هل بعض علماء الأخبارية يتهمون بعض زوجات النبي بالزنا والقرآن بالتحريف؟

السؤال: بعض قدماء الأخبارية وبعض الجدد منهم عندهم عقائد تخالف ما عليه عامة الشيعة؛ كصيانة القرآن من التحريف، وبراءة زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) من الزنا، وبسبب هؤلاء يتم الطعن بالمذهب والتشنيع به، كما يقومون بالتجريح بمراجعنا وأعلام الطائفة، ما هو المناسب من العمل مع هؤلاء؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

قبل الإجابة لابدّ من بعض الملاحظات التي نؤكّد عليها:

الملاحظة الأولى: أنّ تقييم أيّ مذهب من المذاهب الإسلاميّة يجب أن يكون من خلال ما يشكّل الرؤية العامّة لهذا المذهب، ولا يتمّ تقييمه من خلال بعض الآراء الخاصّة لبعض أفراده؛ إذ ليس من الإنصاف أخذ الكلّ بجريرة البعض.

فهويّة أيّ مذهب يتمّ تحديدها من خلال الرؤية المشتركة التي تمثّل بنيته العقائديّة والمعرفيّة والتشريعيّة، ولا يقدح في هويّة هذا المذهب وجود آراء خاصّة تخصّ بعض أفراده.

ومن الواضح أنّه لا وجود لمذهبٍ من المذاهب الإسلاميّة خالٍ من بعض الآراء الشاذّة، إلّا أنّ تلك الآراء تظلّ خاصّة، ولا يصحّ تعميمها على الجميع.

والملاحظة الثانية: هي أنّ باب البحث والمناقشة العلميّة مفتوح طالما كان الباحث ملتزماً بكلّ الضوابط والمناهج العلميّة للبحث، فكلّ مَنْ يتبنّى قضيّة مخالفة لِـما اشتهر بين عامّة المسلمين يكون مطالباً بتقديم البراهين التي تبرّر له تلك المخالفة، وحينها يكون جميع العلماء ومن جميع المذاهب ملزمين بتفنيد ما اعتمد عليه من براهين، ولا يتمّ الاكتفاء بمجرّد الإدانة أو التشهير أو التسقيط، إلّا إذا كانت تلك الآراء تعّبر عن رؤية شخصيّة لا ترتكز على أيّ مبرّرات علمية.

والملاحظة الثالثة: هي عدم جواز التعرّض للمخالف بالإساءة والتجريح فيما يعتقد بقداسته، فصاحب الحقّ لا ينتصر لذاته ولا يسعى للإساءة لمن يخالفه، بل يسعى إلى إظهار الحقّ وهداية الآخرين، فمجرّد الاعتقاد بأنّه يمتلك الحقيقة ليس كافياً لمهاجمة المخالفين وتسفيههم، فالإنسان كلّما كان مخلصاً للحقّ وللحقيقة كلّما كان حريصاً على هداية الآخرين.

وقد وضع القرآن ضابطة عامّة لكلّ مَنْ أراد أن يدعو إلى سبيل ربه، يقول الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. ومن الواضح أنّ الإساءة والتجريح ليست من مصاديق الحِكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

وعليه، كلّ مَنْ لا يلتزم بهذه الآية لا يجوز أن يصنّف نفسه من الدعاة إلى سبيل الله، وإنّما هو في الحقيقة والواقع من الدعاة إلى نفسه وذاته.

ومن هذا المنطلق، نحن ندين كلّ الأصوات الشيعيّة والسنيّة التي تعمل ليلاً ونهاراً على تسميم الأجواء من خلال الإساءة والتعدي وإثارة النعرات الطائفيّة.

أما الاجابة المباشرة على هذا السؤال، فنقول:

أمّا شبهة نسبة القول بتحريف القرآن إلى بعض الأخباريّين، فقد تعرّضنا لها في إجابة سابقة، وقد نشر الموضوع تحت عنوان: (ما حقيقة أنّ بعض الأخباريين يعتقدون بتحريف القرآن الكريم؟) ويمكن مراجعته على الرابط التالي:

https://alrasd.net/arabic/3547

وأمّا شبهة نسبة اتّهام زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالزنا إلى بعضهم، فنقول:

هذه تهمة لا أساس لها من الصحة، فما عليه إجماع علماء الشيعة - أخباريّين وأصوليّين - هو أنّ زوجات النبي منزّهات عن الزنا والفاحشة.

وقد ردّ السيّد المرتضى على مَن زعم أنّ ابن نوح لم يكن ابنه حقيقة بقوله: (الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنّها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه - عليهم الصلاة والسلام - ما هو دون ذلك؛ تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكلّ ما ينفِّر عن القبول منهم) [الأمالي ج1 ص503].

وقال الشيخ الطوسيّ - في تفسير قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ -: (وما زنت امرأة نبيّ قطّ؛ لِـمَا في ذلك من التنفير عن الرسول، وإلحاق الوصمة به، فمَن نسب أحداً من زوجات النبيّ إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس ذلك قولاً لمحصِّل) [تفسير التبيان ج10 ص52].

وهذا ما أكّده السيّد الطباطبائيّ أيضاً في تفسيره بالقول: (أنّه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء - عليهم السلام -، والذوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم، وينزِّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل، أنّه ليس ممّا يدلّ عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور، فليس في القصة إلّا قوله: ﴿ ... إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ... ﴾، وليس بظاهر فيما تجرَّؤوا عليه، وقوله في امرأة نوح: ﴿... اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ... ﴾، وليس إلّا ظاهراً في أّنهما كانتا كافرتين، تواليان أعداء زوجيهما، وتسرّان إليهم بأسرارهما، وتستنجدانهم عليهما) [تفسير الميزان ج10 ص235].

وكلّ كلام غير ذلك مردود ولا يؤخذ به.

وأمّا ما نقله العلّامة المجلسيّ عن تفسير عليّ بن ابراهيم القميّ - في تفسير قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ -: (والله ما عنى بقوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ إلّا الفاحشة، وليقيمنّ الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق، وكان فلان يحبّها، فلمّا أرادت أن تخرج إلى... قال لها فلان: لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من فلان) [بحار الأنوار ج 22 ص240].

فقد جاء في هامش ما نسب للقمي: (فيه شناعة شديدة، وغرابة عجيبة، نستبعد صدور مثله عن شيخنا عليّ بن إبراهيم، بل نظنّ قريباً أنّه من زيادات غيره، لأنّ التفسير الموجود ليس بتمامه منه - قدّس سرّه -، بل فيه زيادات كثيرة من غيره. فعلى أيٍّ، هذه مقالة يخالفها المسلمون بأجمعهم من الخاصّة والعامّة، وكلّهم يقرّون بقداسة أذيال أزواج النبيّ - صلى الله عليه وآله - ممّا ذكر. نعم، بعضهم يعتقدون عصيان بعضهنّ لمخالفتها أمير المؤمنين عليّ -عليه السلام -).