الشيوعية كمنهج للحياة والاقتصاد لا يقدح في الدين

عندي صديق يرى الايديلوجية الشيوعية كمنهج للحياة والاقتصاد ولكنه يثبت وجود الله ويقر برسالة الرسول (ص).. هل ذلك يقدح في دينه..

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابةُ:

ما يقدحُ في دينِ الإنسان هوَ إنكارُ ضروراتِ الدّينِ مِن عقائدَ وتشريعات، وبما أنَّ صديقكَ يؤمنُ بوجودِ اللهِ وما جاءَ به الإسلامُ مِن تشريعاتٍ فحالهُ حالُ بقيّةِ المُسلمين، ولا يقدحُ في إسلامِه كونهُ مؤمناً بالاشتراكيّةِ أو الشيوعيّةِ كمبدأٍ للعملِ السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصادي، شرطَ أن لا يرتكزَ ذلكَ على عقيدةٍ مُخالفةٍ للإسلام، وعليهِ يمكنُ الفصلُ بينَ الفلسفةِ المادّيّةِ لماركس وبينَ مشروعِه السياسيّ، ففلسفةُ ماركس المادّيّةُ فلسفةٌ مُناهِضةٌ للأديانِ ولا تُسلّمُ بوجودِ إلهٍ خالق، والإيمانُ بمثلِ هذهِ الفلسفةِ كُفرٌ صُراح، أمّا مَن يعملُ سياسيّاً ضمنَ الحِزبِ الشيوعيّ معَ احتفاظِه بإسلامِه عقيدةً وتشريعاً فإنَّ ذلكَ لا يضرُّ في إسلامِه.

وقد قُلنا في إجابةٍ سابقةٍ بأنَّ الشيوعيّةَ هيَ المرحلةُ النهائيّةُ التي تطمَحُ إليها الماركسيّةُ في مشروعِها السياسيّ والاجتماعي، فهيَ نظريّةٌ اجتماعيّةٌ ترتكزُ على رؤيةٍ فلسفيّةٍ حولَ التاريخِ الإنسانيّ وعواملِ تطوّرِ المُجتمعات، حيثُ فسّرَتِ التاريخَ البشريّ على أساسِ صِراعٍ أبديّ بينَ طبقةِ البُرجوازيّةِ (الطبقةِ المُحتكرةِ للثروات) وبينَ طبقةِ البروليتاريا (الطبقةُ العُمّاليّة) والتطوّرُ الطبيعيُّ لحركةِ التاريخِ ضمنَ هذهِ النظريّةِ يقتضي وصولَ المُجتمعاتِ إلى مرحلةٍ تكونُ فيها الثرواتُ مشاعةً للجميع. وعليهِ فإنَّ المشروعَ السياسيَّ للشيوعيّةِ يعملُ على إيجادِ نوعٍ مِنَ السيطرةِ على المُجتمَعِ لصالحِ أفرادِه، وذلكَ مِن خلالِ مُحاربةِ المَلكيّةِ الفرديّة ومنعِ تكدُّسِ رأسِ المالِ في طبقاتٍ محدودة، بحيثُ تكونُ المُقدّراتُ والامتيازاتُ مُقسّمةً بالسّويّةِ بينَ جميعِ أفرادِ المُجتمَع، وللوصولِ إلى مرحلةِ الشيوعيّةِ لابدَّ مِن تهيئةِ المُجتمعاتِ مِن خلالِ الاشتراكيّةِ التي تتكفّلُ فيها الدولةُ برعايةِ هذهِ الشراكةِ بينَ جميعِ أفرادِ المُجتمَع، وعندَما يصلُ المُجتمَعُ إلى استيعابِ مرحلةِ الاشتراكيّةِ تبدأ مرحلةٌ جديدةٌ تستغني فيها المُجتمعاتُ عن الحكومةِ ويصبحُ كلُّ شيءٍ مشاعاً بينَ الجَميع، وبذلكَ تكونُ الاشتراكيّةُ ضمنَ النظريّةِ الماركسيّةِ ليسَت سِوى مرحلةٍ انتقاليّةٍ في الطريقِ إلى الشيوعيّة.

وفكرةُ الشيوعيّةِ راودَت الكثيرَ منَ الفلاسفةِ قديماً، إلّا أنَّ التحوّلَ الكبيرَ الذي جعلَها مشروعاً سياسيّاً واجتماعيّاً قد نشأ في نهاياتِ القرنِ التاسعِ عشر، على يدِ الفيلسوفِ الألمانيّ كارل ماركس (1818-1883) وبخاصّةٍ في كتابِه (رأسُ المال)، مُضافاً لإسهاماتِ فلاديمير لينين (1874 -1924) وما قدّمَهُ مِن إضافاتٍ وتطبيقاتٍ على هذهِ النظريّة، فعلى يدِه أصبحَت الشيوعيّةُ واقِعاً سياسيّاً بعدَ أن كانَت مُجرّدَ نظريّاتٍ في أوساطِ المُثقّفينَ والأكاديميّين، حيثُ عملَ على تأسيسِ الحزبِ الشيوعيّ منَ الشبابِ والعُمّالِ الرّوس، وبعدَها حدثَت الثورةُ البَلشفيّةُ سنةَ 1917 على الحُكمِ القَيصريّ واستولى البلاشفةُ على الحُكمِ بزعامةِ لينين، وبعدَها بدأ تاريخٌ جديدٌ في الاتّحادِ السوفيتيّ بزعامةِ الحِزبِ الشيوعيّ.

إلّا أنَّ الشيوعيّةَ لم تنجَح في تحقيقِ ما كانَت تطمَحُ إليه، فالنّظامُ الذي جاءَ لحمايةِ البروليتاريا مِن تسلّطِ الرأسماليّةِ أصبحَ هوَ المُتسلّط الأكبر، حيثُ تحوّلَ الحِزبُ الشيوعيّ إلى سُلطةٍ قاهرةٍ صادرَت جميعَ مُقدّراتِ الدولةِ لصالحِ الحزبِ والطبقةِ المُتنفّذة. وقد تأثّرَت الكثيرُ منَ البُلدانِ بتجربةِ الحزبِ الشيوعي، وانتشرَت الأحزابُ الشيوعيّةُ في كثيرٍ منَ البُلدان، وقد تمكّنَ بعضُها مِنَ الوصولِ إلى السّلطةِ كما في الصّين وفيتنام وكوريا الشماليّة وكوبا ويوغوسلافيا وكمبوديا، ومعَ ذلكَ لم تنجَح أيُّ تجربةٍ في الوصولِ إلى مرحلةِ الشيوعيّة.

وعليهِ فإنَّ الشيوعيّةَ التي كانَت تحلمُ بإنشاءِ مدينةٍ فاضلةٍ حسبَ كارل ماركس، هيَ ليسَت أكثرَ مِن حالةٍ مثاليّةٍ وتنظيرٍ غيرِ واقعي، حيثُ صادرَتِ الحقَّ الطبيعيَّ للإنسانِ فرداً وجماعةً؛ فميلُ الإنسانِ إلى التملّكِ منَ الغرائزِ الطبيعيّةِ التي لا يمكنُ مُصادرتُها، والمعالجةُ المُمكِنةُ للمطامعِ التي تتعدّى على حقوقِ الآخرين تكونُ بخلقِ موازنةٍ بينَ المُلكيّةِ الفرديّةِ والمُلكيّةِ العامّة، وهذا ما حقَّقهُ الإسلامُ حيثُ سمحَ للفردِ بالتملّكِ ضمنَ حدودٍ رسمَها لهُ بعنايةٍ لكي لا تكونَ مُلكيّتُهُ على حسابِ الآخرين، مُضافاً إلى ما فرضَهُ عليه مِن مُساهمةٍ في سبيلِ تحقيقِ نوعٍ منَ التكافلِ الاجتماعيّ.