هل النبي محمد صلى الله عليه وآله أنشد الاشعار؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  اتّفقَ العلماءُ أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لم يكُن شاعراً، ولم يكُن صاحبَ ملكةٍ شعريّة، وكانَ ممنوعاً مِن إنشاءِ الشعر، وذلكَ لقولِه تعالى: {وَما عَلَّمناهُ الشِّعرَ وَما يَنبَغي لَهُ إِن هُوَ إِلّا ذِكرٌ وَقُرآنٌ مُبينٌ.} [يس: ٦٩] ، وقولِه: { وَما هُوَ بِقَولِ شاعِرٍ قَليلًا ما تُؤمِنونَ } [الحاقة: ٤١] وكانَ إذا تمثّلَ ببيتِ شعرٍ لبعضِ الشعراءِ كسرَ وزنَه، وقصدَ معناه دونَ وزنِه. قالَ الشيخُ المفيد: كما إنّه لمّا أعدمَه قولُ الشعرِ ومنعَه منه نفاهُ عنه بلفظٍ يعمُّ الأوقاتَ فقالَ الله : ( وما علّمناهُ الشعرَ وما ينبغي له ) . (أوائلُ المقالاتِ للمُفيد، ص137، ولاحِظ المسائلَ العكبريّة، ص34). وقالَ السيّدُ المُرتضى: إنَّ اللهَ تعالى قد جنّبَ نبيَّه منَ الأمورِ الخارجةِ عن بابِ المعاصي، كالغِلظةِ والفظاظةِ وقولِ الشعرِ وغيرِ ذلك. (تنزيهُ الأنبياء، ص153). وقالَ الشيخُ الطوسي: ثمَّ أخبرَ تعالى عن نبيِّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فقال: ( وما علّمناهُ الشعر َوما ينبغي له ) ومعناه ما علّمناهُ الشعرَ لأنّا لو علّمناهُ ذلكَ لدخلَت به الشبهةُ على قومٍ في ما أتى به منَ القرآن، وأنّه قدرَ على ذلكَ لِما في طبعِه منَ الفطنةِ للشعر. وقيلَ: لمّا لم يُعطِ اللهُ نبيَّه العلمَ بالشعرِ وإنشائِه لم يكُن قد علّمَه الشعرَ، لأنّه الذي يُعطي فطنةَ ذلكَ مَن يشاءُ مِن عباده. ثمَّ قالَ: ( إن هوَ إلّا ذكرٌ وقرآنٌ مُبين ) يعني ليسَ الذي أنزلناهُ عليهِ شعراً بل ليسَ إلّا ذكراً منَ الله. (التبيانُ للطوسي: 8 / 474). وقالَ الطبرسي: ( وما علّمناهُ الشعرَ ) يعني قولَ الشعراء، وصناعةُ الشعر أي ما أعطيناهُ العلمَ بالشعرِ وإنشائِه ( وما ينبغي له ) أن يقولَ الشعرَ مِن عندِ نفسِه. (مجمعُ البيان: 8 / 287).  وقد عدّ جملةٌ مِن علمائِنا مِن خصائصِ النبيّ (ص) تحريمَ الشعرِ عليه: قالَ الشيخُ الطوسي: وقد خصَّ اللهُ تعالى نبيّه محمّداً (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بأشياءَ ميّزَه بها مِن خلقه: ... وأمّا المحظوراتُ فحظرتُ عليه الكتابة، وقول الشعرِ، وتعليم الشعر. (المبسوطُ للطوسي: 4 / 153). وقالَ ابنُ شهرِ آشوب: فصلٌ : فيما خصَّه اللهُ تعالى به: فارقَ صلّى اللهُ عليهِ وآله جماعةَ النبيّينَ بمائةٍ وخمسينَ خصلةً ... وكانَ ممنوعاً منَ الشعرِ وروايتِه ( وما علّمناهُ الشعر ). (مناقبُ آلِ أبي طالب: 1 / 124). وبمثلِه قالَ العلّامةُ في التحرير: 3 / 417، والقواعدِ: 3 / 7، والفاضلُ الهندي في كشفِ اللثام: 7 / 36، والشهيدُ الثاني في المسالكِ: 7 / 78، والجواهريّ في جواهرِ الكلام: 29 / 128، وغيرهم. وذكرَ ذلكَ جملةٌ من علماءِ أبناءِ العامّة، لاحِظ: المجموعَ للنووي: 16 / 143، والحطّاب الرعينيّ في مواهبِ الجليل: 5 / 18، والقرطبيّ في الجامعِ لأحكامِ القرآن: 14 / 212.  ـ ولكن نُسِبَ إلى النبيّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليه وآله) بعض الأبيات، بعضُها مِن إنشائهِ، وأخرى: قد تمثّلَ به متصرّفاً في البيتِ تقديماً وتأخيراً، وثالثةً: وقعَ الخلافُ أنّها له أم لغيره. فمنَ الأوّل: ما نُسِبَ إليهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مِن منهوكِ الرّجز، قوله في معركةِ حُنين: أنا النبيُّ لا كذب * أنا ابنُ عبدِ المُطّلب (صحيحُ البُخاري: 3 / 218 – 220 – 233، صحيحُ مُسلم: 5 / 168 ، مسندُ أحمد: 4 / 280، وذكرَ الفخرُ الرازي أنّ أميرَ المؤمنين (ع) تمثّلَ بهذا البيتِ أيضاً قائلاً: أنا عليٌّ لا كذب * أنا ابنُ عبدِ المطّلب (التفسيرُ الكبيرُ للرّازي: 8 / 172.) وذكرَ محمّدٌ بنُ سليمان الكوفي بسندِه إلى ابنِ أبي ليلى أنّ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قالَ هذا البيتَ في معركةِ أحد. (مناقبُ أميرِ المؤمنين، لمحمّدٍ بنِ سُليمان الكوفي: 1 / 446).   ملاحظة: هذا البيتُ لم يروَ مِن طريقِ أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ولا أصحابِهم، وهيَ مِن مرويّاتِ أبناءِ العامّة، ووردَ في كتابِ الأماليّ للطوسي بسندٍ ضعيفٍ إلى النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ورويَ في كتبِ السيرةِ عندَنا مُرسلاً، ولم نُحرِز أنّهُ مِن طريقِ أئمّةِ أهلِ البيت (عليهم السلام). (الأماليّ للطوسي، ص574، الإرشادُ للمُفيد: 1 / 143، مناقبُ آلِ أبي طالب: 1 / 181، إعلامُ الورى للطبرسي:1 / 232، قصصُ الأنبياءِ للقُطب الراوندي، ص348، الدرُّ النظيمُ للعامليّ، ص182، كشفُ الغُمّة للإربلي: 1 / 223.)  وما نُسبَ إليه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عندَ حفرِ الخندق: اللهمَّ إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة * فاغفِر للأنصارَ والمهاجرة  أو:  اللهمَّ لا عيشَ إلّا عيشُ الآخرة * فأكرِم الأنصارَ والمُهاجرة (صحيحُ البُخاري: 5 / 45، صحيحُ مُسلم: 5 / 188، مسندُ أحمد: 3 / 118.)ملاحظةٌ: وهذا البيتُ لم يروهِ علماءُ الشيعةِ إلّا ما وردَ في كلامِ عليٍّ بنِ إبراهيم القمّي في تفسيرِه: 2 / 177، غيرَ مُسندٍ ولا مُرسلٍ إلى إمامٍ منَ الأئمّةِ، ولذا قالَ العلّامةُ المجلسيّ أنّها مِن رواياتِ المُخالفين. (بحارُ الأنوار: 20 / 238.)ومنَ الثاني: ما نُسبَ إليه أنّه لمّا يتمثّل ببيتِ شعرٍ لأحدِ الشعراء، كانَ يتصرّفُ فيه، تقديماً وتأخيراً، فيخرجُ عن وزنِه الشعري، قالَ ابنُ أبي حاتم: عن قتادةَ قال : بلغني أنّه قيلَ لعائشةَ هل كانَ رسولُ اللهِ يتمثّلُ بشيءٍ منَ الشعر ؟ قالت : كانَ أبغضُ الحديثِ إليه غيرَ أنّه كانَ يتمثّلُ ببيتِ أخي بني قيس يجعلُ آخرَه أوّله وأوّله آخره ، ويقولُ : ويأتيكَ مَن لم تزوّد بالأخبار . فقالَ له أبو بكر: ليسَ هكذا ، فقالَ رسولُ الله (ص): إنّي واللهِ ما أنا بشاعرٍ ، ولا ينبغي لي. حدّثنا أبي حدّثنا أبو سلمةَ حدّثنا حمّادُ بنُ سلمة ، عن عليٍّ بنِ زيد ، عن الحسنِ هوَ البصري قالَ : إنّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم كانَ يتمثّلُ بهذا البيت . كفى بالإسلامِ والشيبِ للمرءِ ناهياً فقالَ أبو بكر : يا رسولَ الله . * كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهياً * قالَ أبو بكرٍ ، أو عُمر: أشهدُ أنّك رسولُ اللهِ يقولُ الله : ( وما عَلَّمناه الشِّعرَ وما يَنبَغِي لَه ). (تفسيرُ ابنِ أبي حاتم: 10 / 3201).  ومنَ الثالث: ما نُسِبَ إليهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مِن مشطورِ الرجز، قولهُ لمّا أصابَ إصبعَه فدميت: هل أنتَ إلّا إصبعٌ دميت * وفي سبيلِ اللهِ ما لقيت (صحيحُ البخاري: 3 / 204، صحيحُ مسلم: 5 / 182، مسندُ أحمد: 4 / 312، سننُ الترمذي: 5 / 112.) المشهورُ عندَ أبناءِ العامّةِ روايةَ نسبةِ هذا البيتِ إلى النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله)، ولكن معَ ذلكَ نُسبَ إلى أبي بكرٍ بن أبي قحافة. (جزءُ ابنِ عاصم، لمحمّدٍ بنِ عاصم الثقفي الأصبهاني، ص95.) ونُسِبَ إلى الوليدِ بنِ الوليد بنِ المُغيرة. (المعجمُ الكبيرُ للطبراني: 7 / 54، و: 22 / 152، الاستيعابُ لابنِ عبدِ البر: 4 / 1559.) ونُسبَ إلى عبدِ اللهِ بنِ رواحة. (سننُ سعيدٍ بنِ منصور: 2 / 297 – 298.) ملاحظة: هذا البيتُ لم يروَ في كتبِ حديثِ عُلماءِ الشيعةِ بتاتاً.  ومحلُّ الكلامِ بينَ العلماءِ في القسمِ الأوّل:  أمّا الأقوالُ في المسألة:  القولُ الأوّل: أنّها أخبارُ آحاد، لا تفيدُ علماً، قالَ ابنُ شهرِ آشوب: وأمّا ما رويَ ... فإنَّ كلّها رجزٌ، والرجزُ لا يعدُّ شعراً، ولأنَّ كلَ ما يوردونَه مِن هذا الجنسِ لا يكونُ بيتاً إلّا بزيادةٍ ونقصان أو تغييرٍ فخرجَ حينئذٍ من صيغةِ الشعر، معَ أنَّ كلّها أخبارُ آحاد. (متشابهُ القرآنِ ومُختلفه: 2 / 23). وقالَ العلّامةُ الطباطبائي: والبيتُ منقولٌ عنه (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلم) وقد أكثروا منَ البحثِ فيه وطرحُ الروايةِ أهونُ مِن نفي كونِه شعراً، أو شعراً مقصوداً إليه. (تفسيرُ الميزان: 17 / 117.). وقد تتبّعنا هذهِ الأبياتَ المنسوبةَ إلى نبيّنا (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فلم نجِد لها أصلاً في رواياتِ أئمّةِ أهلِ البيت (عليهم السلام).  القولُ الثاني: ما نُسبَ إلى النبيّ (صلىّ اللهُ عليهِ وآله) ليسَ بشعرٍ: ولكن اختلفوا في التعليل:  فذهبَ الخليلُ الفراهيدّي والأخفش: أنّه منَ الرجزِ المنهوك ِوالمشطور، وهُما ليسا منَ الشعر، وإنّما تعدُّ أنصافَ مسجعة.  (العينُ للفراهيدي، مادةُ رجز، الفائقُ للزمخشري: 2 / 35، شرحُ مُسلمٍ للنووي: 12 / 119).  وذهبَ كثيرٌ منَ العلماء: إلى أنّ الشعرَ هوَ الكلامُ الموزونُ الذي قُصدَ وزنُه، وما جرى على لسانِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لم يُقصَد به ذلك، وإنّما جاءَ موزوناً بالاتّفاق، لا بالقصدِ، قالَ الفخرُ الرازي: الشعرُ يدعو إلى تغييرِ المعنى لمُراعاةِ اللفظِ والوزن، فالشارعُ يكونُ اللفظُ منه تبعاً للمعنى، والشاعرُ: يكونُ المعنى منهُ تبعاً للفظ، لأنّه يقصدُ لفظاً به يصحُّ وزنُ الشعر أو قافيتُه فيحتاجُ إلى التحايلِ لمعنى يأتي به لأجلِ ذلكَ اللفظ، وعلى هذا نقولُ: الشعرُ هوَ الكلامُ الموزونُ الذي قُصدَ إلى وزنِه قصداً أوليّاً، وأمّا مَن يقصدُ المعنى فيصدرُ موزوناً مُقفّىً فلا يكونُ شاعراً، ألا ترى إلى قولِه تعالى: ( لن تنالوا البرَّ حتّى تُنفقوا ممّا تحبّون ) ليسَ بشعرٍ، والشاعرُ إذا صدرَ منهُ كلامٌ فيه مُتحرّكاتٌ وساكناتٌ بعددِ ما في الآيةِ تقطيعُه بفاعلاتن فاعلاتن يكونُ شعراً، لأنّه قُصدَ الإتيانُ بألفاظ حروفُها متحرّكة وساكنة كذلكَ والمعنى تبعه، والحكيمُ قصدَ المعنى فجاءَ على تلكَ الألفاظ، وعلى هذا يحصلُ الجوابُ عن قولِ مَن يقول: إنَّ النبيّ (ص) ذكرَ بيتَ شعرٍ وهوَ قولهُ : أنا النبيُّ لا كذب * أنا ابنُ عبدِ المُطّلبأو بيتين لأنّا نقولُ ذلكَ ليسَ بشعرٍ لعدمِ قصدِه إلى الوزنِ والقافية، وعلى هذا لو صدرَ منَ النبيّ (ص) كلامٌ كثيرٌ موزونٌ مُقفّى لا يكونُ شعراً، لعدمِ قصدِه اللفظَ قصداً أوليّاً، ويؤيّدُ ما ذكرنا أنّكَ إذا تتبّعتَ كلامَ الناسِ في الأسواقِ تجدُ فيه ما يكونُ موزوناً واقِعاً في بحرٍ مِن بحورِ الشعر ولا يسمّى المُتكلّمُ به شاعراً ولا الكلامُ شعراً لفقدِ القصدِ إلى اللفظِ أوّلاً، ثمَّ قولهُ تعالى: ( إن هو إلّا ذكرٌ وقرآنٌ مُبين ) يُحقّقُ ذلكَ المعنى أي هو ذكرٌ وموعظةٌ للقصدِ إلى المعنى، والشعرُ لفظٌ مُزخرفٌ بالقافيةِ والوزن. (التفسيرُ الكبيرُ للفخرِ الرازي: 26 / 105، ولاحِظ أيضاً: غريبُ الحديثِ لابنِ قتيبة: 1 / 183، تفسيرُ البيضاوي: 4 / 440، التسهيلُ لعلومِ التنزيل: 2 / 186، البحرُ المُحيط لأبي حيّان: 7 / 329، شرحُ مُسلم للنووي: 12 / 119، سِيَرُ النبلاءِ للذهبي: 14 / 192، وغيرُهم).وذهبَ بعضُهم: إلى أنّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) حرّكَ الباءَ مِن قولِه: كذبَ والمطلبَ، فخرجَ عن الوزن، فلا يكونُ شعراً، فإنّه يكونُ على الوزنِ إذا جاءَ ساكناً. ولا أقل يقال: لا نعلمُ كيفَ قرأها النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). (شرحُ مسلمٍ للنووي: 12 / 119، الجامعُ لأحكامِ القرآنِ للقرطبي: 15 / 53).  وقالَ السيّدُ جعفرٌ مُرتضى العاملي: ثانياً : إنَّ الآياتِ حينَ نفَت عن رسولِ الله « صلّى اللهُ عليهِ وآله » أن يكونَ شاعراً ، فإنّما أرادَت أن تقولَ أمرين : الأوّلُ: أنَّ الشعرَ ممّا لا يليقُ بالأنبياء « عليهم السلام » ، وقد نزّهَ اللهُ تعالى عنهُ نبيّه الكريمَ « صلّى اللهُ عليه وآله » ، رفعاً لدرجتِه ، وتنزيهاً لساحتِه عن أن يكونَ ممَّن يزيّنُ المعاني الشعريّة بالتخييلاتِ الكاذبة ، والأوهامِ الباطلة. الثاني: إنَّ هذا القرآنَ لم يعتمِد الطريقةَ الشعريّة في بيانِ مقاصدِه، لكنَّ ذلكَ لا يعني أن لا يصدرَ عن النبيّ « صلّى اللهُ عليهِ وآله » كلامٌ يتوافقُ مع وزنِ بيتٍ ، أو شطرِ بيتٍ منَ الشعر. بيان ذلك: أن الشعر يقوم على أمرين: أحدُهما : اعتمادُ الأمورِ الخياليّة ، والأوهامِ ، والتزييناتِ اللفظيّة والبديعيّة ، في عرضِه للمعاني على القلوبِ والنفوس ، ودفعِها للقبولِ بها . الثاني : التزامُ الوزنِ بما له مِن موسيقى مُثيرةٍ ، وإيقاعٍ مؤثّرٍ كأسلوبٍ آخر مِن أساليبِ التسويقِ للمقاصدِ والمعاني ، التي يرادُ إبعادُها عن مجالِ التأمّلِ والتحليلِ العقلي ، فتُلقى إلى القلوبِ والنفوسِ عبرَ المشاعر والانفعالاتِ فتتلقّفها ، وتتفاعلُ معَها مِن دونِ فكرٍ ورويّة ، وبلا تدبّرٍ في الأبعادِ ، والأسبابِ ، أو في الأهدافِ والنتائج . أمّا إذا جاءَ الكلامُ موزوناً ، ولكن مِن دونِ أن يكونَ للإيقاعِ والوزنِ أيُّ تأثيرٍ في التسويقِ للمعنى ، ومِن دونِ أن يُعطّلَ دورُ العقلِ في التأمّلِ والتفكّرِ ، والتحليلِ ، والتدبّر ، ومِن دونِ أن تمازجَ تلكَ المعاني خيالاتٌ أو أوهام . فإنَّ هذا الكلامَ لا يكونُ مشمولاً لما نزّهَ اللهُ نبيّه عنه تجليةً منه وتكريماً له ، وتنزيهاً عنه . وهذا هو السببُ في أنَّ وجودَ فقرةٍ أو فقراتٍ يتوافقُ وزنُها مع وزنِ بعضِ الشعرِ لم يجعَل هذه الفقراتِ منَ الشعر ، ولا يكونُ نقضاً للقاعدةِ التي أطلقها القرآنُ حولَ الشعرِ والشعراء ، وحولَ القرآن ، والأنبياء . إدانةً ورفضاً ، وحلّاً ونقضاً. (الصحيحُ مِن سيرةِ النبيّ الأعظم: 24 / 237).  والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.