ما المقصودُ بأنَّ عناقاً كانَت أوّلَ مَن بغى؟ كيفَ بغت ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
جاءَ في الكافي عن أبي عبدِ اللهِ (عليهِ السلام) قالَ: قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام): أيّها الناسُ إنَّ البغيَ يقودُ أصحابَه إلى النارِ وإنَّ أوّلَ مَن بغى على اللهِ عناق بنتُ آدم، فأوّلُ قتيلٍ قتلَه اللهُ عناق وكانَ مجلسُها جريباً في جريب وكانَ لها عشرونَ إصبعاً في كلِّ إصبعٍ ظفرانِ مثلَ المنجلين فسلّطَ اللهُ عليها أسداً كالفيلِ وذئباً كالبعير ونسراً مثلَ البغل، فقتلنها وقد قتلَ اللهُ الجبابرةَ على أفضلِ أحوالِهم وآمنِ ما كانوا.
وقالَ المولى محمّد صالح المازندرانيّ في شرحِ أصولِ الكافي: قولهُ (وإنّ أوّلَ مَن بغى على اللهِ عناق بنتُ آدم) الظاهرُ أنّها كانَت علماً لها ويمكنُ أن يكونَ إطلاقُها عليها مِن بابِ الاستعارةِ تشبيهاً بعناقِ الأرض وهيَ دابّةٌ خبيثةٌ نحوَ الكلبِ تصيدُ الوحوشَ والحيواناتِ ولا تأكلُ إلّا اللحم (فأوّلُ قتيلٍ قتلهُ اللهُ عناق) قتلها لبغيها على المؤمنينَ، وفيه وعيدٌ للباغي بتعجيلِ عقوبته.
(وكانَ مجلسُها جريبا ًفي جريب) في المغربِ: الجريبُ بالفتحِ «ستّون» ذراعاً في ستّين، قالَ قدامةُ: الأشلُّ إذا ضربَ في مثلِه فهوَ جريب، والأشلُ: طولُ ستّينَ ذراعاً والذراعُ ستّ قبضاتٍ، والقبضةُ أربعُ أصابع، قالَ: وعُشرُ هذا الجريبِ يسمّى قفيزاً، وعُشرُ هذا القفيزِ عشيراً (المنجلين) المنجلُ كمِنبر حديدةٌ يُحصَدُ بها الزّرع.
(ونسراً مثلَ البغل) النسرُ طائرٌ معروفٌ له قوّةٌ في الصيدِ ويقالُ لا مخلبَ له وإنّما لهُ ظفرٌ كظفرِ الدّجاجة (وقد قتلَ اللهُ الجبابرة) أي الذينَ جبروا خلقَ اللهِ على ما أرادَت نفوسُهم الخبيثة منَ الأوامرِ والنواهي وبغوا عليهم ولم يرفقوا بهم، وقتلهم وهُم على أحسنِ الأحوالِ والشوكةِ والقُدرةِ لفسادِهم، وبغيهم على عبادِ اللهِ في القرآنِ والأخبارِ مذكورٌ وفي السيرِ والآثارِ مسطورٌ، وفيه زجرٌ لمَن يدّعي القوّةَ والاقتدارَ عن البغيّ لأنَّ اللهَ تعالى أشدُّ قوّةً منهُ ينتصرُ منهُ لعبادِه وهوَ القويّ العزيز. (شرحُ أصولِ الكافي ج 9، ص 368).
وعلّقَ الشعرانيّ في هامشِ الكتابِ بقولِه: الحديثُ قاصرٌ عن الصحّةِ عندَ أصحابِ الرّجال، وصحّةُ معناه المقصودُ بالبيانِ ممّا لا ريبَ فيه فإنَّ البغيَ شؤمٌ يقودُ صاحبَه إلى النارِ والمَثلُ الذي يُذكَر لتقريبِ المعنى شاهداً عليه لا يجبُ صحّتُه فإن كانَ إسنادُ الحديثِ غيرَ صحيحٍ والشاهدُ غيرَ واقعٍ ونسبتُه إلى الإمامِ غيرَ ثابتةٍ لا يضرُّ بالمقصود، وأوّلُ نبيٍّ قامَ بالسيفِ موسى (عليهِ السلام) وأوّلُ مَن بغى وغلبَ عليه أصحابُ موسى (عليهِ السّلام) وقتلوه (على ما في التوراةِ ورواياتِ اليهود) ملكُ باشان مِن نواحي فلسطين وكانَ يُسمّى عوج وكانَ قويّاً شديداً ذا قامةٍ طويلةٍ وكانَ مِن قومٍ أقوياء معروفينَ بالشدّةِ وعِظمِ الجسمِ وطولِ القدِّ يقالُ لهم: بنو عناق وعناق اسمُ رجلٍ كانَ أبا قبيلتهم على ما في التوراة. وقد روى الثعلبيّ في العرائسِ أنَّ عوجَ كانَ ابنَ عناقٍ وعناق بنتُ آدم.
والتحديدُ الذي ذكرَه في جثتِهما كأنّه مِن مُبالغاتِ العامّةِ الداخلةِ في كلِّ شيءٍ وقوله «جريبٌ في جريب» كأنّه تعبيرُ بعضِ الرواةِ ولا يليقُ بأن يكونَ كلامَ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام) إذ لا معنى له معَ أنَّ في أصلِ الإسنادِ كلاماً.
وعلّقَ الفيضُ الكاشاني على قولِ الشعراني: أقولُ وليسَ الحديثُ كالقرآنِ مضبوطاً محفوظاً، فإذا كانَ مجلسُها جريباً في جريب، لابدَّ أن تكونَ قامتُها ومأكولها ومشروبُها وملبوسُها ومنامُها على حسبِه، وهوَ كما قالَ الشعرانيّ رحمَه اللهُ ممّا لا يليقُ بأن يكونَ كلاماً لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وكأنّه مِن (وكانَ مجلسُها) إلى (مثلِ البغلِ فقتلها) مِن زياداتِ الرواةِ واللهُ أعلم.
ويبدو أنَّ السائلَ يبحثُ عن تفاصيلِ هذهِ القصّةِ بعيداً عن إثباتِ صحّتِها أو مناقشةِ مضمونِها، ولذا سوفَ ننقلُ له ما ذكرَه المسعوديّ في كتابِه أخبارُ الزمان حيثُ يقول: ولدَت عناق بنتُ آدم مُفردةً بغيرِ أخٍ ذكرٍ وكانَت مشوّهةَ الخلق، لها رأسان!!! وكانَ لها في كلِّ يدٍ عشرُ أصابع، لكلِّ إصبعٍ ظفرانِ كالمنجلينِ الحادّين!!! [وهيَ التي] ذكرَها [أميرُ المؤمنينَ] عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام فقالَ: هيَ أوّلُ بغيٍّ بغى في الأرضِ، وعملَ الفجورَ وجاهرَ بالمعاصي، واستخدمَ الشياطينَ، وصرفَهم في وجوهِ السحر.
وكانَ اللهُ عزّ وجل أنزلَ على آدمَ عليهِ السلام أسماءً تطيعُها الشياطين، وأمرَه أن يدفعَها إلى حوّاء فتعلّقُها على نفسِها فتكونُ حرزاً لها ففعلَ ذلك، وكانَت حوّاءُ تصونُها وتحتفظُ بها، فاغتفلتها عناق وهيَ نائمةٌ فأخذَتها واستجلبَت الشياطينَ بتلكَ الأسماء، وعملَت السحرَ، وتكلّمَت بشيءٍ منَ الكهانة، وجاهرَت بالمعاصي، وأضلّت خلقاً كثيراً مِن ولدِ آدمَ عليهِ السلام، فدعا عليها آدمُ عليهِ السلام وأمّنَت حوّاءُ، فأرسلَ اللهُ إليها في طريقِها أسداً أعظمَ منَ الفيل، فهجمَ عليها في بعضِ المغاورِ فقتلَها ومزّقَ أعضاءَها وأراحَ اللهُ آدمَ وحوّاءَ منها. (كتابُ أخبارِ الزّمان - للمسعودي - ص 92)
اترك تعليق