ما معنى أسماء الأئمة (ع) مكتوبة على العرش؟

السؤال: إذا كان العرش بمعنى (السُّلطة)، فبماذا تفسِّرون الروايات التي تقول: إن أسماء الأئمة (ع) مكتوبة على ساق العرش؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾

السائل المحترم / سلام عليكم

أولاً: عقيدة الشيعة بالعرش هي ما ذكره الشيخ الصدوق في الاعتقادات: ب١٤ ص١٠٢، قال:

«اعتقادنا في العرش: أنه جُملة جميع الخلق. والعرش في وجهٍ آخر: هو العِلم. وسُئِل الصادق (ع) عن قوله (عز وجل) : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥]؟ فقال: «استوى من كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء». فأما العرش الذي هو جُملة جميع الخلق: فحَمَلَتُه ثمانية من الملائكة... وأما العرش الذي هو العِلم: فحَمَلَتُه أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين. فأما الأربعة من الأولين: فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى (ع). وأما الأربعة من الآخرين: فمحمد وعلي والحسن والحسين (ص)... ».

ثانياً: وردت نصوص دينية كثيرة وفيها إشارات إلى العرش، معناه، صفته، وظيفته، علاقته بالكرسي والأكوان والملائكة والأنبياء والأئمة (ع).

ومجموع النصوص الشريفة يستفاد منها أمور:

١- أنّ العرش مخلوق عظيم جداً، يشتمل على ما دونه من الموجودات، خُلق من أنوار إلهية أربعة، ويحمله الملائكة الكرُّوبيون (ع)، وله أربع قوائم، وليس أول المخلوقات بل رابعها، وهو الملكوت الذي أراه الله (تعالى) لخاصة أوليائه (ع)، وفيه تمثال جميع الخلق، وفيه خزائن كافة الأشياء، وهو الباب الباطن من العلم، وفيه علم الكائنات كلها.

٢- أنّ العرش والكرسي جسمان عظيمان، خلقهما الله (تعالى) فوق سبع سماوات. و ظاهر بعض النصوص: أنّ العرش أعظم من الكرسي، ويبدو من بعضها العكس.

٣- أنّ العرش هو جميع خلق الله (سبحانه). وما من شي‏ء في أرضه ولا في سمائه إلا وهو من آيات وجوده، وعلامات قدرته، وآثار فيضه وحكمته. فجميع مخلوقاته هي عرش عظمته وجلاله، وبها يتجلَّى للعارفين بصفات كماله.

٤- أنّ العرش بمعنى: المُلك العظيم، والقدرة المطلقة.

٥- أنّ العرش بمعنى العِلم، وهو نورٌ من نورِ عظمة وقدرة الله (سبحانه). والعِلم منشأ ظهوره إلى خلقه، وبه يتجلَّى لعباده. وحَمَلَتُه نبيُّنا (ص) وأئمتُنا (ع)، لأنهم خَزَنَةُ علمه في سمائه وأرضه.

٦- أنّ العرش هو محلُّ تجلِّي صفاته (تعالى)، وبها يظهر لعباده ـ على قدر قابليتهم ومعرفتهم ـ فله: عرش العِلم، وعرش القدرة، وعرش الوحدانية، وعرش التنزُّه، وعرش الرحمانية، وعرش الرحيمية.

٧- أنّ العرش قلبُ الأنبياء والأوصياء (ع) وكُمَّل المؤمنين، فإن قلوبهم مستقرُّ محبته ومعرفته (تعالى‏).

واختلاف هذي المعاني الرفيعة، ليس اختلاف تناقض، بل هو اختلاف تنوُّع. فالعرش في واقعه حقيقة واحدة، ولكنه يتمظهر بعدة تمظهرات، بحسب العوالم المختلفة، فلكلِّ عالَمٍ ظرفه الوجودي، والنصوص الشريفة صرَّحت بهذا.

* ففي توحيد الصدوق: ب٥٠ ص٣٢١ ح١، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كلِّ سببٍ وُضِع في القرآن صفةٌ على حِدَة».

* وفي معاني الأخبار: ص٢٩ ح١، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «العرش في وجهٍ: هو جُملة الخَلق، والكرسي وعاؤه. وفي وجهٍ آخر: العرش هو العِلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحُججه (ع)».

ويمكن للأخ السائل مراجعة ما جمعه العلاَّمة المجلسي في بحار الأنوار: ج٥٥ ب٤ ص١-٣٩، من آيات وروايات شريفة، تصوِّر بعض تفاصيل العرش والكرسي.

ثالثاً: وردت روايات كثيرة ـ بألفاظ مختلفة ـ تصرِّح بكتابة أسماء المعصومين (ع) على العرش، فمنها مثلاً:

* روى الصدوق في العلل: ج١ ب٧ ص٦ ح١، والعيون: ج٢ ب٢٦ ص٢٣٨ ح٢٢، والكمال: ب٢٣ ص٢٨٤ ح٤، بسنده عن رسول الله (ص)، أنه قال في حديث طويل: «فقلتُ: يا ربِّ، ومن أوصيائي؟ فنوديتُ: يا محمد، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي! فنظرتُ ـ وأنا بين يدي ربِّي (جل جلاله) ـ إلى ساق العرش، فرأيتُ اثني عشر نوراً، في كل نور سطر أخضر، عليه اسم وصيٍّ من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمَّتي! فقلتُ: يا ربِّ، هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديتُ: يا محمد، هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحُججي بعدك على بريَّتي، وهُم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك».

* وفي العلل: ج١ ب١١٦ ص١٣٥ ح٢، بسنده عن رسول الله (ص)، قال: «لما خلق الله (تعالى ذكره) آدم، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنَّته، وزوَّجه حوَّاء أمَته، فوقع طَرْفه نحو العرش، فإذا هو بخمس سطور مكتوبات. قال آدم: يا ربِّ، من هؤلاء؟ قال (تعالى) : هؤلاء الذين إذا تشفَّع بهم إليَّ خَلقي شفَّعتهم. فقال آدم: يا ربِّ، بقدْرِهم عندك، ما أسماؤهم؟ فقال: أما الأول فأنا المحمود وهذا محمد، والثاني فأنا العالي وهذا علي، والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة، والرابع فأنا المحسن وهذا الحسن، والخامس فأنا ذو الإحسان وهذا الحسين، وكلٌّ يحمد الله (تعالى)».

* وفي الفقيه: ج٤ ص١٧٨ ح٥٤٠٣، بسنده عن الإمام الباقر (ع)، وقد سُئِل: «فما تأويل محمد؟ قال: إن الله وملائكته وجميع أنبيائه ورُسله وجميع أمَمِهم يحمدونه ويصلُّون عليه، وإن اسمه المكتوب على العرش: محمد رسول الله (ص)».

* وفي المعاني: ص١٠٩ ح١، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «لمَّا أسكن الله (عز وجل) آدم وزوجته الجنة، قال لهما: ﴿كُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة ٣٥]، فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم (ص)، فوجداها أشرف منازل أهل الجنة! فقالا: يا ربَّنا، لمن هذه المنزلة؟ فقال الله (جل جلاله): ارفعا رأسيكما إلى ساق عرشي، فرفعا رأسيهما، فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم (ص)، مكتوبة على ساق العرش، بنور من نور الجبار (جل جلاله)! فقالا: يا ربَّنا، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، وما أحبَّهم إليك، وما أشرفهم لديك! فقال الله (جل جلاله) : لولاهُم ما خلقتكما، هؤلاء خَزَنَةُ علمي، وأمنائي على سِرِّي!».

* وفي العيون: ج٢ ب٢٨ ص٢٧٤ ح٦٧، والمعاني: ص١٢٤ ح١، بسنده عن الإمام الرضا (ع)، قال: «إن آدم لمَّا أكرمه الله (تعالى ذكره) بإسجاد ملائكته، وبإدخاله الجنة، قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل مني؟ فعلِمَ الله (عز وجل) ما وقع في نفسه. فناداه: ارفع رأسك يا آدم، وانظر إلى ساق العرش. فرفع آدم رأسه، فنظر إلى ساق العرش، فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة. فقال آدم: يا ربِّ، من هؤلاء؟ فقال (عز وجل) : هؤلاء من ذرِّيتك، وهُم خيرٌ منك ومن جميع خلقي، ولولاهم ما خلقتك، ولا خلقتُ الجنة والنار، ولا السماء والأرض!».

فيتضح من الروايات الشريفة: أنّ أسماء المعصومين (ع) مكتوبة بنورٍ من نورِ الله (تعالى) على العرش، وأن لها حياة وعبادة تتناسب وشأنها العالي. وبأيِّ معنى ـ من المعاني ـ يفسَّر العرش، تكون كتابة هذه الأسماء المباركة متسانخة مع المعنى المراد.

فإن كان العرش ـ في مرتبة من مراتبه الوجودية ـ جسماً عظيماً، كانت الأسماء المباركة مكتوبة عليه بقلم القدرة، بما ينسجم وحقيقة هذه المرتبة.

ولو كان العرش ـ في مظهر من مظاهره ـ علماً إلهياً باطناً، كانت الأسامي المباركة مكتوبة عليه، بمعنى: أنها ترجمانه الواقعي لسائر الخلق، وكلٌّ يقتبس منها بحسبه.

وإذا كان العرش ـ ببعض معانيه ـ محلاًّ تتجلَّى فيه صفات الله (تعالى)، كانت تلك الأسماء المباركة مكتوبة عليه، أي: أنها مظهَرها الإنساني الأتم.

وهكذا سائر المعاني المختلفة للعرش، تكون تلك الأسماء الكريمة على الله (تعالى) متناسقة معها.

ومنها تأويل العرش بمعنى: السَّلطنة، أو المُلك، أو القدرة، فإن أسماءهم الميمونة مكتوبة عليه، بمعنى: أنهم وسائط فيض الله (سبحانه) على عوالم المُلك والملكوت طُراً، من خِلالهم وبِبَركتهم يُجري نِعَمَهُ على الخلق برمَّته. أو كونهم علَّة غائية للكائنات بأسْرها، فلأجلهم بَرَأها.

وهذا المعنى ورد بكثير من روايات أهل البيت (ع)، فمثلاً:

في الكافي: ج٤ ص٥٧٥ ح٢، وكامل الزيارات: ب٧٩ ص٣٦٢ ح٦١٨-٢، والفقيه: ج٢ ص٥٩٤ ح٣١٩٩، والتهذيب: ج٦ ب١٨ ص٥٤ ح١٣١-١، بأسانيدهم عن الإمام الصادق (ع)، قال في زيارة جدِّه الإمام الحسين (ع) :

«من أراد الله بدأ بكم، بكم يبيِّن الله الكذب، وبكم يُباعد الله الزمان الكَلِب، وبكم فتح الله، وبكم يختم الله، وبكم يمحو ما يشاء، وبكم يُثبت، وبكم يفكُّ الذلَّ من رقابنا، وبكم يُدرك الله تِرَةَ كل مؤمن يطلب بها، وبكم تُنبت الأرض أشجارها، وبكم تُخرج الأشجار أثمارها، وبكم تُنزل السماء قطرها ورزقها، وبكم يكشف الله الكَرْب، وبكم يُنزل الله الغيث، وبكم تسيخ الأرض التي تحمل أبدانكم، وتستقر جبالها عن مراسيها، إرادة الربِّ في مقادير أموره تهبط إليكم، وتصدر من بيوتكم، والصادر عمَّا فُصِّل من أحكام العباد».