القرآن كتاب لا يدانيه كتاب
كتب أحدهم: [أيّهما أكثرُ إعجازاً وحُجيّة: 1. كتابٌ مُفَكّك، أفكارُه مُشتّتةٌ بينَ الصفحات، ومُتكرّرةٌ باختلافاتٍ مُتداخلةٍ وغيرُ مُرتّبة، فيهِ ألغازٌ وإبهامٌ كثير، يحتاجُ عشراتِ المُفسّرين، الذينَ يختلفونَ فيه ولا يتّفقون. 2. كتابٌ مُنَظّمٌ، مُرتّبٌ، مُبوّبٌ، مُفَهرَسٌ، واضحٌ، مُبينٌ، لا يحتاجُ تفسيراً ولا تأويلاً ولا ترقيعاً. ثمّ يقولُ لك: (فَأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ)!؟ البشرُ قد آتوا بِخيرٍ مِنه، وليسَ (مِن مِّثلِهِ)]
الجواب:
ممّا لا شكَّ فيه أنَّ القرآنَ الكريم أعظمُ كتابٍ حتّى بمقاييسِ البشر، فهوَ الكتابُ الأكثرُ حضوراً وتأثيراً على مجرى الحياةِ الإنسانيّة، فلا تمرُّ ثانيةٌ مِن تاريخِ البشريّة ليسَ فيها صوتٌ يتلو آياتِه ويُردّدُ كلماتِه، الأمرُ الذي يدلّلُ على محوريّةِ هذا الكتابِ وأهمّيّتِه.
وليسَ ذلكَ خاصّاً بالمُسلمينَ وحدِهم بل هوَ محورُ اهتمامِ جميعِ العلماءِ والدّارسينَ مِن غيرِ المُسلمين، فعددُ الجامعاتِ ومراكزِ الأبحاثِ والدراساتِ المُهتمّةِ بالقرآن في الدّولِ الغربيّة أكثرُ مِن أن تُحصى.
كما أنّ ترجماتِ القرآن مِن أكثرِ الكُتبِ مبيعاً وانتشاراً في البُلدانِ غيرِ الإسلاميّة، الأمرُ الذي يؤكّدُ حجمَ تأثيرِ القرآنِ على المشهدِ الإنساني، فلا يمكنُ لأيّ باحثٍ في الشؤونِ الإنسانيّة والدوليّة أن يتجاوزَ حضورَ أكثر مِن اثنين مليار مُسلم يدينونَ بهذا الكتاب، كلُّ ذلكَ يؤكّدُ على مدى مُساهمةِ القرآن بشكلٍ مباشرٍ وغيرِ مُباشر على مُجملِ الحياةِ البشريّة.
فالحضارةُ الغربيّةُ التي يعتبرُها البعضُ إنجازاً للعلمِ والعقل، هيَ في الواقع واحدةٌ مِن ثمراتِ تأثّرِ العقلِ الإنسانيّ بما في القرآنِ مِن قيمٍ ومبادئ، فلولا هذا الكتابُ لَما كانَت الحضارةُ الغربيّةُ القائمةُ اليوم، وهذا ما يعترفُ به مُحقّقوهم وكتّابُهم والذينَ أرّخوا للعلومِ وللحضارات.
أمّا عظمةُ القرآن في جانبِه الغيبيّ فإنّه يُمثّلُ وباختصار المفتاحَ الذي يدخلُ به الإنسانُ إلى الجنّة، فبعدَ نزولِ القرآن اِنحصرَ الطريقُ إلى الجنّةِ في الاهتداءِ بهديه والسيرِ على نهجِه، قالَ تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ).
فبنزولِ القرآنِ خُتمَت الرسالاتُ ونُسخَت الشرائعُ السابقة، قالَ تعالى: (وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ)، وبذلكَ أصبحَ القرآنُ الكتابَ الوحيد الذي يُعبّرُ عن أمرِ اللهِ ونهيه، فلا تُرجى الهدايةُ إلّا منه ولا يُنالُ الخيرُ إلّا عن طريقِه، وقد ضمنَ القرآنُ لمَن يسيرُ على هديهِ السعادةَ في الدّنيا والنعيمَ الأبديَّ في الآخرة، قالَ تعالى: (إِنَّ هَـٰذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتِي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبِيرًا)، وقالَ تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِّلمُؤمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)، فقد اشتملَت آياتُ القرآن على أصولِ القيمِ ومبادئِ الأخلاق، وهيَ بدورِها مفتاحٌ لجميعِ خيرِ الدّنيا والآخرة.
وما جاء في السؤال لا يتضمّنُ فكرةً تستحقُّ المُناقشةَ والردّ، فالرّجلُ كانَ يُعبّرُ عن عدائِه الشخصيّ للقرآنِ وكراهيّتِه للإسلام، ونحنُ لا نجدُ أنفسَنا مُطالبينَ بالردِّ على المواقفِ الشخصيّة التي تُعبّرُ عن نفسيّاتِ أصحابِها.
فالقولُ إنّ القرآنَ كتابٌ مُفكّكٌ وأفكارٌ مُشتّتةٌ ومُكرّرةٌ ليسَ إلّا دعوة لا تستندُ على أيّ شاهدٍ يدعمُها، ولو كانَ القرآنُ كما وصفَه لمَا أصبحَ الكتابَ الأكثرَ تأثيراً على مُجملِ الحياةِ الإنسانيّة، ولمَا كانَ مدارَ بحثِ العلماءِ والفلاسفةِ وكبارِ مُفكّري العالم، وقد صرّحَ الكثيرُ مِن عُلماءِ الغرب ومُفكّريها بعظمةِ القرآن ومدى إعجازِه.
وقد عرّفَه الدكتور موريس بوكاي بالكتابِ الذي لا مثيلَ له.
وعندَما حاولَ الدكتور جونسون وصفَه قالَ فيه: "هل هوَ شعرٌ؟ لا، ولكن الصعوبة تكمنُ في التفرقةِ بينَه وبينَ الشعر. إنّه أعلى مقاماً منَ الشعر. هوَ ليسَ تاريخاً أو نصيحةً كنصيحةِ عيسى عليهِ السلام في الجبل، ولا هيَ قولٌ مِن أقوالِ بوذا الحكيم، أو كتابٌ مِن كُتبِ المنطقِ والفلسفة، ولا هيَ مِن نصائحِ أفلاطون، إنّه صوتُ نبيٍّ يستطيعُ أن يسمعَه جميعُ مَن في الأرضِ ويُسمَعُ صداهُ أينما كان"
ويقولُ الكاهن رودول: "بعدَ التغييرِ الجذري الذي أحدثَهُ القرآنُ للبدو العربِ تراهُم وصلوا بذلكَ إلى الشهرة. رسخَت فيهم الوحدانيّةُ والرسالةُ وأبعدَهم عن عبادةِ الأوثان وعبادةِ الجنِّ والنجوم، وأزالَ عادةَ وأدِ البنات ودفنِهم الأحياء وما إلى ذلكَ منَ العاداتِ السيّئة وعمَّ بذلكَ عليهم اللّطفُ والعنايةُ الإلهيّة. إنّه يُعظّمُ القديرَ خالقَ الكون العليّ فهوَ بذاتِه يستحقُّ المدح.. مُجملٌ وجيزٌ يأتي بالحقائقِ ويسردُها ببلاغةٍ وحِكمة.. فانبهرَ المُجتمعُ النصرانيّ مِن بغدادَ وقرطبةَ ودلهي وأوروبا بهِ وبإعجازه"
ويقولُ المُفكّر كورسل الذي ترجمَ معاني القرآن الكريم: "القرآنُ الكريم مُعجزةٌ إلهيّةٌ بليغة، ليسَت مِن قولِ بشرٍ إنّها معجزةٌ دائمةٌ ليسَت كأيّ مُعجزةٍ هيَ أقوى مِن مُعجزةِ الموتى. يكفي أنّه مُنزّلٌ مِن عندِ الله، عمَّ بنورِه الجزيرةَ العربيّة وتحدّى بأقصرِ آيةٍ فيه أن يأتوا بمثلِه فما استطاعوا"
وأيّدَه في ذلكَ الكاتبُ الإنجليزي مارمادوكي بيكثل بقولِه إنَّ القرآنَ "يؤصّلُ الأخلاقَ فلا نستطيعُ إنكارَ ذلكَ حيثُ أنزلَ إلى النبيّ عليهِ السلام وبلّغَهُ بدورِه فمَن أرادَ التقرّبَ إلى اللهِ عزَّ وجل توجّهَ إلى القرآن. ففيهِ بيانُ حقِّ الخالقِ وحقِّ المخلوقين"
ولو أرَدنا تتبّعَ ما قيلَ في القرآن مِن غيرِ المُسلمينَ منَ العُلماءِ والمُفكّرينَ والفلاسفةِ لاحتَجنا لكتابٍ كامل، ناهيكَ عمّا قالهُ عُلماءُ المُسلمين وعباقرتُهم، فكيفَ بعدَ ذلك يمكنُ الاستماعُ لمثلِ هذا المُدّعي الذي يُعبّرُ عن حقدِه الشخصي؟
اترك تعليق