موقف الإماميّة من عمرو بن الحمق الخزاعيّ (ت50هـ)، وصحّة مشاركته في قتل عثمان

السؤال: ما رأيكم في شخصيّة عمرو بن الحمق الخزاعيّ (رضي الله عنه)؟ وما صحّة القول أنّه شارك في قتل عثمان؟ وهل صحّ عنه أنّه قال: علمت أنّه مات في الثالثة، فطعنته ستّاً لِمَا كان في قلبي عليه؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

بداية ينبغي التنبيه على أنّه لا خلاف بين جمهور أهل السنّة أنّ عمرو بن الحمق الخزاعي أحد صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهذه بعض كلماتهم:

قال مغلطاي [ت762هـ]: (وروى المدائنيّ: أنّه كان من خيار المسلمين، وشهد مع النبيّ – صلى الله عليه وسلم – بدراً وما بعدها من المشاهد، وكان من ذوي البصائر) [إكمال تهذيب الكمال ج10 ص156].

وقال الذهبي: (عمرو بن الحمق ن ق الخزاعيّ: له صحبة ورواية، وبايع النبيّ – صلى الله عليه وسلم – في حجّة الوداع، وسمع منه) [تاريخ الإسلام ج4 ص87].

وقال ابن حجر: (وقد وقع في الكنى للحاكم أبي أحمد، في ترجمة أبي داود المازنيّ، من طريق الأمويّ عن ابن إسحاق: ما يقتضي أنّ عمرو بن الحمق شهد بدراً) [الإصابة ج4 ص514].

وقال: (عمرو بن الحمق – بفتح المهملة وكسر الميم بعدها قاف – بن كاهل – ويقال: الكاهن بالنون – بن حبيب الخزاعيّ: صحابيّ، سكن الكوفة ثمّ مصر، قتل في خلافة معاوية) [تقريب التهذيب ج1 ص733].

وقال ابن كثير – في أحداث سنة 50هـ –: (وفيها كانت وفاة عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعيّ، أسلم قبل الفتح، وهاجر، وقيل: إنّه إنّما أسلم عام حجّة الوداع، وورد في حديث: أنّ رسول الله دعا له أن يمتّعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة لا يرى في لحيته شعرة بيضاء) [البداية والنهاية ج8 ص52].

وقد عدّه ضمن الصحابة كلُّ من ألف موسوعة في ذلك، كابن الأثير وابن حجر وغيرهما. يراجع: الإصابة لابن حجر ج4 ص514، أسد الغابة لابن الأثير ج4 ص100، معجم الصحابة لابن قانع ج2 ص201، معرفة الصحابة لأبي نعيم ج4 ص2006، وذكره الحاكم النيسابوريّ في معرفة علوم الحديث 191 ضمن « مَن سكن الكوفة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –.

إذا عرفت هذا، فنقول:

أمّا رأي الإماميّة في الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعيّ، فنقول:

هو عند الإماميّة صحابيّ عظيم، ومن أصفياء وحواري أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في بعض المصادر، ينظر الاختصاص ص15، معجم رجال الحديث ج14 ص97.

وهو ممّن رجع إلى الإمام عليّ (عليه السلام) وناصره، وقد قٌتل بأمر معاوية، وحُمل رأسه إليه، قال البخاريّ: (حدّثنا يوسف بن يعقوب، حدّثني أبو بكر بن عيّاش، عن جواد الضبيّ قال: أوّل رأس بُعث في الاسلام رأس عمرو بن الحمق، بعثه زياد إلى معاوية) [التاريخ الصغير ج1 ص131].

ورُوي: أنّ الحسين (عليه السلام) كتب إلى معاوية جواباً لكتابٍ أرسله له، وممّا جاء في كتابه (عليه السلام): «.. أو لستَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله – صلى الله عليه وآله –، العبد الصالح الذي أبلته العبادة، فنحل جسمه وصفرت لونه؟ بعدما آمنتَه وأعطيتَه من عهود الله ومواثيقه، ما لو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبال، ثمّ قتلته جرأةً على ربّك، واستخفافاً بذلك العهد » [اختيار معرفة الرجال ج1 ص253، الاحتجاج ج2 ص20].

قال السيد الخوئيّ: (على أنّ جلالة عمرو بن الحمق من الواضحات التي لا يعتريها شكّ، مضافاً إلى أنّ شهادة البرقيّ على أنّه كان من شرطة الخميس فيها كفاية) [معجم رجال الحديث ج14 ص100].

هذا رأي الإماميّة باختصار.

وأمّا مشاركة عمرو بن الحمق في قتل الخليفة عثمان، فنقول:

نعم، شارك الصحابي عمرو بن الحمق في قتل عثمان، وهذه رواية تصرّح بذلك:

قال ابن سعد – وهو ثقة عند القوم –: (أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمّد بن عبد: أنّ محمّد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق ... وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمقٌ، فطعنه تسع طعنات، وقال: أمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ لله، وأمّا ستّ فإنّي طعنتُ إيّاهنّ لِمَا كان في صدري عليه) [الطبقات الكبرى ج3 ص73–74].

نقول: إنّ رجال إسناد هذه الرواية كلّهم ثقات، ما عدا محمّد بن عمر الواقديّ ففيه كلام، ولهذا سنتوقّف قليلاً لبيان حاله، فإنّ الأكثر ضعّفوه، ولكن وثّقه عشرة من الرجاليّين، وهو مقبول عند ابن حجر والنقّاد، وصدوق لا يكذب عند ابن كثير.

قال ابن حجر: (والواقديُّ إذا لم يخالف الأخبار الصحيحة ولا غيره من أهل المغازي مقبولٌ في المغازي عند أصحابنا) [تلخيص الحبير ج8 ص57].

ومعنى كلام ابن حجر: أنّ روايات الواقديّ التاريخيّة مقبولةٌ عنده وعند نقّاد الحديث، وهو معنى قوله: (عند أصحابنا)، إذا لم تخالف الأخبار الصحيحة. ومن الواضح أنّ خبرَه هذا – الذي رواه ابن سعد عنه في قتل ابن ابي بكر للخليفة – موافقٌ لأخبار أخرى كثيرة، وسيأتي بعضها .

قال ابن كثير: (والواقديّ عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرّر غالباً، فإنّه من أئمّة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه، مكثار، كما بسطنا القول في عدالته وجرحه في كتابنا الموسوم بـ«التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل»، ولله الحمد والمنّة) [البداية والنهاية ج3 ص288].

وقال الذهبيّ: (وأجود الروايات عنه: رواية ابن سعد في الطبقات، فإنّه كان يختار من حديثه بعض الشيء) [تاريخ الإسلام ج14 ص364].

وقال: (وقد تقرّر: أنّ الواقديَّ ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج ... مع أنّ وزنه عندي أنّه مع ضعفه يُكتَب حديثه ويُروى؛ لأنّي لا أتّهمه بالوضع، وقول مَن أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنّه لا عبرة بتوثيق مَن وثّقه كيزيد وأبي عبيد والصاغانيّ والحربيّ ومعن وتمّام عشرة محدثين...) [سير أعلام النبلاء ج9 ص469].

وقال ياقوت الحموي عن الواقديّ: (أمّا في أخبار الناس والسير والفقه وسائر الفنون فهو ثقةٌ بإجماع) [معجم الأدباء ج18 ص279].

فيرجح قبول رواية موضع البحث لأسباب عديدة:

1ـ إنّ روايته هذه نقلها ابن سعد وهو كاتبه، وابن سعد كان يتحرّى من رواياته، كما سبق عن الذهبيّ، وقال السخاويّ: (وأجود الروايات عنه: روايةُ سعد في الطبقات، فإنّه كان يختار من حديثه بعض الشيء) [التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ج2 ص556].

2ـ قول ابن حجر المتقدّم: (والواقدي إذا لم يخالف الأخبار الصحيحة ولا غيره من أهل المغازي مقبول في المغازي عند أصحابنا).

3ـ إنّ أقوال الرجاليّين أغلبها ناظرة إلى ضعف الواقديّ في الحديث، دون التاريخ والمغازي.

ويشهد لرواية الواقدي: تصريح العلماء بأنّ عمرو بن الحمق الخزاعيّ ممّن شارك في قتل عثمان:

قال محمّد بن داود بن الجراح [ت296هـ]: (عمرو بن الحمق الخزاعيّ – رضي الله عنه –، صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، وهو ممّن أعان على عثمان – رضي الله عنه –، وحضر قتله) [من اسمه عمرو من الشعراء ج1 ص20].

وقال ابن عساكر: (عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو: تابعَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حجّة الوداع، وصحبه بعد ذلك، ثمّ كان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى عثمان بن عفان، وشهد المشاهد بعد ذلك مع عليّ بن أبي طالب، ثمّ قُتل بالجزيرة، قتله ابنُ أمّ الحكم) [تاريخ دمشق ج45 ص493-494].

وقال الخزرجيّ الأنصاريّ: (عمرو بن الحمق – بفتح أوّله وكسر الميم – ابن حبيب بن عمرو الخزاعيّ: صحابيّ، هاجر بعد الحديبيّة، وكان ممّن دخل الدار على عثمان، ثمّ انضمّ إلى عليّ، وشهد معه الجمل وصفين والنهروان) [خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص288].

وفي فيض القدير: (ويقال: كاهن الخزاعيّ، هاجر للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – بعد الحديبيّة، ثمّ سكن مصر، ثمّ الكوفة، وهو ممّن ثار على عثمان، وأحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار) [فيض القدير للمناويّ ج1 ص372].

وقال ابن كثير – بعد أن ذكر فضله وصحبته –: (ومع هذا، كان أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان، ثمّ صار بعد ذلك من شيعة عليّ، فشهد معه الجمل وصفين) [البداية والنهاية ج8 ص52].

بل صرّح بعضهم: أنّه ممّن شارك بقتل عثمان بنفسه:

قال اليعقوبيّ: (وكان الذين تولّوا قتله: محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن أبي حذيفة، وابن حزم، وقيل: كنانة بن بشر التجيبيّ، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ، وعبد الرحمن ابن عديس البلويّ، وسودان بن حمران، وأقام ثلاثاً لم يُدفَن) [تاريخ اليعقوبي ج2 ص176].

وقال المسعوديّ: (وقد قيل: إنّ عمرو بن الحمق طعنه بسهام تسع طعنات) [مروج الذهب ج2 ص346].

وقال الباقلانيّ: (وذكر أنّ عمرو بن الحمق قال: طعنت عثمان تسع طعنات، منها ثلاث لله، وست لغير الله) [تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ج1 ص526].

ونقل ابن الأثير عن الطبريّ: (وأمّا عمرو بن الحمق: فوثب على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، قال: فأمّا ثلاث منها فإنّي طعنتهن إيّاه لله تعالى، وأمّا ستّ فلِمَا كان في صدري عليه. وأرادوا قطعَ رأسه فوقعت نائلةُ عليه وأمّ البنين، فصحْنَ وضربْنَ الوجوهَ، فقال ابن عديس: اتركوه) [الكامل في التاريخ ج3 ص179].

وقال الدميريّ: (وجلس عمرو بن الحمق على صدره، وضربه حتّى مات) [حياة الحيوان الكبرى ج1 ص84].

وذكر ابن كثير: (وروى ابن عساكر عن ابن عون: أنّ كنانة بن بشر ضرب جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديدٍ، فخر – عثمان – لجنبيه، وضربه سودانُ بن حمران المراديُّ بعدما خرّ لجنبه فقتله، وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره، وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: أمّا ثلاث منهنّ فلله، وستّ لِمَا كان في صدري عليه) [البداية والنهاية ج7 ص207].

وقال ابن خلدون: (ويقال: إنّ الذي تولّى قتله كنانة بن بشر النجيبيّ، وطعنه عمرو بن الحمق طعنات) [تاريخ ابن خلدون ج2 ص150].

وقال ابن أبي الحديد: (ووثب عمرو بن الحمق على صدر عثمان وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: أمّا ثلاث منها فإنّي طعنتهنّ لله تعالى، وأمّا ستّ منها فلِمَا كان في صدري عليه) [شرح نهج البلاغة ج2 ص158].

وهناك شواهد على رواية ابن سعد المتقدّمة، نذكر منها:

قال ابن شبة النميريّ: (حدّثنا عليّ المدائنيّ، عن عيسى بن يزيد، عن صالح بن كيسان، قال: ... وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات، وقال: علمت أنّه مات في الثالثة، فطعنته ستّاً لِمَا كان في قلبي عليه) [تاريخ المدينة ج4 ص1232-1233].

وقال: (حدّثنا عليّ بن محمّد، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن محمّد بن شهاب، قال: ... ودخل عمرو بن الحمق، وكنانة بن بشر، وابن رومان، وعبد الرحمن بن عديس، فمالوا عليه بأسيافهم حتّى قتلوه... ) [تاريخ المدينة ج4 ص1302–1303].

وروى الطبريّ – واللفظ له – وابن سعد والبلاذريّ: ( قال محمّد بن عمر: حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث قال: ... وأمّا عمرو بن الحمق، فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، قال عمرو: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه الله، وأمّا ستّ فانّي طعنتهنّ إيّاه لِمَا كان في صدري عليه) [تاريخ الطبري ج3 ص422–424، الطبقات الكبرى ج3 ص73–74، أنساب الأشراف ج5 ص574–575].

ورواها الذهبي دون طعن فيها، ينظر تاريخ الإسلام ج3 ص455–456.

ونقل المؤرّخ البلاذريّ [ت279هـ] عمّن سبقه دون أن يسمّيهم، قال: (قالوا: لمّا طلب زياد أصحاب حجر بن عدي هرب عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعيّ... وكان عبد الرحمن على الموصل والجزيرة – ويُقال: على الموصل وأعمالها ومعها شهرزور –، فلمّا رأى عمرو بن الحق عرفه فحبسه، وكتب إلى خاله معاوية بظفره به، فكتب معاوية إليه: إنّه يزعم أنّه طعن عثمان تسع طعنات، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأُخرِج فطُعِن تسعاً، مات في الأولى منهنّ أو الثانية، ثمّ احتزّ رأسه، وبعث به إلى معاوية، فهو أوّل رأس بعث به إلى معاوية، ويقال: إنّه اتّخذَتْ له مشاقص، فطعن بها كما فعل بعثمان، فإنّه قعد على صدره ووجأه بمشاقص كانت معه تسع وجات) [أنساب الأشراف ج5 ص272–273].

وروى الطبري قال: (قال هشام بن محمّد عن أبي مخنف وحدثني المجالد بن سعيد عن الشعبي وزكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق ...فلمّا رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب إلى معاوية بخبره، فكتب إليه معاوية: إنّه زعم أنّه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص كانت معه، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأُخِرج فطُعِن تسع طعنات، فمات في الأولى منهن أو الثانية) [تاريخ الطبريّ ج4 ص196–197].

ويمكن أن نلخّص ما سبق بما يلي:

أوّلاً: روى حديث طعن عمرو بن الحمق لعثمان تسع طعنات، مجموعةٌ من المؤرّخين والمحدّثين المتقدّمين، وكان الأمر مشهوراً بينهم، منهم :

1ـ ابن شبة النميريّ، فقد روى مشاركة عمرو بن الحمق وطعنه للخليفه عن ثلاثة من الرواة.

2ـ الطبريّ، روى الحدث المذكور عن الواقديّ، وعن أبي مخنف.

3ـ ابن سعد، رواه عن الواقديّ .

4- ابن عساكر، نقل عن الواقديّ .

5- البلاذريّ، رواه بصيغة (قالوا) عن جماعة لم يسمّهم، و(قالوا) تعني كثرتهم، فهم ثلاثة على الأقل ممّن سبقوه من أهل التاريخ.

5- المسعوديّ، ذكر ذلك دون سند .

6- أبو الفرج الأصفهانيّ [356هـ]، نقل الحادثة عن أبي مخنف [الأغاني ج17 ص97].

ولا يشترط في إثبات الحدث التاريخيّ صحّة سنده، بل يكفي شيوع الخبر وانتشاره في المصادر المتقدّمة، وهذا ما نلاحظه بشأن مشاركة عمرو في قتل الخليفة.

وثانياً: اعترف بدخول عمرو بن الحمق الدار على عثمان كلٌّ من ابن عبد البرّ وابن كثير والمناويّ والباقلانيّ والمسعوديّ، ودخوله الدار إنّما كان لقتله .

وثالثاً: ذكر ابن كثير طعنَ عمرو لعثمان، دون قدح بذلك، وهذه ليست من عادته، وربّما اعتمد رواية الواقديّ، فهو صدوق عنده لا يكذب .قال ابن كثير: (وأمّا عمرو بن الحمق، فوثب على عثمان، فجلس على صدره، وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: أمّا ثلاث منهنّ فلله، وستّ لِمَا كان في صدري عليه) [البداية والنهاية ج7 ص207].

ورابعاً: اعترف أكثر من شيخ وداعي سلفيّ بحدوث الواقعة دون تشكيك فيها، نذكر منهم:

1ـ الشيخ صالح المغامسيّ، قال: (والذين تسلّلوا إلى بيت عثمان كانوا يزعمون الإيمان، ويزعمون أنّ عثمان على باطل، حتّى أنّ عمرو بن الحمق الذي قتل عثمان طعن عثمان تسع طعنات، وعثمان يومئذٍ قد جاوز الثمانين – رضي الله عنه وأرضاه –، ثمّ قال بعد أن خرج: طعنته ثلاث طعنات لله، وتسع طعنات لِمَا في قلبي عليه من الغلّ. فهذا الخطأ في التفكير هو الذي صوّر لهذا الرجل أن يقتل رجلاً في منزلة عثمان – رضي الله عنه وأرضاه –) [دروس للشيخ صالح المغامسيّ ج18 ص12].

وقال أيضاً: (والذين قتلوه يصعب أن نقول: إنّهم كفار، ولكن نقول: إنّهم قتلة فجرة، فالذين قتلوه قتلة فجرة، فمن الصعب أن يقال: إنّهم كفار، بل قيل: إنّ بعضهم كانت له صحبة، ك‍ عمرو بن الحمق) [سلسلة محاسن التأويل ج31 ص7].

2ـ قال محمّد حسّان: (ويأتي الأحمق الآخر عمرو بن الحمق ليطعن عثمان – رضي الله عنه – بعد هذا كلّه تسع طعنات في صدره، ويقول: طعنته ثلاثاً لله، وستّاً لِمَا كان في صدري عليه، ولو صدق عدو الله لقال: طعنته تسع طعنات لِمَا كان في صدري عليه) [سلسلة مصابيح الهدى ج8 ص15].

3ـ قال علي القرنيّ: (ويأتي أحدُهم بسيفه يريد وضعه في بطنه، فتقيه إحدى النساء بيدها، فيقطع يدَها – قطع الله دابره –، ثمّ يتكأ بالسيف على صدر عثمان، وبينما هو كذلك إذ وثب شقيّ آخر على صدره وبه رمق – رضي الله عنه –، فطعنه تسع طعنات قائلاً: أمّا ثلاث منها فلله، وأمّا ستّ فلشيء كان في صدري عليه...) [دروس للشيخ علي القرنيّ ج34 ص15].

4ـ قال الشيخ نبيل العوضيّ: (فطعنوه تسع طعنات، طعنه الشقيّ وقال: أمّا ثلاث فلله، وأمّا ستّ فلشيء وقر في الصدر، وكذب والله، فالتسع كلّها ليست لله عزّ وجلّ) [دروس للشيخ نبيل العوضي ج14 ص7].

5ـ قال إحسان إلهي ظهير: (وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره، وبه رمَقَ، فطعنه تسع طعنات، قال عمرو: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه. فهذا هو الذي حصل. ولقد أطلنا النقل في هذا الخصوص) [الشيعة والتشيع ج1 ص105].

6ـ قال الشيخ محمّد مال الله: (وإنّنا لو حلّلنا شخصيّة الذين قاموا بذلك، لتوصّلنا إلى تلك النتيجة التي ذهب ضحيّتها عثمان – رضي الله عنه –، من أولئك: محمّد ابن أبي بكر، عمير بن ضابئ، عمرو بن الحمق... يدّعون. وأيضاً عمرو بن الحمق فقد كان حاقداً على ذي النورين – رضي الله عنه –، ويبدو ذلك واضحاً جليّاً حينما طعن عثمان – رضي الله عنه – تسع طعنات بقوله: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لله، وأمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لِمَا كان في صدري عليه) [مجموع مؤلفات الشيخ محمد مال الله ص209].