هل الاسراء والمعراج معجزة؟

الإسراءُ معجزةٌ من معجزاتِ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وآله والمعجزُة هي وسيلةٌ لإثباتِ الرّسالةِ للمُخالفينَ والكفّار.. لكن في الإسراِء لم يشهَد أحدٌ حدوثَه بل الرّسولُ هو أخبرَ بذلكَ وامرَ الناسَ بالتصديقِ والعلمانيّونَ يُشكّكونَ بمصداقيّة ذلكَ ويقولونَ أنَّ الإسراءَ ربّما تمَّ بروحِ النبيّ فقط لا جسدِه الشريف!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

كلمةُ المعجزةِ منَ المُصطلحاتِ الخاصّة بعلمِ الكلام، وقد تمَّ تعريفُها في هذا العلمِ بالقول: (المعجزةُ هي الأمرُ الخارقُ للعادةِ المقرونُ بالتحدّي – مَع دعوى النبوّة - ومع عدمِ المُعارضة).

وبناءً على هذا التعريف للمُعجزة فإنَّ كثيراً منَ الأموِر الخارقةِ للعادة التي حدثَت للأنبياءِ لا تكونُ مِن بابِ الإعجازِ لكونِها لم تأتِ في مقامِ التحدّي للآخرين، ومثالٌ لذلكَ الذي حصلَ مع سيّدنا إبراهيم (عليهِ السلام) في قولِه تعالى: (وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحيِي المَوتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَم تُؤمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطمَئِنَّ قَلبِي ۖ قَالَ فَخُذ أَربعَةً مِّنَ الطَّيرِ فَصُرهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجعَل عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنهُنَّ جُزءًا ثُمَّ ادعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعيًا ۚ وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

فإنَّ حصولَ هذه المُعجزة كانَ خاصّاً بإبراهيم (عليهِ السلام) دونَ قومِه.

وإذا رجَعنا لمعنى المُعجزة كما تناولها العلماءُ نجدُهم اشترطوا جميعاً حصولَ التحدّي مع الأمرِ الخارقِ للعادة، ففي شرحِ المقاصدِ للتفتازانيّ يقول: (وبالتحدّي يحصلُ ربطُ الدعوى بالمعجزةِ حتّى لو ظهرَت آيةٌ مِن شخصٍ وهوَ ساكتٌ لم يكُن معجزةً. وكذا لو ادّعى الرّسالةَ، فظهرَت الآيةُ مِن غيرِ إشعارٍ منهُ بالتحدّي. قالوا: ويكفي في التحدّي أن يقول: آيةُ صِدقي أن يكونَ كذا وكذا).

وجاءَ في تفسيرِ الأمثلِ للشيخِ مكارم الشيرازي: (و«المعجزةُ» ـ كما هوَ واضحٌ مِن لفظِها ـ عملٌ خارقٌ يأتي به النّبيّ ويعجزُ عن الإتيانِ به الآخرون. على النّبي صاحبِ المُعجزة أن يتحدّى النّاسَ بمُعجزتِه، وأن يعلنَ لهم أنَّ معجزتَه دليلٌ على صدقِ دعواه).

وفي كتابِ الإلهيّاتِ للسبحانيّ يقول: (إنّ خَرقَ العادةِ لا يُسمّى إعجازاً إلاّ بالإتيانِ به لأجلِ إثباتِ دعوى السفارةِ والنبوّة، فإذا تجرّدَ عنها يسمّى كرامةً. وقد نقلَ سبحانه في الذكرِ الحكيمِ كرامةً لمريم ـ عليها السَّلام ـ، في قولِه عزّ مِن قائل: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا الِمحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزقاً قَالَ يَا مَريَمُ أَنى لَكِ هَذَا قَالَت هُوَ مِن عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَاب). وهذا الأمرُ (حضورُ الرّزقِ بلا سعيٍ طبيعيّ) لم يكُن مقترناً بدعوى المقامِ والمنصبِ الرّسالي، فلا يوصفُ بالإعجازِ بل بالكرامة. وهكذا الحالُ فيما يقومُ به الأولياءُ والصّلحاء مِن عظامِ الأمورِ الخارقةِ للعادّة، فإنّها توصفُ بالكرامة).

ويمكنُ الاستدلالُ على هذا المعنى ببعضِ الأخبار، فعن أبي بصيرٍ قالَ قلتُ لأبي عبدِ اللّه عليهِ السلام: لأيّ علّةٍ أعطى اللّهُ أنبياءَه ورسلَه وأعطاكُم المعجزة؟ فقالَ: ليكونَ دليلاً على صدقِ مَن أتى به، والمعجزةُ علامةُ اللّه لا يعطيها إلّا أنبياءَه ورسلَه وحُججَه، ليعرفَ به صدقَ الصادقِ وكذبَ الكاذب‌)

وبناءً على ذلك لا يكونُ الإسراءُ معجزةً بحسبِ الاصطلاحِ الكلاميّ، فمعَ أنَّ حدوثَه يعدُّ أمراً خارقاً للعادة إلّا أنّه لم يأتِ في سياقِ الاحتجاجِ والتحدّي.

وعليهِ يكونُ الإسراءُ منَ الكراماتِ العظيمةِ التي حدثَت للنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) والهدفُ منها هو بيانُ مقامِ الرّسولِ ومرتبتِه، فقد صرّحَ القرآنُ بذلكَ في قوله: (سبحانَ الذي أسرى بعبدِه ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى الذي بارَكنا حولَه لنريهُ مِن آياتِنا إنّه هوَ السميعُ البصير)، حيثُ نصّت الآيةُ على فلسفةِ الإسراءِ بقولها (لنريهُ مِن آياتِنا إنّه هو السّميعُ البصير)، وقد أخبرَ اللهُ عن عظيمِ هذه الآياتِ في قولِه تعالى: (لَقَد رَأَىٰ مِن آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرَىٰ).

ومعَ ذلكَ فإنَّ الإسراءَ والمعراجَ يعدُّ منَ المعجزاتِ لأنّها تؤكّدُ ارتباطَ الرّسولِ بالله، وبالتالي هيَ دليلٌ على صدقِ رسالتِه لمَن يصدّقُ بإخبارِ النبيّ عنها، ومِن هُنا نجدُ أنَّ المؤمنينَ جميعاً يتعاملونَ معها على أنّها من أعظمِ معاجزِه صلّى اللهُ عليهِ وآله.

أمّا كيفيّةُ وقوعِ الإسراءِ وهل حصلَ بجسدِ النبيّ أم بروحِه؟ فقد اختلفَ فيهِ المسلمون إلى مذاهبَ شتّى، ونجملُ القولَ فيه بما قالَه السيّدُ الطباطبائي في تفسيرِه حيثُ قال: (ثمَّ اختلفوا في كيفيّةِ الإسراء فقيلَ: كانَ إسراؤه عليهِ ‌السلام بروحِه وجسدِه منَ المسجدِ الحرام إلى بيتِ المقدس ثمَّ منه إلى السماواتِ وعليهِ الأكثر وقيلَ: كانَ بروحِه وجسدِه مِن مكّة إلى بيتِ المقدس ثمَّ بروحِه مِن بيتِ المقدس إلى السماواتِ وعليهِ جمع،

وقيل: كانَ بروحِه عليهِ ‌السلام وهوَ رؤيا صادقةٌ أراها اللهُ نبيّه ونسبَ إلى بعضِهم.

قالَ في المناقب: اختلفَ الناسُ في المعراجِ فالخوارجُ ينكرونَه، وقالَت الجهميّة: عرجَ بروحِه دونَ جسمِه على طريقِ الرّؤيا، وقالت الإماميّةُ والزيديُّة والمُعتزلة: بل عرجَ بروحِه وبجسمِه إلى البيتِ المقدس ـ لقولِه تعالى: «إِلَى المسجِدِ الأَقصَى» وقالَ آخرون: بل عرجَ بروحِه وبجسمِه إلى السماواتِ: رويَ ذلكَ عن ابنِ عبّاس وابنِ مسعود وجابرٍ وحذيفةَ وأنسَ وعائشةَ وأمّ هاني.

ونحنُ لا ننكرُ ذلكَ إذا قامَت الدّلالة، وقد جعلَ اللهُ معراجَ موسى إلى الطور «وَما كُنتَ بِجانِبِ الطُّورِ» ولإبراهيمَ إلى السماءِ الدّنيا «وَكَذلِكَ نُرِي إِبراهِيمَ» ولعيسى إلى الرّابعة «بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ» ولإدريسَ إلى الجنّة «وَرَفَعناهُ مَكاناً عَلِيًّا» ولمحمّدٍ صلّى ‌اللهُ ‌عليهِ ‌وآله «فَكانَ قابَ قَوسَينِ» وذلكَ لعلوّ همّته. انتهى.

والذي ينبغي أن يقالَ أنَّ أصلَ الإسراءِ ممّا لا سبيلَ إلى إنكارِه فقد نصَّ عليه القرآنُ وتواترَت عليه الأخبارُ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم والأئمّةِ مِن أهلِ بيتِه عليهِ السلام.

وأمّا كيفيّةُ الإسراءِ فظاهرُ الآيةِ والرواياتِ بما يحتفُّ بها منَ القرائنِ ظهوراً لا يقبلُ الدفعَ أنّه أسرى به منَ المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى بروحِه وجسدِه جميعاً.

وأمّا العروجُ إلى السماواتِ فظاهرُ آياتِ سورةِ النجمِ كما سيأتي إن ما شاءَ الله في تفسيرِها وصريحُ الرواياتِ على كثرتِها البالغةِ وقوعه، ولا سبيلَ إلى إنكارِه من أصلِه غيرَ أنّه منَ الجائزِ أن يقالَ بكونِه بروحِه لكن لا على النحوِ الذي يراهُ القائلونَ به مِن كونِ ذلكَ مِن قبيلِ الأحلام ومِن نوعِ ما يراهُ النائمُ منَ الرؤى، ولو كانَ كذلك لم يكُن لِما يدلُّ عليه الآياتُ بسياقِها مِن إظهارِ المقدرةِ والكرامةِ معنى، ولا لذاكَ الإنكارِ الشديد الذي أظهرَته قريش عندَما قصَّ عليه السلام لهُم القصّةَ وجهٌ، ولا لما أخبرَهم به مِن حوادثِ الطريق مفهومٌ معقولٌ بل ذلك - إن كانَ - بعروجِه صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم بروحِه الشريفةِ إلى ما وراء هذا العالمِ المادّي ممّا يسكنُه الملائكةُ المكرمون وينتهي إليه الأعمالُ ويصدرُ منه الأقدار ورأى عندَ ذلكَ من آياتِ ربّه الكُبرى وتمثّلت له حقائقُ الأشياء ونتائجُ الأعمال وشاهدَ أرواحَ الأنبياءِ العظام وفاوضَهم ولقيَ الملائكةَ الكرام وسامرَهم، ورأى منَ الآياتِ الإلهيّة ما لا يوصفُ إلّا بالأمثالِ كالعرشِ والحُجبِ والسرادقات)