هل يمكن لمن عصى ربه أن يكون محدثا ؟

الجوابُ:

أخي الكريم، المُحدّثُ بالمبنيّ للمفعول (مُحَدَّثٌ) هوَ ذلكَ الشخصُ الذي ليسَ بنبيٍّ وتُحدّثُه الملائكةُ دونَ أن يراها، هذا عندَنا نحنُ الإماميّة.

حيثُ روى الكُلينيّ رحمَهُ الله عَن عليّ بنِ إبراهيم، عن محمّدِ بنِ عيسى، عن يونسَ، عن رجلِ، عن محمّدِ بنِ مُسلم قالَ ذُكرَ المُحدّثُ عندَ أبي عبدِ الله عليهِ السلام فقال: إنّه يسمعُ الصّوتَ ولا يرى الشخصَ فقلتُ له: جُعلتُ فداكَ كيفَ يعلمُ أنّه كلامُ المَلك؟ قالَ: إنّهُ يُعطى السّكينةَ والوقارَ حتّى يعلمَ أنّه كلامُ مَلك. (الكافي الكُليني (1/ 400).

وأمّا عندَ أبناءِ العامّةِ فهُم مُختلفونَ في معنى المُحدّثِ فعَن ابنِ وهب: مُلهمونَ، وقيلَ: مُصيبونَ إذا ظنّوا فكأنّهم حُدّثوا بشيءٍ فظنّوه. وقيلَ: تُكلّمُهم الملائكة، وجاءَ في روايةٍ: مُكلّمون. وقالَ البُخاري: يجري الصّوابُ على ألسنتِهم وفيهِ إثباتُ كراماتِ الأولياء. شرحُ النوويّ على مُسلم (8/ 138).

والأمّةُ الإسلاميّةُ مُجمعةٌ على أنَّ هنالكَ أناساً مُحدّثينَ فيهم.

فالشيعةُ الإماميّةُ مُجمِعةٌ قولاً واحداً أنَّ أئمّةَ الهُدى عليهم السلام بما فيهم سيّدةُ نساءِ العالمين عليها السلام، مُحدّثون.

والرواياتُ بذلكَ كثيرةٌ جدّاً، سأذكرُ بعضاً مِنها.

فقد روى الكُلينيّ رحمَه الله عن مُحمّدٍ بنِ يحيى، عَن أحمدَ بنِ محمّد، عن الحجّال، عن القاسمِ بنِ مُحمّد، عن عبيدِ بنِ زُرارة قالَ: أرسلَ أبو جعفرٍ عليهِ السلام إلى زُرارة أن يُعلمَ الحكمَ بنَ عتيبة أنَّ أوصياءَ مُحمّدٍ عليهِ وعليهم السلام مُحدّثون. (الكافي الكُليني (1/ 399).

وروى أيضاً عن مُحمّدِ بنِ يحيى، عن أحمدَ بنِ مُحمّدِ بنِ عيسى، ومحمّدِ بنِ أبي عبدِ الله ومحمّدِ بنِ الحسن عن سهلِ بنِ زياد جميعاً، عن الحسنِ بنِ العبّاسِ بنِ الجُريش، عن أبي جعفرٍ الثاني عليهِ السلام أنَّ أميرَ المؤمنين عليهِ السلام قالَ لابنِ عبّاس: إنَّ ليلةَ القدرِ في كُلِّ سنةٍ، وإنّه ينزلُ في تلكَ الليلةِ أمرُ السنةِ ولذلكَ الأمرِ ولاةٌ بعدَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، فقالَ ابنُ عبّاس: مَن هُم؟ قالَ: أنا وأحدُ عشر مِن صُلبي أئمّةٌ مُحدّثون. (الكافي الكُليني (1/ 778).

وأمّا السنّةُ فذهبوا إلى أنَّ عُمرَ بنَ الخطّابِ منَ المُحدّثين.

فقد روى البُخاريّ ومُسلِم وأحمدُ بنِ حنبل في كتابِهم:

عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهُ قَد كَانَ فِيمَا مَضَى قَبلَكُم مِن الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنهُم فَإِنَّهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ. صحيحُ البُخاري (11/ 288) وصحيحُ مُسلِم (12/ 118) ومسندُ أحمدَ بنِ حنبل (6/ 55).

أقولُ: بناءً على ما ذهبَتْ إليهِ الإماميّةُ لا يكونُ المُحدّثُ عاصياً للهِ تعالى لأنَّ الرواياتِ خصَّت المعصومينَ عليهم السلام بأنّهم مُحدّثون.

وبناءً على ما ذكرَه أبناءُ العامّة، فالمُحدّثُ عندَهم يمكنُ أن يكونَ ممَّن يرتكبُ المعاصي، وبناءً على ذلكَ سينفتحُ بابٌ لا غالقَ له إلّا اللهُ تعالى وهوَ كيفَ تُميّزُ الأمّةُ الإسلاميّةُ المُحدّثَ الحقيقيَّ منَ الكاذب.

ودُمتَ مُوفّقاً يا عزيزي.