عدد أبواب كتاب الكافي
السؤال: يقول الطوسي [المتوفى عام 460 هـ]: كتاب الكافي 30 كتاباً. ويقول الكركي العاملي [في عام 1076 هـ]: كتاب الكافي 50 كتاباً. ففي 600 سنة زادت روايات الكافي حوالي 70% وتوسّع من 30 كتاب إلى 50 كتاب، وكل كتاب يحتوي على عشرات الأبواب وآلاف الروايات، هل يعقل ان كل هذا ورد عن المعصوم مع عدم معاصرة بعض العلماء لهم ومن عاصرهم لم يعاصرهم الا القليل منهم؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ هذه الشبهة في غاية الركاكة والسذاجة؛ إذ يظهر لأيّ باحث – بمراجعة فاحصة سريعة – أنّ كتاب (الكافي) المتداول متطابق مع ما ذكره الطوسيّ والنجاشيّ، كما سيأتي بيانه. وأمّـا ما ذكره البعض – من أنّه خمسون كتاباً – فهو اشتباه محض، وقد استنكره العلماء.
فالعبارة المنقولة في السؤال عن السيّد الكركيّ العامليّ – من أنّ الكافي خمسون كتاباً – ذكرها في بعض إجازاته، ونقلها السيّد الخوانساريّ في [روضات الجنات ج6 ص114] وعقّب عليه: (أقول: وهذا ينافي ما نقل عن شيخنا الطوسي رحمه الله في فهرسته أنّه قال – من بعد توثيقه للرجل -: له كتب، منها: كتاب الكافي، مشتمل على ثلاثين كتاباً..).
ويبدو أنّ ما في إجازة الكركيّ منقول عن إجازة الشهيد الثاني للحسين بن عبد الصمد العامليّ [ينظر رسائل الشهيد الثاني ج2 ص1127]، وقد أشار لها السيّد بحر العلوم وعلّق بقوله: (وهو غريب منه رحمه الله) [الفوائد الرجالية ج3 ص332].
ولا يخفى أنّ الإجازات قد يقع فيها مثل هذه الاشتباهات؛ لأنّها ربّما تُكتب اعتماداً على الذاكرة أو على إجازةٍ سابقة، فيقع السهو والغلط أو يسري من شخصٍ لشخصٍ آخر.
ولا يتوهّم أحدٌ أنّ الكركيّ أو الشهيد يرى بأنّ الكافي كان ثلاثين كتاباً وأضحى خمسين كتاباً، فهذا غير مقصود أبداً، وإنّـما حصل توهّم فحسبَ الكافي خمسين كتاباً لا ثلاثين، فهو مجرّد اشتباه لا غير. فما يريد السائل تصويره من أنّ الكركيّ يرى حصول الزيادة هو تدليس محض.
ثـمّ إنّ هذه الزيادة المدّعاة في كلام السائل لو كانت متحقّقة لظهر أثـرها في النسخ الخطيّة لكتاب الكافي، مع أنّ النسخ الخطيّة للكتاب متّفقة على عدم حصول تفاوت بينها بهذا المقدار المدّعى، فإنّ الكتاب قد حقّق قبل سنوات على سبعين نسخة خطيّة، وهي غير متفاوتة فيما بينها إلّا بما تتفاوت فيه النسخ عادةً، لا بزيادة قليلة فضلاً عن الزيادة الكثيرة التي تتجاوز الثلث، فلو كانت هناك زيادة فعلاً – سيّما لو قلنا بحصولها شيئاً فشيئاً - لظهر أثرها في النسخ الخطية المتوالدة منه.
أضف لذلك: أنّ هذه الزيادة لا أثر لها في المصنّفات الفقهيّة وغيرها التي عنيت بذكر الأحاديث، فإنّك لا تجـد أحاديث منقولة من الكافي غير موجودة في المطبوعة أو لـم ينقلها علماء آخرون قبله أو بعده.
ففي الحقيقة القول بحصول زيادة في كتاب الكافي بمقدار قليل فضلاً عن مقدار كثير يتجاوز الثلث، لا يعدو كونه من ترّهات القول؛ إذ واقع الكتاب يكذّبه ويشهد ببطلانه.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الشبهة أثارها وأشاعها الوهابيّة للطعن بالتراث الحديثيّ عند الشيعة، وتغافلوا عمّا ابتُلي به أمّهات كتبهم التراثيّة من مشاكل حقيقيّة، لئلّا يلتفت لها الباحثون الجادّون..
مثلاً: كتاب موطّأ مالك بن أنس – الذي كان يُعـدّ أصحّ كتاب قبل
صحيح البخاريّ -، تختلف روايات الكتاب اختلافاً فاحشاً، في ترتيب الأبواب وعدد الأحاديث، حتّى بلغت هذه الروايات عشرين نسخة، بل قيل: إنّها ثلاثون نسخة، وتضمّنت رواية أبي مصعب زيادة نحو مئة حديث على سائر الروايات.
ومثلاً: صحيح البخاريّ – الذي يُعـدّ أصحّ كتاب حديثيّ مطلقاً -، فإنّ مؤلّفه البخاريّ مات قبل تبييضه، فبقي الكتاب في المسودّات، ولهذا جاءت روايات الكتاب – المستملي والسرخسي والكشهيمي والمروزي – مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنّهم استنسخوا من أصل واحد، وتجد أنّ عدد أحاديثه يزيد في رواية الفربريّ على عدده في رواية ابن معقل النسفيّ بمئتين، ويزيد عددها في رواية ابن معقل على عدد رواية ابن شاكر النسفي بمئة، وغير ذلك من الزيادات والاختلافات.
على كلّ حال، نعود للكلام حول عدد أبواب كتاب الكافي، فنقول: أجرى المحقق الشيخ علي آل محسن (سلّمه الله) في كتابه [لله وللحقيقة ص576-579]، دراسة مقارنة لطيفة بين كتاب الكافي المطبوع وما ذكره الطوسيّ والنجاشيّ في توصيف الكافي، نذكرها لِـما فيها من فائدة، قال (حفظه الله):
(وحتّى يتّضح الأمر للقارئ العزيز، فإنّي سأنقل كلمة الشيخ الطوسيّ في الفهرست التي ذكر فيها أبواب كتاب الكافي، وسأرقم الأبواب التي ذكرها على حسب ترتيب أبواب الكافي المذكورة في الطبعة المتداولة المحقّقة بواسطة علي أكبر الغفاري، والمطبوعة سنة 1380هـ، لنرى هل بينهما تطابق أو اختلاف، فأقول:
قال الشيخ الطوسي في الفهرست:
محمّد بن يعقوب الكليني، يُكنّى أبا جعفر، ثقة عارف بالأخبار، له كتب، منها: كتاب الكافي، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً: أوله (1) كتاب العقل (2) وفضل العلم، (3) وكتاب التوحيد، (4) وكتاب الحجة، (5) وكتاب الايمان والكفر، (6) وكتاب الدعاء، (7) وكتاب فضل القرآن، (8) وكتاب الطهارة والحيض، (10) وكتاب الصلاة، (11) وكتاب الزكاة، (12) وكتاب الصوم، (13) وكتاب الحج، (16) وكتاب النكاح، (17) وكتاب الطلاق، (18) وكتاب العتق والتدبير والمكاتبة، (29) وكتاب الأيمان والنذور والكفارات، (15) وكتاب المعيشة، (27) وكتاب الشهادات، (28) وكتاب القضايا والاحكام، (9) وكتاب الجنائز، (×) وكتاب الوقوف والصدقات، (19) وكتاب الصيد والذبايح، (20) وكتاب الأطعمة والأشربة، (22) وكتاب الدواجن والرواجن، (21) وكتاب الزي والتجمل، (14) وكتاب الجهاد، (23) وكتاب الوصايا، (24) وكتاب الفرائض، (25) وكتاب الحدود، (26) وكتاب الديات، (30) وكتاب الروضة آخر كتاب الكافي.
وأمّا أجزاء كتاب الكافي وما اشتملت عليه من كتب فهي كالتالي:
الجزء الأول: أحاديثه 1437 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:
1ـ كتاب العقل والجهل: من صفحة 10 – 29.
2ـ كتاب فضل العلم: من صفحة 30 – 71.
3ـ كتاب التوحيد: 72 – 167.
4ـ كتاب الحجة: من صفحة 168 إلى آخر الجزء.
الجزء الثاني: أحاديثه 2346 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:
5ـ كتاب الإيمان والكفر: من صفحة 2-464.
6ـ كتاب الدعاء: من صفحة 465-596.
وهذا الكتاب لم يذكره النجاشي، ولكن ذكره الشيخ الطوسي، ولعله سقط من تعداد النجاشي، أو سقط من النساخ، أو لعله رأى أنه مندرج في كتاب الإيمان والكفر.
7ـ كتاب فضل القرآن: من صفحة 596-634.
ـ كتاب العشرة: من صفحة 635 إلى آخر الجزء. وهذا الكتاب لـم يذكره الشيخ الطوسي، ولكن ذكره النجاشي في رجاله.
الجزء الثالث: أحاديثه 2049 حديثاً، وهو يشتمل على الأبواب التالية:
8ـ كتاب الطهارة: من صفحة 1-74.
كتاب الحيض: من صفحة 75-110.
وهذان الكتابان جعلهما الشيخ الطوسي كتاباً واحداً، فقال: كتاب الطهارة والحيض.
9ـ كتاب الجنائز: من صفحة 111-263.
10ـ كتاب الصلاة: من صفحة 264-495.
11ـ كتاب الزكاة: من صفحة 496.
الجزء الرابع: أحاديثه 2188 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:
تتمة كتاب الزكاة (أبواب الصدقة): من صفحة 2-60.
12ـ كتاب الصيام: من صفحة 62-183.
13ـ كتاب الحج: من صفحة 184 إلى آخر الجزء.
الجزء الخامس: أحاديثه 2200 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:
14ـ كتاب الجهاد: من صفحة 2-64.
15ـ كتاب المعيشة: من صفحة 65-319.
16 كتاب النكاح: من صفحة 320 إلى آخر الجزء.
الجزء السادس: أحاديثه 2655 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:
ـ كتاب العقيقة: من صفحة 2-53، وهو كتاب لـم يذكره الشيخ الطوسي، ولكن ذكره النجاشي مع كتاب النكاح، فقال: كتاب النكاح والعقيقة.
17ـ كتاب الطلاق: من صفحة 54-176.
18ـ كتاب العتق والتدبير والمكاتبة: من صفحة 177-201.
19ـ كتاب الصيد: من صفحة 202-226.
كتاب الذبائح: من صفحة 227-241.
وهذان الكتابان جعلهما الشيخ كتاباً واحداً.
20ـ كتاب الأطعمة: من صفحة 242-379.
كتاب الأشربة: من صفحة 380-437.
وهذان الكتابان جعلهما الشيخ أيضاً كتاباً واحداً.
21ـ كتاب الزي والتجمل والمروءة: من صفحة 438-534.
22ـ كتاب الدواجن: من صفحة 535 إلى آخر الجزء.
الجزء السابع: أحاديثه 1704 حديثاً، وهو مشتمل على الأبواب التالية:
23ـ كتاب الوصايا: من صفحة 2-69.
24ـ كتاب المواريث: من صفحة 70-176. والشيخ سمّاه: كتاب الفرائض.
25ـ كتاب الحدود: من صفحة 174-270.
26ـ كتاب الديات: من صفحة 271-377.
27ـ كتاب الشهادات: من صفحة 378-405.
28ـ كتاب القضاء والأحكام: من صفحة 406-433.
29ـ كتاب الأيمان والنذور والكفارات: من ص434 إلى آخر الجزء.
الجزء الثامن:
30ـ كتاب الروضة: أحاديثه 597 حديثاً.
هذه هي كل أبواب الكافي، والشيخ رحمه الله لـم يذكر كتاب العشرة وكتاب العقيقة، وزاد كتاباً واحداً لا يوجد في الطبعة الموجودة بأيدينا، وهو كتاب الوقوف والصدقات، فعدّها ثلاثين كتاباً.
والحاصل أن أبواب كتاب الكافي الموجود بأيدينا قد ذكرها الشيخ الطوسي كلها في كتاب الفهرست، إلا كتاب العشرة وكتاب العقيقة، وهما كتابان قد ذكرهما النجاشي في رجاله، وهذا دليل على انهما لـم يزدادا بأخرة.
بينما زاد الشيخ كتاباً لا ذكر له في الطبعة الموجودة بأيدينا، وهو كتاب الوقوف والصدقات، وهو كتاب لم يذكره النجاشي في جملة أبواب كتاب الكافي، وهذا إن ثبت دلَّ على نقصان الطبعة المتداولة عندنا لا زيادتها، إلا أن الظاهر أنه اشتباه من الشيخ، والمعوَّل على ما نقله النجاشي، لأنه أضبط من الشيخ في نقله.
وبهذا كله يتضح أن الكافي لم يُزد فيه كتاب واحد فضلاً عن عشرين كتاباً)، انتهى.
والحمد لله رب العالمين
اترك تعليق