالك شرحه للتجريد، ثمّ عاد إلى ملك ما وراء النهر ولم يدري أين ذهب، فلما وصل إليه عاتبه على الاغتراب فاعتذر بأنّه اغترب لطلب العلم... وهو من مشاهير العلماء"(9).
وقد قيل عن شرحه (تجريد الاعتقاد) أنّه: "شرح عظيم سآئر في الأقطار كثير الفوائد"(10).
5ـ ابن حجر الهيتمي:
قال في (الصواعق المحرقة): "وقد أجمع أهل التفسير على أنّ المراد بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، عليّ، إذ سبب نزولها أنّه سُئل وهو راكع فأعطى خاتمه.."(11).
من هو ابن حجر؟!
قال في حقه الشهاب الخفاجي: "العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتَمي نزيل مكَّة، شرّفها الله علامة الدهر خصوصاً الحجاز، فإذا نشرت حلَل الفضل فهو طراز الطّراز. فكم حجّت وفود الفُضلاء لكَعبته، وتوجهتْ وجوه الطَّلب إلى قبلته. إن حدّث عن الفقْه والحديث لم تتَقرَّط الآذان بمثل أخباره في القديم والحديث"(12).
شنشنة نعرفها من أخزم
وبعد هذا الذي نقلناه عن أكابر علماء أهل السنة من ذوي الاختصاص وأصحاب الفن من إعترافاتهم بإجماع المفسرين حول نزول آية الولاية في حقّ المؤمنين عليّ (عليه السلام)، من حقّنا، بل من حقّ كلّ إنسان منّ الله عليه بنعمة العقل أن يتعجب من قول ابن تيمية : (فيا ليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم والعالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور فإنّ نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير أهل العلم بالمنقولات..)(13) فلا أدري هل مثل القاضي الأيجي والشريف الجرجاني والعلّامة التفتازاني والقوشجي وابن حجر الهيتمي، أئمة المعقول والمنقول، لا يعدّون من أهل العلم بالمنقولات عند ابن تيمية .. إن شرّ البلية ما يضحك حقاً، ولكن نقول كما قال الشاعر:
مَن يَلقَ آسَادَ الرّجَالِ يُكلَم شِنشِنَةٌ أعرِفُهَا مِن أخزَم
بل لك أن تقول من خلال هذا العرض لناقلي الإجماع من العلماء الأعلام عند أهل السنة أنّ منكر الإجماع المزبور بعيد كل البعد عن الحق ولا حجة له ولا برهان في اثبات مدّعاه، وذلك لأنّ هؤلاء لم ينقلوا سوى ما ذكره أئمة التفسير عن الصحابة والتابعين شهادتهم في سبب نزول الآية المتقدّمة، فيكون لزاماً على من يدّعي أنّه سلفي أن يتّبع السلف فيما ينقل عنهم متواتراً ومعتبراً ومجمعاً.
قال عبد الله بن مسعود: "اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. وجاء عن عمر بن عبد العزيز: قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مقصر. لقد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوزهم آخرون فغلوا وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم"(14).
وقال الأوزاعي: "عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول"(15).
وقال ابن حجر العسقلاني: "السعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف"(16).
وفيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : المواقف في علم الكلام – للايجي – 3: 614.
(2) الدرر الكامنة – لابن حجر – 1: 226.
(3) البدر الطالع 1: 309.
(4) شرح المواقف 3: 614.
(5) الضوء اللامع 3: 132.
(6) انظر : شرح المقاصد في علم الكلام – للتفتازاني – 2: 288.
(7) انظر: الدرر الكامنة – لابن حجر العسقلاني – 2: 139.
(8) انظر : شرح تجريد الاعتقاد: 368.
(9) البدر الطالع – للشوكاني – 1: 472.
(10) المصدر السابق.
(11) الصواعق المحرقة – لابن حجر الهيثمي - 120
(12) ريحانة الألبّا و زهرة الحياة الدنيا – للشهاب الخفاجي، 117.
(13) منهاج السنة – لابن تيمية - 7: 14.
(14) لمعة الاعتقاد – لابن قدامة المقدسي، 6.
(15) المناظرة في القران – لابن قدامة المقدسي، 7.
(16) فتح الباري، 13: 213.
اترك تعليق