هل توجدُ خطواتٌ عمليّةٌ للثباتِ على "العملِ الصالح"؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الخطواتُ العمليّةُ والبرامجُ التفصيليّةُ للعملِ الصالحِ ليسَت مُجديةً إذا لم يكُن الإيمانُ مُستقرّاً في القلبِ؛ لأنَّ رسوخَ قدمِ الإنسانِ في العملِ الصالح هو نتيجةٌ حتميّةٌ لرسوخِه في الإيمان، والثباتُ على العملِ الصالح لابدَّ أن يسبقَه ثباتٌ على الإيمان، ولذا نجدُ مُعظمَ آياتِ القرآنِ التي أمرَت بعملِ الصالحاتِ جاءَت مُقترنةً معَ الإيمان، قالَ تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ) وما يصيبُ الإنسانَ مِن إقبالٍ وإعراضٍ في عملِ الصالحاتِ يعودُ إلى الإقبالِ والإعراضِ الذي يحدثُ على مُستوى الإيمانِ، وقد أكّدَتِ النصوصُ على أنَّ الذنبَ لا يصدرُ منَ المؤمنِ وهوَ مؤمنٌ، ففي الحديثِ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (لا يزني الزاني حينَ يزني وهوَ مؤمنٌ، ولا يسرقُ السارقُ حينَ يسرِق وهوَ مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حينَ يشربُها وهوَ مؤمنٌ) وعليهِ لابدَّ أن يكونَ سعيُ الإنسانِ مُنصبّاً في مُراقبةِ إيمانِه والعملِ على تثبيتِه في قلبِه، قالَ تعالى: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَان) فمَن كتبَ الإيمانَ في قلبِه يكونُ عملهُ صالحاً بالضرورةِ، فعن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (وقلبٌ مفتوحٌ فيه مصابيحٌ تُزهر، ولا يُطفأ نورُه إلى يومِ القيامةِ وهوَ قلبُ المؤمن)، وقد ميّزَت النصوصُ بينَ الإيمانِ المُستودَع الذي يكونُ عندَ الإنسانِ مُجرّدَ وديعةٍ، وهُم الذينَ وصفَهم أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بقولِه: (ينقدحُ الشكُّ في قلبِه لأوّلِ عارضٍ مِن شُبهة) وبينَ الإيمانِ المُستقرِّ الذي يكونُ ثابتاً تزولُ الجبالُ ولا يزول، فعن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (المُستقرُّ ما استقرَّ الإيمانُ في قلبِه، فلا يُنزعُ منهُ أبداً، والمستودَعُ الّذي يُستودعُ الإيمانَ زماناً ثمّ يُسلبُه)، والإيمانُ المُستقرُّ لا يكونُ إلّا عن عقيدةٍ قائمةٍ على العلمِ واليقين، وعن إيمانٍ نابعٍ عن وعيٍ وبصيرة، ولا طريقَ لذلكَ إلّا بالعلمِ والتفكّرِ والتدبّرِ والإهداءِ الدائمِ للحقِّ، مُضافاً إلى تزكيةِ النفسِ منَ الأهواءِ والشهوات، وقد وصفَ أميرُ المؤمنينَ أهلَ الصلاحِ بالعلمِ والبصيرةِ حيثُ قالَ في حقِّهم: (هجمَ بهم العلمُ على حقيقةِ البصيرة، وباشروا روحَ اليقينِ، واستلانوا ما استوعرَه المُترفونَ، وأنسوا بما استوحشَ منهُ الجاهلون، وصحبوا الدُّنيا بأبدانٍ أرواحُها مُعلّقةٌ بالمحلِّ الأعلى) فمن دونِ العلمِ والبصيرةِ لا يكونُ الإيمانُ مُستقرّاً ومن دونِ استقرارِ الإيمانِ لا يستقرُّ الإنسانُ على عملِ الصالحات، وعليهِ إذا كانَ العلمُ هوَ طريقُ الصلاحِ والجهلُ هوَ طريقُ الفسادِ فحينَها تصبحُ كلُّ الخطواتِ العمليّةِ لتحصيلِ العلمِ هيَ ذاتُها الخطواتُ لتحصيلِ الصّالحات، وبذلكَ نفهمُ الرواياتِ التي تتحدّثُ عن معرفةِ اللهِ ووجوبِ طلبِ العلمِ والتفقّهِ في الدينِ والتدبّرِ في الآياتِ على أنّها أساسٌ لثباتِ الإيمان. والاهتداءُ إلى الصّراطِ المُستقيمِ يكونُ بمعرفةِ أهلِ الصّراطِ والسيرِ على طريقتِهم، ولذا نسألُ اللهَ الهدايةَ إلى صراطِ الذينَ أنعمَ عليهم، وكذلكَ الحالُ بالنسبةِ للصّلاحِ لا يكونُ إلّا بمعرفةِ أهلِ الصّلاحِ والاقتداءِ بهم، يقولُ أميرُ المؤمنينَ لكُميلٍ بنِ زياد: (يا كُميل إنّه مُستقرٌّ ومُستودَع واحذَر أن تكونَ منَ المُستودعين. يا كُميل إنّما تستحقُّ أن تكونَ مُستقرّاً إذا لزمتَ الجادّةَ الواضحةَ الّتي لا تُخرجُكَ إلى عوجٍ ولا تزيلُك عن منهجِ ما حملناكَ عليهِ وهديناكَ إليه) حيثُ يُوصي أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) كميلاً بالاهتداءِ بأهلِ الحقِّ في قولِه (ما حملناكَ عليهِ وهديناكَ إليه) وهوَ بذلكَ يشيرُ إلى ضرورةِ الالتزامِ بمنهجِ أهلِ الحقِّ وهُم الأئمّةُ المعصومينَ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) وفي المُحصّلةِ الثباتُ على عملِ الصالحاتِ مُتعلّقٌ بالثباتِ على الإيمانِ، وكلُّ أمرٍ يساعدُ على ثباتِ الإيمانِ يعدُّ خطّةً عمليّةً للصلاحِ، فما يؤدّي إلى تقويةِ الإيمانِ يؤدّي بالضرورةِ لتقويةِ الصالحاتِ، فإذا تيقّنَ قلبُ الإنسانِ بالحقِّ كانَ عملهُ صالحاً وإذا اضطربَ قلبُه وضعفَ يقينُه كانَ عملهُ فاسداً، ولا يمكنُ أن يستغنيَ الإنسانُ عن توفيقِ اللهِ وتسديدِه ولذا لابدَّ أن يكونَ الإنسانُ في حالةٍ منَ الدعاءِ الدائمِ بالثباتِ على الهُدى والإيمانِ، قالَ تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ).
اترك تعليق