لماذا لا يشترط الشيعة الإشهاد في النكاح؟
تقولون: إن الشهادة في الزواج ليست واجبة، إذن كيف نميِّز بين المتزوجَيْن وغيرهما؟ وما الدليل على عدم وجوب الشهادة في الزواج؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}
المشهور بين فقهاء الشيعة: أن الإشهاد في النكاح الدائم مستحب وسُنَّة مؤكدة، وليس هو بشرط في صحة النكاح، فيجوز النكاح بدون إشهاد، ولكن تركه مكروه لا حرام.
والدليل على ذلك ..
[أولاً] القرآن الكريم:
• قال (تعالى): {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء ٣].
• قال (تعالى): {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور ٣٢].
• قال (تعالى): {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق ٢].
واضح جداً: أن القرآن يشترط الإشهاد في الطلاق فحسب، وذكر النكاح كثيراً، ولم يشترط فيه الإشهاد ولا بآية واحدة.
وقد احتجَّ أهل البيت (ع) بهذا البيان القرآني في فقههم!
روى الكليني في الكافي: ج٥ ص٣٨٧ ح٤، بسنده عن الإمام الكاظم (ع)، أنه قال لأبي يوسف القاضي السُّني الشهير: «إن الله (تبارك وتعالى) أمر في كتابه بالطلاق، وأكَّد فيه بشاهدَيْن، ولم يرضَ بهما إلا عَدْلَين. وأمر في كتابه بالتزويج، فأهمَله بلا شهود. فأثبتُّم شاهدَيْن فيما أهمَل، وأبطلتُم الشاهدَيْن فيما أكَّد!».
[ثانياً] السُّنة الشريفة:
قال ابن إدريس الحلي في السرائر: ج٢ ص٥٥٠، «ليست الشهادة عند أهل البيت (ع) شرطاً في صحته، بل من مستحباته، وبه تجب الموارثة».
وسُنَّة أهل البيت (ع) على نوعين ..
١- سيرتهم (ع):
سجَّل التاريخ عدة مواقف لهم (ع)، أنهم تزوَّجوا وزوَّجوا، ولم يُشهدوا أحداً على ذلك، فمثلاً:
• روى البخاري في صحيحه: ج٦ ص١٩٢ ح٥٠٢٩، ومسلم في صحيحه: ج٤ ص١٤٣ ح١٤٢٥، «عن سهل بن سعد، قال: أتت النبي (ص) امرأة، فقالت: إنها قد وهبتْ نفسها لله ولرسوله (ص)، فقال: ما لي في النساء من حاجة! فقال رجل: زوِّجنيها. قال: أعطها ثوباً، قال: لا أجد. قال: أعطها ولو خاتماً من حديد، فاعتلَّ له. فقال: ما معك من القرآن؟ قال: كذا، وكذا، قال: فقد زوَّجتُكها بما معك من القرآن!».
• قال ابن رشد في بداية المجتهد: ج٣ ص٤٤، «وفعل ذلك الحسن بن علي (رض)، رُوِيَ عنه: أنه تزوَّج بغير شهادة، ثم أعلن بالنكاح».
٢- حديثهم (ع):
• روى الكليني في الكافي: ج٥ ص٣٨٧ ح١، بسند صحيح، عن الإمام الصادق (ع)، «سُئِل: عن الرجل، يتزوَّج المرأة بغير شهود؟ فقال: لا بأس بتزويج البتة، فيما بينه وبين الله. إنما جُعِل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد، لولا ذلك لم يكن به بأس».
والمراد بتزويج البتة: النكاح الدائم، لأنه محل الخلاف بين الشيعة والسُّنة، في اشتراط الإشهاد وعدمه.
• روى الكليني في الكافي: ج٥ ص٣٨٧ ح٢، بسند صحيح، عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إنما جُعلت البيِّنات للنَّسب والمواريث»، قال الكليني: وفي رواية أخرى: «والحدود».
• روى الكليني في الكافي: ج٥ ص٣٨٧ ح٣، بسند صحيح، عن الإمام الصادق (ع)، سُئِل: «في الرجل يتزوَّج بغير بيِّنة؟ قال: لا بأس».
هذه الروايات صريحة في عدم اشتراط الإشهاد في النكاح، إلا أنها تُرشِد إليه، لدفع التهمة، وتحقق النَّسب والميراث، وهذا الإرشاد يراد به: استحباب الإشهاد، وكراهة تركه.
[ثالثاً] إجماع الشيعة:
نصَّ المرتضى في الانتصار: ص٢٨١، م١٥٧، والطوسي في الخلاف: ج٤ م١٣ ص٢٦١، وابن زهرة في غنية النزوع: ص٢٤٥ ف١، والحلي في تذكرة الفقهاء: ج٢ ص٥٧١، والمجلسي في مرآة العقول: ج٢٠ ص١٢٠، وغيرهم: أن الشيعة أجمعوا على أن الإشهاد لا يُشترط في النكاح.
وتوافق مع الشيعة ـ على عدم اشتراط الإشهاد في النكاح ـ جماعة من أعلام الصحابة والتابعين وفقهاء السُّنة، منهم:
عبدالله بن عمر، وسالم وحمزة ابناه، وعبدالله بن الزبير، وعثمان بن مسلم البتِّي، وابن أبي ليلى، وعبدالله بن إدريس الأودي، وعبدالرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون الواسطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد، وابن المنذر النيسابوري، ويحيى بن محمد العنبري، وأهل الظاهر. ويُرْوَى أيضاً عن: ابن شهاب الزهري، ومالك بن أنس، وأحمد بن حنبل. كما في المغني لابن قدامة: ج٩ ص٣٤٧، والشرح الكبير للرافعي: ج٧ ص٥١٦.
أما بالنسبة للتمييز بين المتزوجَيْن وغيرهما:
فالناس مستأمَنون على: أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، هذه سيرة العقلاء في كل المجتمعات البشرية، وعليها تنبني الأعراف والقوانين والأحكام.
والزواج عَقد كبقية العقود الاجتماعية، يكفي فيه الاعتراف من الطرَفين، للحُكم بزواجهما، وترتيب الآثار عليه.
قال الحلي في شرائع الإسلام: ج٢ ص٢١٨، «إذا اعترف الزوج بزوجيَّة امرأته فصدَّقته، أو اعترفتْ هي فصدَّقها، قُضِيَ بالزوجية ـ ظاهراً ـ وتوارَثا».
ولتفاصيل مسألة الإشهاد في النكاح عند الشيعة يراجع:
• الخلاف للطوسي: ج٤ م١٣ ص٢٦١.
• تذكرة الفقهاء للحلي: ج٢ ص٥٧١.
• الحدائق الناضرة للبحراني: ج٢٣ ص٣٣.
• رياض المسائل للطباطبائي: ج١١ ص١٩.
• جواهر الكلام للنجفي: ج٢٩ ص٣٩.
اترك تعليق