هل العداوة والعنف والقتال مقدسة في الإسلام؟
سؤال: أكرهُ طبائع الإنسان البدائية: العداوة والعنف والقتال والتكاثر كالحشرات. كم سيكون الإسلامُ جميلاً لو حارب هذه الطبائع المنحطة وارتقى بالإنسان، ولكنّ الإسلام جاء على النقيض من ذلك ورَسَّخَ تلك القبائح الإنسانية وجعلها مقدّسة!
الجواب:
أولاً: من المهمّ أن نؤكّدَ أنه ليس بإمكاننا السيطرةُ على ردود الفعل والآراء الشخصية للآخرين، وكلّ ما بوسعنا هو تقديمُ المعلومات ووجهاتِ النظر التي تقدّمُ مقارباتٍ منصفة للإسلام.
ثانياً: الإنسانُ الطبيعيّ وبفطرتهِ السليمة يكرهُ العداوة والعنف والقتال، وعليه فصاحبُ هذا الكلام ليس استثناءً يستوجبُ التقدير والاشادة، والأمرُ الوحيد الذي ينفردُ به هو كراهيتهُ للتكاثر، فالإنسانُ يميلُ وبشكل فطري إلى التكاثر الذي به يحفظ النوع الإنساني، وتمرّدهُ على هذا الميل الطبيعي يخرجهُ بالضرورة عن دائرة الإنسان الطبيعي، وإلا ما هو الدافعُ القيميّ أو الأخلاقي الذي يحملُ الإنسانَ الطبيعي إلى كراهية ذلك؟، وبخاصة أنهُ لم يتحدث عن تنظيم الإنجابِ كضرورةٍ تفرضها بعض الظروف وإنما تحدّثَ عن كراهيتهِ للتكاثر بشكل مطلق.
ثالثاً: بنفس القدر الذي تكرهُ فيه الفطرةُ الإنسانيةُ السليمةُ العداوة والعنفَ والقتالَ تكرهُ أيضاً التحيزَ وعدم الإنصاف وإطلاقَ الاحكام بالجهل ومن دون دليل، فمن يتشدّقُ بالقيم يجب أن يلتزمَ بها أولاً، فقوله إنّ الإسلام يدعو للعنف والعداوة والقتال يُعدُّ مصداقاً واضحاً للتعدّي والعداوة والكراهية للإسلام، فالإسلامُ بحسب زعمه يدعو للقبائح ويجعلها مقدسة، وبما أنه يكرهُ كلّ ذلك كما في مقدمة كلامه، فالنتيجةُ الحتمية أنه يدعو إلى كراهية الإسلام ومن ثم معاداتهِ وإخراجهِ عن المشهد الإنساني نهائياً، وعليه هو يكرهُ العداوة ويمارسها بامتياز، أمّا قوله: (كم سيكون الإسلام جميلاً لو حارب هذه الطبائع المنحطة وارتقى بالإنسان) ليس إلا تستراً مفضوحاً ففي الحقيقة هو لا يرى في الإسلام شيئاً جميلاً، فجمالُ الحقائق المعنوية بقيمها الأخلاقية ومن يسقطُ في امتحان القيم والأخلاق يسقط حتماً في امتحان الجمال.
رابعاً: شعارُ الإسلام هو (السّلام) بل هو القيمةُ التي قام بالأساس من أجلها، فكيف بعد ذلك يمكن أن نتصوّرَ أنّ العنفَ والعداوةَ والقتالَ قيمٌ مقدسةٌ في الإسلام؟ وقد جعل الإسلامُ قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياءِ نفس واحدةٍ بمثابة إحياء الناس جميعاً، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).
خامساً: حاربَ الإسلام كلّ العاداتِ والتقاليد والثقافات التي من شأنها خلق الكراهية والعداوات في المجتمع، مثل العنصرية والتفاخر والتنابز بالألقاب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، كما دعا إلى العدل والإنصاف حتى مع العدو قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
خامساً: دعاءُ الإسلام إلى التعارف والتعاون بين البشر جميعاً، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فقد وجهتِ الآية الخطاب للناس وليس للمؤمنين بشكل خاص، الأمرُ الذي يعني أنّ الإسلام يدعو للتعايش مع جميع الثقافات، والدعوة للتعارف بين الشعوب والقبائل لا يتمّ إلا من خلال قبولهم بما هم عليه من تعدّدٍ في الأفكار والثقافات؛ بل يدعو القرآن للتعامل الإيجابي مع الكفار والمشركين طالما لم يقوموا بأدوار سلبية اتجاه المؤمنين، قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وعليه فإنّ الإسلام يؤكّدُ على الأخوّةِ البشرية والتي تعني الإنصافَ وعدم التعدّي على المخالف أو حرمانه من حقوقه الحياتية، ويؤكّدُ ذلك أميرُ المؤمنين (عليه السلام) في وصيتهِ لمالك الأشتر بقوله: (فإنهم صنفان إمّا أخٌ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق)، فإن لم يكن بين البشر روابط دينية فهناك روابط إنسانية.
سادساً: حدّد القرآنُ ضابطاً دقيقاً للحروب الإسلامية بقوله: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبُّ المعتدين}، فقد حرّمت الآية بشكلٍ واضح وصريح الاعتداء في حين سمحت بحمل السيف في وجه الظالم والمتعدي، قال تعالى: {وقاتلوا المشركينَ كافة كما يقاتلونكم كافة} وتبينُ هذه الآية أنّ قتال المشركين ليس لأنهم مشركون وإنما لكونهم مقاتلين.
وعليه: فإنّ القتال في القرآن يقوم بدور تنظيم سُنّة التدافع البشري ويقيّمها على أساس الحقّ وردّ الظلم ونصرة المستضعفين قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (30) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)، والدليلُ على أنّ القرآن لا يحبّذُ القتال ويفضّلُ السلم والتفاهم هو أمرهُ بترك القتال في حال توقفِ الاعتداء قال تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وفي المحصّلةِ: لا يجيزُ الإسلامُ العداوةَ والعنف والقتال، ولم يشرّع الإسلامُ الحروب إلا في حال دفع الظلم وإقامةِ الحقّ وردّ المعتدي وهذا مبرّرٌ عقلاً قبل أن يكون مبرراً شرعاً.
اترك تعليق