ما هو الدليل على جواز الجمع بين صلاة الظهرين و المغربين ؟
الجوابُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الجمعُ بينَ صلاتي الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاء في الوقتِ المُشتركِ بينهما، اختلفَ في ذلكَ السنّةُ والشيعةُ على نحوين:
النحو الأوّل: اتّفقَ الشيعةُ الإماميّةُ على الجوازِ مُطلقاً في السفرِ والحضرِ بخوفٍ أو من دونه (1).
وحُجّتُهم في ذلكَ ما وردَ مِن أحاديثَ عن النبي صلّی اللهُ عليهِ وآله والأئمّةِ المعصومين عليهم السلام وسيرتُهم إذ أنّهم كانوا يجمعونَ ويفصلونَ بينَ صلاتي الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاء (2).
فعن عبدِ الملكِ القُمّي، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: قلتُ له: أجمعُ بينَ الصلاتين مِن غيرِ عِلّة ؟ قالَ: قد فعلَ ذلكَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، أرادَ التخفيفَ عن أمّتِه. (3).
النحو الثاني: ذهبَ أكثرُ أهلِ السنّةِ لجوازِ الجمعِ لعُذرٍ أو سفر (4). أي لا يجوزُ عندَهم الجمعُ بينَ الصلاتين إلّا في ظروفٍ خاصّةٍ كالسفرِ والمرض.
وقد دأبَ الشيعةُ الإماميّةُ في إثباتِ أحقيّةِ مذهبِهم بالاحتجاجِ بقاعدةِ الإلزام «إلزامُ المُخالفينَ بما ألزموا به أنفسَهم» فاحتجّوا على جوازِ الجَمعِ بينَ الفريضتينِ مِنَ الكتابِ الكريمِ والسُّنَّةِ مِن طرقِ مُخالفيهم أهلِ السنّةِ والجماعة وإليكَ بيانُ ذلك:
أمَّا القُرآنُ الكريمُ فقَدْ احتجّوا في قولِه تعالى: (أَقِم الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) مِن سورَةِ الإسراءِ، الآيةُ:78.
قالَ ابنُ عطيَّةَ: (أقمِ الصَّلاةَ) الآيةُ هذهِ بإجماعٍ منَ المُفسِّرينَ إشارةٌ إلى الصَّلواتِ المَفروضَةِ، فقالَ ابنُ عمرَ وابنُ عبَّاسٍ وأبو بُرده والحسنُ والجمهورُ: دلوكُ الشَّمسِ زوالُهَا، والإشارةُ إلى الظّهرِ والعَصرِ، وغسقُ الليلِ إشارَةٌ إلى المَغربِ والعِشاءِ، (وقُرآنُ الفَجرِ) أُريدَ بهِ صلاةُ الصُّبحِ، فالآيةُ على هذا تعمُّ جميعَ الصَّلواتِ) (5). فالآيةِ الكريمةِ لَمْ تَذكُرْ سِوى أوقاتٍ ثلاثةٍ، هيَ : دلوكُ الشَّمسِ، وغسقُ الليلِ، والفجرُ؛ مِمَّا يدُلُّ على وجودِ وقتٍ مُشترَكٍ بينَ الصَّلواتِ الخمسِ المفروضةِ.
قالَ الفخرُ الرَّازي: فإذا حملنَا الدُّلوكَ على الزَّوالِ دخلَتِ الصَّلواتُ الخمسُ فِي هذهِ الآيةِ، وإنْ حملنَاهُ على الغُروبِ لم يدخُلْ فيهِ إلَّا ثلاثُ صلواتٍ هيَ المَغربُ والعِشاءُ والفَجرُ، وحَمْلُ كلامِ اللهِ على مَا يكونُ أكثرَ فائدة أولى، فوجبَ أنْ يكونَ المُرادُ منَ الدُّلوكِ الزَّوالُ... (إلى أنْ يقولَ): وهذا يقتضِي أن يكونَ الزَّوالُ وقتاً للظُهرِ والعصرِ فيكونُ هذا الوقتُ مُشتركاً بينَ هاتينِ الصَّلاتينِ وأنْ يكونَ أوَّلُ المَغربِ وقتاً للمَغربِ والعِشاءِ فيكونُ هذا الوَقتُ مُشتركَاً أيضاً بينَ هاتينِ الصَّلاتينِ) (6).
وأمَّا السُّنَّةُ الشَّريفةُ، مِن طريقِ مُخالفينا فنذكرُ مِنهَا:
أخرجَ مُسلِم فِي صحيحِهِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: صلَّى رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) الظُّهر والعَصر جميعَاً، والمغرب والعِشاء جميعَاً، فِي غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ(7).
وأخرجَ فِي صحيحهِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: جمعَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) بينَ الظُّهرِ والعصرِ، والمغربِ والعِشاءِ بالمدينةِ، مِنْ غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ. (فِي حديثِ وكيعٍ) قالَ: قلتُ لابنِ عبَّاسٍ لِمَ فعلَ ذلكَ؟ قال: كي لا يُحرجَ أمَّتَهُ (8).
واخرج أبو يعلى الموصلي فِي مُسنَدِهِ بسنده عنِ ابنِ عبَّاسٍ، قالَ: جمعَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) بينَ الظُّهرِ والعصرِ، والمغربِ والعِشاءِ في غيرِ سفرٍ ولا مطرٍ.
قالَ: قلتُ: ما أرادَ بذلكَ: قالَ: أرادَ التَّوسعةَ على أمَّتِهِ (٩).
فهذه جملةٌ منَ الأحاديثِ الدالّةِ على جوازِ الجمعِ بينَ الفريضتينِ مِنْ غيرِ عِلّةِ ولا سَفر.
لكنَّ القومَ دفعاً لموافقةِ الشيعةِ اختلقوا تأويلاتٍ لتلكَ الأخبارِ الثابتة.
قالَ النووي: مِنهم مَن تأوَّلهُ على أنَّهُ جمعٌ بعذرِ المطرِ وهذا مشهورٌ عن جماعةٍ منَ الكبارِ المُتقدِّمينَ وهو ضعيفٌ بالرِّوايةِ الأُخرى: "مِنْ غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ".
ومنهم مَن تأوَّلهُ على أنّهُ كانَ في غيمٍ فصلّى الظّهرَ ثمَّ انكشفَ الغيمُ وبانَ أنَّ وقتَ العصرِ دخلَ فصلّاهَا وهذا أيضاً باطلٌ لأنّهُ وإنْ كانَ فيهِ أدنى احتمالٍ فِي الظُّهرِ والعصرِ لا احتمالَ فيهِ فِي المغربِ والعشاء.
ومِنهم منْ تأوَّلهُ على تأخيرِ الأولى إلى آخرِ وقتهَا فصلّاهمَا فيهِ فلمَّا فرغَ دخلَتِ الثّانيةُ فصلّاهمَا فصارتْ صلاتُهُ صورَةَ جمعٍ وهذا أيضاً ضعيفٌ أو باطلٌ لأنّهُ مخالفٌ للظّاهرِ مخالفةً لا تُحتملُ وفعلُ ابنِ عبَّاسٍ الذي ذكرناهُ حينَ خطبَ واستدلالهُ بالحديثِ لتصويبِ فعلهِ وتصديقُ أبي هريرةَ لهُ وعدمُ إنكارهِ صريحٌ فِي ردِّ هذا التَّأويلِ.
ومِنهم مَنْ قالَ: هوَ محمولٌ على الجمعِ بعُذرِ المرضِ أو نحوِهِ ممَّا هوَ فِي معناهُ مِنَ الأعذارِ وهذا قولُ أحمدَ بنِ حنبلٍ والقاضِي حُسينٍ مِن أصحابنَا واختارَهُ الخطَابيّ والمتولّي والرُّوياني مِن أصحابِنَا وهوَ المُختارُ فِي تأويلِهِ لظاهرِ الحديثِ ولفعلِ ابنِ عبَّاسٍ وموافقةِ أبِي هُريرَةَ ولأنَّ المشقَّةَ فيهِ أشدُّ منَ المطرِ (10).
والحالُ أنَّ ظاهرَ الأدلّةِ وإطلاقِهَا يتنافى وهذهِ التاويلات لذا ردَّ الزّرقانيُّ على ذلك فقالَ فِي شَرحهِ على المَوطّأ: وقيلَ: إنَّ الجمعَ كانَ للمرضِ، وقوَّاهُ النَّوويُّ، وفيهِ نظرٌ; لأنَّهُ لو جَمعَ للمرضِ لمَا صلّى معهُ إلَّا مَنْ بهِ المرضُ، والظَاهرُ أنَّهُ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) جمعَ بأصحابهِ، وبهِ صرَّحَ ابنُ عبَّاسٍ فِي روايةٍ ثابتةٍ عنهُ) (11).
اترك تعليق