ما هو الفرق بين الملحد الذي ينكر وجود الله وبين الشيعي الذي لا يعرف الله؟

السؤال: ما هو الفرق بين الفكر الإلحاديّ الذي يُنكر وجود الله وبين الفكر الشيعيّ الذي لا يعرف الله؟ من المنظور الشيعيّ فإن الله (سبحانه) لا أحد يحتاجه لوجود عليّ والحسين، الفرد الشيعي عندما يحتاج إلى شيء يذهب لقبر علي أو الحسين ولا يتوجه إلى الله، إذن الله غير موجود في حياة الشيعيّ نهائيّاً، فما هو الفرق بينه وبين المُلحد؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا ندري كيف جاز لهذا السائل عقد مقارنة بين الملحد الذي يبني فكره على إنكار وجود الله، وبين الشيعيّ الذي يبني كلّ فكره ودينه على الإيمان بوجود الله تعالى؟! فالمشابهة والمشاكلة ممتنعة من الأساس؛ لعدم وجود قواسم مشتركة بينهما.

ويبدو أنّ صاحب الإشكال لم يلتفت إلى الاضطّراب الذي وقع فيه عندما سأل عن الفارق بين الفكر الإلحاديّ والفكر الشيعيّ، في الوقت الذي يشير فيه إلى هذا الفرق.

فإنّ الملحد إذا كان لا يؤمن بوجود الله تعالى، ولا يؤمن بوجود سلطة غيبيّة لها هيمنة على عالم الطبيعة والمادّة، فمن الطبيعيّ ألّا يفكّر في السنن والأسباب التي يمكن أن تقرّبه من تلك السلطة الغيبيّة.

في حين أنّ إيمان الشيعيّ بوجود الله يجعله في حالة من التعلّق الدائم بالسنن والأسباب والوسائل التي جعلها الله وسيلة للتقرب إليه، أي أنّ توسّل الشيعيّ برسول الله والأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) يقوم بالأساس على إيمانهم العميق بوجود الله تعالى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فتعلّق الشيعة برسول الله والأئمّة من أهل البيت هو عين تعلّقهم بالله تعالى. ومن هنا، فإنّ طلب الحاجة من الله تعالى عبر التوسّل بالأئمة هو بنفسه دليل على إيمان الشيعة بوجود الله، وليس دليلاً على عدم وجوده - كما يتوهّم صاحب السؤال -.

وبعبارة أخرى: إنّ منزلة رسول الله والأئمّة عند الشيعة، وما لهم من مكانة عظيمة في نفوسهم، مستمدّة في الأساس من مقام الأنبياء والأولياء عند الله تعالى. وعليه، فإنّ الإيمان بالرسول وبالأئمّة من أهل البيت يأتي في مرحلة متأخّرة بعد الإيمان بوجود الله تعالى، ومعرفة الشيعة بعليّ والحسين مستمدة من معرفتهم بالله تعالى.

ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قيل له: فمِن أينَ أثبتَّ أنبياءً ورُسلاً؟ قالَ أبو عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام): « إنّا لمّا أثبَتنا أنّ لنا خالِقاً صانِعاً مُتعالياً عنّا وعَن جميعِ ما خلقَ، وكانَ ذلكَ الصّانعُ حكيماً، لَم يجُز أن يُشاهدهُ خلقُه، ولا يلامسَهُم ولا يلامسوه، ولا يباشرَهم ولا يباشروه، ولا يحاجّهم ولا يحاجّوه، فثبتَ أنَّ لهُ سُفراءَ في خلقِه وعبادِه، يدلّونَهم على مصالحِهم ومنافعِهم، وما بهِ بقاؤُهم، وفي تركِه فناؤُهم، فثبتَ الآمرونَ والنّاهونَ عنِ الحكيمِ العليمِ في خلقِه، وثبتَ عندَ ذلكَ أنَّ لهُ مُعبّرينَ وهُم الأنبياءُ وصفوتُه مِن خلقِه، حُكماءَ، مُؤدّبينَ بالحكمةِ، مبعوثينَ بها، غيرِ مُشاركينَ للنّاسِ في أحوالِهم على مشاركتِهم لهُم في الخلقِ والتّركيبِ، مؤيّدينَ مِن عندِ اللهِ الحكيمِ العليمِ بالحكمةِ والدّلائلِ والبراهينِ والشّواهدِ، مِن إحياءِ الموتى وإبراءِ الأكمهِ والأبرصِ، فلا تخلو أرضُ اللهِ مِن حُجّةٍ يكونُ معهُ علمٌ يدلُّ على صدقِ مقالِ الرّسولِ ووجوبِ عدالتِه » [التوحيد للشيخ الصدوق ص249].

وجاء في كمال الدّين عن أبي عبد اللهِ (عليه السلام) قال: « اللّهمَّ عرّفني نفسَك، فإنّكَ إنْ لَم تُعرّفني نفسَك لَم أعرِف نبيَّك، اللّهمَّ عرّفني رسولَك فإنّكَ إنْ لَم تُعرّفني رسولَك لَم أعرِف حُجّتَك، اللّهمَّ عرّفني حُجّتَك فإنّكَ إنْ لَم تُعرّفني حُجّتَك ضللتُ عَن ديني »، أي أنّنا نعرف الرسول بالله ولا نعرف الله بالرسول، فالله أكثر ظهوراً من أيّ حقيقة أخرى؛ لكونه تجلّى للخلق في كلّ شيء، فلا ينكره إلّا جاحد ومستكبر « فعَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيباً ».

بهذا نخلص إلى أنّ التوحيد العمليّ، والتطبيق الخارجيّ، يتحقّق عبر التسليم لأولياء الله تعالى، أي الأنبياء والأئمة الذين اصطفاهم الله وانتجبهم من بين خلقه، ففي الحديث عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: « أيّها الناس.. إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه، فقال له رجلٌ: يا ابن رسول الله.. بأبي أنت وأمّي فما معرفة الله؟.. قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته » [بحار الانوار ج23 ص83].

ولهذا فإنّ الإمامة حقيقة مستمرّة، وهي الطريق الذي يجعل الإنسان دائماً متّصلاً بالله سبحانه وتعالى، ومرتبطاً بالغيب في شخص الإمام، بحيث لا يمكن أن يعتقد الموحِّد بانفصال الأرض عن السماء، فالله حاضر دوماً بأوامره ونواهيه في التسليم للإمام، كما كان حاضراً بالتسليم للأنبياء والرسل.

وبذلك، يكون التشيع هو الفهم الحقيقيّ والوحيد للدين، الذي يُبقي حالةً من الاتّصال بين الأرض والسماء، بين الغيب والشهود، وهو المذهب الذي يُبقي لله حاكميّة وهيمنة على خلقه عِبْرَ مَن نصّبهم الله حجج على عباده.

فشيعة أهل البيت لا ينظرون للرسول كحقيقة تاريخيّة مضتْ وانتهتْ، وإنّما يتعاملون معه كحقيقة باقية، يشعرون بها في صميم وعيهم ووجدانهم، فيعتقدون أنّه حيٌّ يرزق، وأنّه مطّلعٌ على أمر العباد، بل تُعرَض عليه أعمال أُمّته فينظر فيها، وهذه مرتبة شريفة ومكانة عالية، تعزز الرابط المتين بين المسلم والرسول.

جاء في بعض الروايات: « لا تسوؤا الرسول بأعمالكم، فإنّ أعمالكم تُعرَض عليه »، وهو دافع روحيّ يرتفع بالإنسان إلى مستوى المسؤوليّة، ونجد ذلك في قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، وقد جاءت كثير من الروايات عن أئمتنا تفسّر الآية بعرض الأعمال على رسول الله، فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ أبا الخطاب كان يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله تعرض عليه أعمال أُمّته كل خميس، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): « هو هكذا، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تُعرَض عليه أعمال أُمّته كلّ صباح ومساء، أبرارها وفجّارها، فاحذروا، وهو قول الله تبارك وتعالى: {فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. [بحار الانوار ج23 ص340].

ولذا تجد شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يعتقدون بأنّ للرسول جاهاً عند الله، فيتقرّبون إلى الله بزيارته، والتوسّل به، وطلب الاستغفار عنده: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً}، ولا يمكن أنْ تكون هذه الآية قد انتهى مفعولها بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فالذين يقصدون قبره الشريف طالبين أن يستغفر لهم، لا يُعَدُّ فعلهم بدعة محرّمة؛ لأنّ رسول الله لا يحجبه الموت عنّا.

وبعيداً عن مناقشة التوسّل جوازاً ومنعاً لكونه بحثاً خاصّاً يتم طرحه داخل الوسط الإسلاميّ، فإنّ الذي يجب أن نؤكّد عليه هنا: هو أنّ الشيعيّ عندما يأتي لقبر عليّ والحسين إنّما يأتي لطلب حاجته من الله عبر التوسل بمَن جعلهم الله وسيلة بينه وبين خلقه، وهذا وحده كافٍ للتدليل على معرفة الشيعة بالله ومدى ارتباطهم به.