ترجمة الخبيث المجرم زياد بن أبيه

السؤال: هل يمكن ذكر ترجمة لزياد بن أبيه؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

هو زياد بن عبيد الثقفيّ، أو زياد بن سميّة، وهي أمّه، يكنّى أبا المغيرة، استلحقه معاوية بن أبي سفيان، فصار يقال له: زياد بن أبي سفيان! وإنّما قيل له زياد بن أبيه، لعدم معرفة الناس لأبيه، ولد عام الهجرة، وقيل: عام الفتح، وكان كاتباً لأبي موسى الأشعريّ في زمن إمرته على البصرة. ثمّ كتب للمغيرة، ولابن عباس، وناب عنه بالبصرة، ومات سنة 53 هـ. راجع: [سير أعلام النبلاء للذهبيّ، ج 3 ص 494، معرفة الصحابة لأبي نعيم، ج 2 ص 375 - 376، معجم الصحابة، ج 5 ص117].

قال ابن حبّان: (وكان زياد ظاهر أحواله معصية الله، وقد أجمع أهل العلم على ترك الاحتجاج بمن كان ظاهر أحواله غير طاعة الله.) [المجروحين، ج1 ص 326].

شهد زياد مع الإمام عليّ (عليه السلام) حروبه، وكان والياً للإمام عليّ (عليه السلام) في بعض بلاد فارس، التحق بعد ذلك بمعاوية، وولّاه على البصرة والكوفة، وصار من أشدّ الناس عداوة لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وورثه في تلك العداوة ابنه عبيد الله الذي بعث جيشاً لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) بأمر من يزيد.

قال ابن الأثير: (وليست له صحبة ولا رواية وكان من دهاة العرب والخطباء الفصحاء... ثمّ صار مع عليّ رضي الله عنه فاستعمله على بلاد فارس فلم يزل معه إلى أن قُتل وسلّم الحسن الأمر إلى معاوية فاستلحقه معاوية وجعله أخاً له من أبي سفيان.) [أُسد الغابة، ج 2 ص 215].

أمّا استلحاق معاوية له فمشهور، ذكره كل من ترجم له، إذْ روى البلاذريّ (ت279هـ) كتاباً للحسين (عليه السلام) إلى معاوية، وممّا جاء فيه: (أمّا بعد، فقد بلغني كتابك... أَوَلَسْتَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) الذي أبلته العبادة وصفّرت لونه وأنحلت جسمه؟! أَوَلَسْتَ المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش «عبيد» عبد ثقيف، وزعمت أنّه ابن أبيك وقد قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنّة رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) وخالفت أمره متعمّداً، واتّبعت هواك مكذّباً، بغير هدى من الله، ثمّ سلَّطته على العراقيّين فقطع أيدي المسلمين وسمّل أعينهم، وصلبهم على جذوع النخل، كأنّك لست من الأمّة وكأنّها ليست منك...وقد قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): من ألحق بقوم نسباً ليس لهم فهو ملعون، أَوَلَسْتَ صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك ابن سميّة أنّهم على دين عليّ، فكتبت إليه: اُقتل مَنْ كان على دين عليّ ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودينُ عليّ دين محمّد (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) الذي كان يضرب عليه أباك ..) [أنساب الأشراف، ج 5 ص 122، ومثله في اختيار معرفة الرجال للكشي، ج1 ص 255].

انقلب زياد على عقبيه فصار من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) يسبّهم ويشتمهم، ويطارد شيعتهم ويقتلهم.

قال الذهبيّ: (قال الحسن البصريّ: بلغ الحسن بن عليّ أنّ زياداً يتتبّع شيعة عليّ بالبصرة، فيقتلهم، فدعا عليه، وقيل: إنّه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن، فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين.) [سير أعلام النبلاء، ج 3 ص 496].

نقل ابن أبي الحديد المعتزليّ وثيقة مهمّة تبيّن جرائم زياد بحقّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، نقلها عن كتاب الأحداث للمدائنيّ (ت225هـ) وهو مصدّق فيما ينقله كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء، ج 10 ، ص 400 – 401.

قال ابن أبي الحديد: (وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المداينيّ في كتاب (الأحداث) قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أنْ برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبى تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليّ (عليه السلام) فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام عليّ (عليه السلام) فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمّل العيون، وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشرّدهم عن العراق فلم يبقَ بها معروف منهم.) [شرح نهج البلاغة، ج 11، ص 44].

وتتطابق أعمال زياد هذه مع ما ذكره الإمام الحسين (عليه السلام) في الكتاب الذي بعثه إلى معاوية، وقد أوردتُ بعضه.

لكن قد يقول قائل: كيف عيّن الإمام علي (عليه السلام) زياداً والياً وهو يعلم عاقبته ونصرته لمعاوية وما سيفعله بشيعته؟

والجواب: أنّ تعيين الإمام له كتعيين النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) خالدَ بن الوليد في بعض الغزاوت، وهو كإرسال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) الوليدَ بن عقبة لجمع الصدقات من بني المصطلق، وخالد أيضاً صار من أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، والوليد كذلك كان يشرب الخمر وصلّى بالناس الصبح أربع ركعات حين كان والياً على الكوفة، فجلده الإمام عليّ (عليه السلام)، فهل يصحّ أنْ يقال: كيف عيّنهما النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مع معرفته بما سيؤول إليه أمرهما؟

فمن الطبيعيّ أنّه لا يجوز معاقبة الإنسان قبل ارتكاربه الذنب، والإمام عليّ (عليه السلام) في تعيينه زياداً عمل بالظاهر ووفق المصالح، مع مراقبته له، قال البلاذريّ وقد ذكر كتاباً وجّهه عليّ (عليه السلام) لزياد: (وإنّي أُقسم باللَّه عزّ وجلّ قسماً صادقاً لئن بلغني أنّك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدّنّ عليك شدّة يدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر والسلام.) [أنساب الأشراف، ج 2 ص 162، والرسالة في نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ (عليه السلام) ص 377].

قال محمّد رضا المامقانيّ عن زياد بن أبيه: (حصيلة البحث: أنّ المعنون من أشهر سفّاكي الدماء البريئة، ومن أبرز الطّغاة الخبيثة، وأعماله المشينة وتتبّعه لشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت كلّ حجر ومدر، وقتلهم وتشريدهم لا تخفى على أحد، وكوّن بأعماله نقطة سوداء في تاريخ الإسلام، والعجب عدّه في زمرة المسلمين والرواة، مع أنّ المجاميع التأريخيّة طافحة بمخازيه.) [تنقيح المقال في علم الرجال، ج28 ص 354].