ماهو تفسير "بسم الله الرحمن الرحيم" وهل نفس التفسير لكل السور ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كلُّ موجودٍ نراهُ أو لا نراهُ هوَ في الحقيقةِ مظهرٌ لأسماءِ اللهِ تعالى، ففي دُعاءِ كُميل (بأسمائِك التي ملأت كلَّ شيء) فالكونُ وما فيهِ إشراقةٌ مِن نورِ اللهِ تعالى، قالَ تعالى: (اللهُ نورُ السماواتِ والأرض) ولذلكَ لا تكادُ تجدُ آيةً في القرآنِ الكريم ليسَ فيها اسمٌ منَ الأسماء، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أنَّ كلَّ ما في السماءِ والأرضِ قائمٌ باسمِه تعالى، قالَ تعالى: (تباركَ اسمُ ربِّك) وقالَ: (تباركَ الله) فأسماءُ اللهِ عمادُ الكونِ وأصلُه وكلُّ ما فيهِ قائمٌ بوجودِه تعالى، والقرآنُ في حقيقتِه تذكيرٌ للإنسانِ بتلكَ الأسماء. وقد أكّدَت الرواياتُ أنَّ بسمِ اللهِ مُفتتحُ كلِّ الأعمال، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) قالَ: إنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) حدّثني عن اللهِ عزَّ وجلّ أنّه قالَ: كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لم يُذكَر (بسمِ الله) فيهِ فهوَ أبتر). وفي الحديثِ القُدسي، كما رواهُ الصّدوقُ في توحيدِه عن الإمامِ عليٍّ زينِ العابدين (عليهِ السلام): (فقالَ اللهُ عزَّ وجل لعبادِه: أيّها الفقراءُ إلى رَحمتي، إنّي قد ألزمَتكم الحاجةَ إليَّ في كلِّ حال ... فإليّ فافزعوا في كلِّ أمرٍ تأخذونَ فيه وترجونَ تمامَه وبلوغَ غايتِه، فإنّي إن أردتُ أن أعطيكُم لم يقدِر غيري على منعِكم، وإن أردتُ أن أمنعَكم لم يقدِر غيري على إعطائِكم... فقولوا عندَ افتتاحِ كلِّ أمرٍ صغيرٍ أو عظيم: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم.... أي استعينُ على هذا الأمرِ باللهِ الذي لا يحقُّ العبادةُ لغيرِه، المُغيثِ إذا اُستغيثَ، المُجيبِ إذا دُعي، الرّحمان الذي يرحمُ ببسطِ الرزقِ علينا، الرحيم بنا في أديانِنا ودُنيانا وآخرتِنا، خفِّف علينا الدينَ واجعَله سهلاً خفيفاً). وقد أكّدَ الحديثُ على ضرورةِ البسملةِ في كلِّ أمر؛ لأنَّ بها يرتبطُ العبدُ بربِّه، وقد دعانا اللهُ إليه فقال: (فإليَّ فافزعوا في كلِّ أمرٍ تأخذونَ فيه وترجونَ تمامَه وبلوغَ غايتِه، فإنّي إن أردتُ أن أعطيكُم لم يقدِر غيري على منعِكم، وإن أردتُ أن أمنعَكم لم يقدِر غيري على إعطائِكم) ثمَّ بيّنَ الحديثُ أنَّ استجابةَ العبدِ لذلكَ النداءِ تكونُ بافتتاحِ أعمالِه بالبسملةِ حيثُ قالَ: (فقولوا عندَ افتتاحِ كلِّ أمرٍ صغيرٍ أو عظيم: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم). وفي حديثٍ آخر عن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) جاءَ فيه: (.. ولربّما تركَ بعضُ شيعتِنا في افتتاحِ أمرِه بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، فيمتحنُه اللهُ بمكروهٍ ليُنبّهَهُ على شكرِ اللهِ تباركَ وتعالى. وعن الإمامِ الحسنِ العسكري عن آبائِه (عليهم السلام) قالَ إنَّ اللهَ يقولُ أنا أحقُّ مَن سُئِل وأولى مَن تضرّعَ إليهِ فقولوا عندَ افتتاحِ كلِّ أمرٍ صغيرٍ أو عظيمٍ بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم إنّي استعينُ على هذا الأمرِ باللهِ الذي لا تحقُّ العبادةُ لغيرِه المُغيثِ إذا أستُغيثَ إلى أن قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله مَن أحزنَه أمرٌ يتعاطاهُ فقالَ بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم وهوَ مُخلِصٌ للهِ يُقبِلُ بقلبِه إليهِ لم ينفكَّ مِن إحدى اثنتين إمّا بلوغُ حاجتِه في الدّنيا وإمّا يُعدُّ لهُ عندَ ربِّه ويدّخرُ لهُ لديهِ وما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى للمؤمنينَ الثناءُ عليهِ ويمحقُ عنهُ وصمةَ تقصيرِه عندَ تركِه قوله: بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ) وفي روايةٍ أخرى إنَّ بسمَ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم أقربُ إلى اسمِ اللهِ الأعظمِ مِن سوادِ العينِ إلى بياضِها، فعن الإمامِ الرّضا (عليهِ السلام) قالَ: مَن قالَ بعدَ صلاةِ الفجرِ بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم لا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم مئةَ مرّةٍ كانَ أقربَ إلى اسمِ اللهِ الأعظمِ مِن سوادِ العينِ إلى بياضِها، وإنّه دخلَ فيها اسمُ اللهِ الأعظم) أما تفسيرُها فقد جاءَ عن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) في معنى (بسمِ اللهِ الرّحمن الرحيم) الباءُ بهاءُ اللهِ والسينُ سناءُ الله والميمُ مجدُ اللهِ ومُلكُ الله، واللهُ إلهُ كلُّ شيءٍ الرّحمنُ بجميعِ خلقِه والرحيمُ بالمؤمنينَ خاصّةً، وفيهِ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أنَّ للهِ عزَّ وجل لهُ مائةُ رحمةٍ أنزلَ مِنها واحدةً إلى الأرضِ فقسمَها بينَ خلقِه فيها يتعاطفونَ ويتراحمونَ وأخّرَ تسعاً وتسعين لنفسِه يرحمُ بها عبادَه يومَ القيامة.ولم يثبُت عن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) أنَّ (بسمَ اللهِ الرحمنِ الرحيم) لها تفسيرٌ في كلِّ سورةٍ يختلفُ عن تفسيرِها في السورةِ الأخرى، وكلُّ ما هوَ ثابتٌ عنهم أنّها جزءٌ منَ السورةِ وليسَت زائدةً كما يدّعي المُخالفون، وهوَ قولُ مالكٍ بنِ أنس وعبدُ اللهِ بنُ معبد، كما نُسبَ لأبي حنيفةَ النعمانِ والأوزاعي، واحتجَّ الباقلانيُّ والقرطبيُّ بأنَّ القرآنَ لا يثبتُ إلّا بالتواترِ، ولا تواترَ هُنا فيجبُ القطعُ بنفي كونِها منَ القرآن، ولذا أفتى مالكٌ والأوزاعيُّ وداودُ بكراهةِ قراءتِها في الصلاةِ بل يُكبّرُ ويبتدئُ بالحمد.وهذا خلافُ ما جاءَ عن الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) فعن معاويةَ بنِ عمّار قالَ: قلتُ لأبي عبدِ اللّهِ عليهِ السلام: إذا قمتُ للصّلاةِ أقرأ بسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيم في فاتحةِ القرآن؟ قالَ: «نعم» قلتُ: فإذا قرأتُ فاتحةَ القرآنِ أقرأ بسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرحيم معَ السورة؟ قالَ: «نعم») فلم يكتفِ بقراءتِها في الحمدِ وإنّما أوجبَها في بقيّةِ سورِ القرآن، ولذا حكمَ أهلُ البيتِ (عليهم السلام) ببطلانِ الصّلاةِ إذا لم يُقرأ فيها البسملةُ بعدَ الفاتحةِ وقبلَ السورة، ففي الروايةِ الصحيحةِ عن يحيى بنِ أبي عمرانَ الهمداني قالَ: كتبتُ إلى أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) جُعلتُ فداكَ ما تقولُ في رجلٍ ابتدأ بـ «بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم» في صلاتِه وحده في اُمِّ الكتاب، فلمّا صارَ إلى غيرِ اُمِّ الكتابِ منَ السورةِ تركَها؟ فقالَ العبّاسيُّ: ليسَ بذلكَ بأس، فكتبَ بخطِّه: «يعيدُها ـ مرّتين ـ على رغمِ أنفِه»، يعني العبّاسيّ) فالذينَ اعتقدوا بزيادةِ البسملةِ في المصاحفِ تصوّروا كونَها مُجرّدَ فاصلٍ يكشفُ عن بدايةِ السورة، وتجاهلوا الحقيقةَ المعنويّةَ للبسملة، فهيَ ليسَت مُجرّدَ لفظٍ نُردّدُه، أو فاصلٍ ديكوريٍّ بينَ السور، بل قولُنا (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم) يشعِرُنا بالعبوديّةِ والاستسلامِ والخضوعِ لجبّارِ السماواتِ والأرض، ففي الحديثِ الشريفِ أنّهم عمدوا إلى أكرمِ آيةٍ فأسقطوها، كما جاءَ في تفسيرِ العيّاشي: عن أبي حمزةَ، عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قالَ: سرقوا أكرمَ آيةٍ في كتابِ الله، بسمِ اللهِ الرّحمن الرحيم) وفي تفسيرِ العيّاشي أيضاً عن خالدٍ بنِ المُختارِ قالَ: سمعتُ جعفراً بنَ محمّدٍ (عليهما السلام) يقولُ: مالَهم قاتلَهم الله، عمِدوا إلى أعظمِ آيةٍ في كتابِ اللهِ فزعموا أنّها بدعةٌ إذا أظهروها وهيَ بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم) وفي الحديثِ بيانٌ لعظمةِ البسملةِ وإنكارٌ على مَن لا يراها آيةً في كتابِ اللهِ، حيثُ دُعاءُ الإمامِ على مَن يرى إظهارَها بدعةً بقولِه (قاتلَهم الله). فإذا كانَت شرعيّةُ وجودِنا وشرعيّةُ كلِّ أعمالِنا لا تكونُ إلّا ببسمِ الله، فكيفَ يكونُ إظهارُها بدعة؟ وإذا كانَ الملوكُ يبدئونَ كتبَهم بأسمائِهم، فبأيّ شيءٍ يجبُ أن يتصدّرَ كتابُ اللهِ لخلقِه؟ فمنَ الطبيعيّ أنَّ كلَّ سورةٍ أنزلَها اللهُ لخلقِه تبدأ ببسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم، ومِن هُنا جاءَت رواياتُ أهلِ البيتِ على خلافِهم، حيثُ جعلَت إظهارَ البسملةِ والجهرَ بها مِن علاماتِ المؤمن، فعَن الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام) قالَ: (علاماتُ المؤمنِ خمسٌ: صلاةُ إحدى وخمسين، وزيارةُ الأربعين، والتختّمُ باليمين، وتعفيرُ الجبين، والجهرُ ببسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم) . وفي المُحصّلةِ إنَّ البسملةَ مِن أعظمِ آياتِ القرآنِ وفيها معانٍ ودلالاتٌ عميقةٌ ولكن لا يمكنُ القطعُ بوجودِ تفسيرٍ لها يختلفُ مِن سورةٍ إلى سورةٍ أخرى وإنّما هوَ تفسيرٌ واحدٌ ينطبقُ على جميعِ الموارد.
اترك تعليق