الشيطانُ وطلبُ المغفرة

منذُ أن عصى الشيطانُ اللهَ، هل أرادَ التراجعَ ولو للحظة؟هل سبقَ أن رغبَ في طلبِ المغفرة؟ ما هو اسمُه الحقيقيّ؟

: الشيخ عباس الجشعمي

الجوابُ:

الأخُ السائلُ الكريم، أمّا اسمُ الشيطان فهوَ إبليسُ وهوَ منَ الجنّ، وليسَ منَ الملائكة.

قالَ تعالى: (وَإِذ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِيَاء مِن دُونِي وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً). (الكهف:51).

وتسميةُ إبليسَ بالشيطان، إمّا مأخوذةٌ منَ الشطن وهوَ البعدُ لأنّه أبعدَ وطُردَ مِن رحمةِ اللهِ تعالى حينَما أمرَهُ اللهُ تعالى بالسّجودِ لآدمَ عليهِ السلام. قالَ تعالى: (قَالَ فَاخرُج مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)). (الحجر:35).

او مِن شاطَ يشيط أي احترقَ غضباً. مفرداتُ ألفاظِ القرآن ـ بتصرّف - (1/ 539).

أمّا ما يرجعُ إلى القسمِ الآخرِ مِن سؤالِكم، وهوَ هل طلبَ ابليسُ التوبةَ منَ اللهِ تعالى؟

فجوابُه بالسّلب، وأنَّ إبليسَ لم يُفكّر بالتوبةِ قط بل هوَ مُصرٌّ على معصيتِه إلى يومِ القيامة.

والقرآنُ الكريم قد صرّحَ بآياتٍ كثيرة أنَّ الشيطانَ مُصرٌّ على معصيتِه إلى يومِ القيامة.

قالَ تعالى: (قَالَ أَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَنِي لأَقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَآئِلِهِم وَلاَ تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخرُج مِنهَا مَذؤُومًا مَّدحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنهُم لأَملأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُم أَجمَعِينَ). (الأعراف: 15 -17).

وقالَ تعالى: (قَالَ فَاخرُج مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيكَ اللَّعنَةَ إِلَى يَومِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَى يَومِ الوَقتِ المَعلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغوَيتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُم فِي الأَرضِ وَلأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ). (الحجر: 35-39).

وقالَ تعالى: (قَالَ أَرَأَيتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمتَ عَلَيَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ لأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) قَالَ اذهَب فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُم جَزَاء مَّوفُورًا (63) وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكهُم فِي الأَموَالِ وَالأَولادِ وَعِدهُم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إِلاَّ غُرُورًا). (الإسراء:63-64).

وروى السّيوطيُّ عن ابنِ أبي الدُّنيَا فِي مكايدِ الشَّيطَانِ عَن ابنِ عُمر قَالَ: لَقِي إِبلِيسُ مُوسَى فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنتَ الَّذِي اصطفاكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ وكلّمكَ تكليماً إِذ تبتَ وَأَنا أُرِيدُ أَن أَتُوبَ فاشفَع لي إِلى رَبِّي أَن يَتُوبَ عليّ قَالَ مُوسَى: نعَم. فَدَعَا مُوسَى ربَّه فَقيلَ يَا مُوسَى قد قُضيَت حَاجَتُك فلقيَ مُوسَى إبلِيس قَالَ: قد أمرتَ أَن تسجدَ لقبرِ آدم ويتابَ عَلَيك، فاستكبرَ وَغَضبَ وَقَالَ: لم أَسجُد حَيّاً ءأَسجدُ لهُ مَيتاً؟

قالَ السيوطيّ: وَأخرجَ ابنُ المُنذرِ عَن أنس قَالَ: إِنَّ نوحًا لمّا ركبَ السَّفِينَةَ أَتَاهُ إِبلِيس فَقَالَ لَهُ نوح: مَن أَنتَ قَالَ: أَنا إِبلِيس قَالَ: فَمَا جَاءَ بك قَالَ: جِئتَ تسأَلُ لي رَبِّي هَل لي مِن تَوبَةٍ فَأوحى اللهُ إِلَيهِ: أَنّ تَوبَتَهُ أَن يَأْتِي قبرَ آدم فَيسجدَ لَهُ قَالَ: أمّا أَنا لم أَسجُد لَهُ حَيّاً أَسجدُ لَهُ مَيتاً قَالَ: فاستكبرَ وَكَانَ منَ الكَافرين. (الدرُّ المنثورُ في التفسيرِ بالمأثور (1/ 125)).

وهذهِ الرواياتُ صريحةٌ بأنَّ إبليس لم يكُن جادّاً في طلبِ التوبة، وإلّا لأطاعَ أمرَ اللهِ تعالى في السّجودِ لآدمَ عليهِ السلام ميتاً.

ودمتُم في حفظِ الله وحُسنِ رعايتِه.