هل وصف الجبال في القرآن بالرواسي يعارض العلم؟

سؤال: الجبال في القرآن وضعت حتى تحفظ توازن الأرض كي لا تميد (وفي هذا أيضا اشارة الى أنّ الأرض ثابتة في القرآن)، قال تعالى: (وَأَلقَى فِي الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم وَأَنهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ) والأرض لا تميد عن مجال دورانها بفعل قوى الجاذبية بين الكواكب والنجوم (نظرية كلبر) المثبتة ولا علاقة للجبال التي تكوّنت بسبب حركة صفائحها بأي دور في حركتها، فالأرض دائمة الحركة حول نفسها وحول الشمس حتّى قشرتها الأرضيّة المؤلّفة من صفائح تكتونيّة (قارّات) تتحرّك وحركتها وتصادم الصفائح ببعض هو السبب في تكوين الجبال فيها وأيضاً جوف الأرض ليس ثابتاً بل يتحرك بعكس حركة دوران الأرض.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

تحدثَ القرآنُ منذ أربعةَ عشر قرناً عن الجبال بوصفها أوتاداً ورواسيَ للأرض، وهو الأمر الذي لم يكتشفه العلم إلا مؤخراً، يقول الدكتور زغلول النجار في معرض حديثهِ عن بعض الاكتشافاتِ العلمية المتعلقة بالجبال: هذه المعلوماتُ المكتسبة عن الجبال بدأ الإنسانُ في جمع أطرافها ببطء شديد منذ منتصفِ القرن التاسع عشر الميلادي، ولم يتبلور مفهومٌ صحيح لها إلا في منتصف الستينات من القرن العشرين، عندما كان مفهومُ تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض في مرحلة التبلور النهائي له، وفي المقابل نجد أنّ القرآن العظيم الذي أوحاه الله تعالى إلى خاتم أنبيائه ورسلهِ صلى الله عليه وسلم يحوي من حقائق الكون -ومنها حديثه عن الجبال- ما لم يكن متوفراً لأحدٍ في زمان نزوله، ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك النزول.

ومن الطبيعي أن تجهلَ البشرية قبل اكتشاف الأجهزة والوسائل الحديثة الجانبَ المخفيّ من الجبال في باطن الأرض، فبحسب النظرة الحسّية الظاهرية لا تعدو أن تكون الجبال كتلاً صخرية متكومة على سطح الأرض، ولا يملكُ الإنسانُ غير الدهشة في قبال حديثِ القرآن عن الجانب المخفي من الجبال تحت الأرض، قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)، والوتدُ هو الذي يكون معظمهُ غائراً تحت الأرض وجزء منه ظاهراً على سطحها، ولم تفكر البشرية في هذه الحقيقة إلا في النصف الآخر من القرن التاسع عشر، عندما تقدّم السير جورج آيري بنظرية مفادها أنّ القشرة الأرضية لا تمثلُ أساساً مناسباً للجبال التي تعلوها، وافترض أنّ القشرة الأرضية وما عليها من جبل لا تمثل إلا جزءاً طافياً على بحرٍ من الصخور الكثيفة المرنة، ومن ثم فلا بدّ أن تكون للجبال جذورٌ ممتدة داخل تلك المنطقة العالية الكاشفة؛ لضمان ثباتها واستقرارها. وفي القرن العشرين وبعد اكتشاف وسائل حديثة لتصوير باطن الأرض تم التأكد من هذه الفرضية التي اثارها السير جورج آيري، حيث وجد العلماءُ أنّ الجزء الظاهر من الجبل لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من حجمه الحقيقي داخل باطن الأرض، فمثلاً وجدوا أنّ جبال الألب في أوربا تمتدُ عميقاً ما بين 40 إلى 50 كيلوا تحت الأرض، وأنّ جبال (إفرست) التي يبلغ ارتفاعها 9 كم يمتدُ عمقها في باطن الأرض إلى 135كم.

ومن هنا ترسّخَ لدى جميع علماء الجيولوجيا اليوم أنّ لكل جبل وتداً عميقاً في الأرض، ولو لا ذلك لما استقرت الجبال ولا استقرت القشرة الأرضية، فوجود الجبال يمثلُ حماية أساسية للقشرة الأرضية، حيث ثبت علمياً أنّ الغلاف الصخري للأرض عبارة عن شبكة هائلة من الصدوع التي تمتد لعشرات الألاف من الكيلو مترات، وهي محيطة بالأرض إحاطة كاملة بعمق يتراوح ما بين 65 كم، 159 كم، فعددُ الألواح الصخرية المنعزلة عن بعضها البعض تطفو فوق طبقة لَدِنة شبهِ منصهرة عالية الكثافة واللزوجة تعرف باسم "نطاق الضعف الأرضي"، وفي هذا النطاق تنشط التيارات الحرارية على هيئة دوامات عاتية تدفع بألواح الغلاف الصخري بسرعات لا تسمحُ بعمرانها على الاطلاق، ولا يهدي من عنفها إلا تكوّن السلاسل الجبلية على مراحل متتالية حتى تصل إلى مرحلتها النهائية باستهلاك قاع المحيط الفاصل بين قارتين متباعدتين استهلاكاً كاملاً، وذلك بدفع إحدى القارتين له تحت القارة الأخرى، حتى تصطدم القارتان ضاغطتين الصخور المتجمعة بينها على هيئة سلاسل جبلية عظيمة، تمتد بأوتادها لتثبت صخور احدى القارتين بصخور الأخرى كما يثبتُ الوتد أركانَ الخيمة، ولولا ذلك لما ثبت غلاف الأرض.

ومضافاً لتثبت الجبال لغلاف الأرض فإنها تقوم أيضاً باتزان دوران الأرض حول محورها؛ وذلك لأنّ محور الأرض يترنحُ ويتمايلُ في حركاتٍ مختلفة مع حركة كلّ من الشمس والقمر، ويقلل من عنف هذه الحركة وجود الجبال ذات الجزور الغائرة في الغلاف الصخري للأرض، فتقلل من شدة ترنح محور دوران الأرض وتجعلها أكثر استقراراً وانتظاماً في دورانها حول محورها، تماماً كما تفعل قطعة الرصاص التي توضع على إطار السيارات لتقلل من ارتجاجها أثناءَ دورانها تحت السيارات. قال تعالى: (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون).

وعليه فإنّ الجبال بأوتادها المغروسة في باطن الأرض تحفظ توازنها وتجعلها مستقرةً حتى يتمكّنَ البشر من العيش عليها، ولولا الجبال لظلت الأرض تميد بالناس وتترنحُ بهم ذات اليمين وذات الشمال، ولكانت القشرةُ الأرضية مضطربة وغير صالحة لإعمارها والبناء عليها، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).