هل هناك فرق بين كلمة رسول ونبيّ في القرآن؟

السؤال: يزعم البعض بوجود تفاوت دلالي بين كلمة رسول وكلمة نبي بحكم قاعدة (عدم الترادف في اللغة الواحدة)، وعلى أساس هذا التباين بين المعنيين ترتبت آثار لها علاقة بفهم كتاب الله وبخاصة في الموارد التي جاءت فيها عبارة رسول أو نبي.. فقالوا: إذا جاءت كلمة نبي في القرآن فهي تعني الأمور المتعلقة بشخصه، وبذلك تصبح الاحكام المترتبة على النبوة هي أحكام زمانية وخاصة بشخص محمد (ص) وهي غير ملزمة للأخرين، وقالوا أن كلمة رسول تحمل معنى وظيفي وهي ابلاغ ما أراده الله من محمد (ص)، وعليه كلما جاءت كلمة رسول في القرآن فان الاحكام المترتبة عليها هي أحكام عامة وليست خاصة بزمان نزول الوحي..

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

لم يستدل القوم بدليل مباشر على وجود فرق بين كلمة رسول ونبي في القرآن، وكل ما ادعوه هو أن الاستقراء في آيات القرآن لكلمة رسول وكلمة نبي تقود إلى هذا الفرق، وبحسب زعمهم أن كل الآيات التي تحدثت عن النبي حملت أحكاماً زمانية لها علاقة بطريقة الحياة أو إدارة الدولة أو غيرها من الأمور الزمانية، وكل الآيات التي تحدثت عن الرسول حملت أحكاماً غير زمانية لها علاقة بالرسالة.

ومن النتائج المترتبة على ذلك:

1- محمد النبي (ص) غير مشرّع ولا يمكنه ذلك لكونه بشر يمارس حياته العادية بمقتضى الظرف التاريخي

2- تعاليم الإسلام محصورة في القرآن بوصفه الرسالة التي نزلت على الرسول، ولا وجود لتعاليم خارج حدود القرآن

3- كل الآيات التي اشتملت على كلمة نبي وما جاء فيها من أحكام هي غير ملزمة للمسلم في هذا العصر.

ونرد على هذا الزعم في نقاط:

أولاً: النبوة صفة، والصفة غير الموصوف، فعندما نقول (محمد نبي) نحن نفرق بالضرورة بين شخص النبي وبين صفة النبوة، وعليه لا وجود لتطابق دلالي بين النبوة وبين شخص النبي الأكرم، فعلى على أي أساس جعل هؤلاء النبوة معبرة عن الجانب الشخصي والتاريخي لشخص النبي؟ وبعبارة أخرى ما هو الرابط المنطقي بين الأحكام الزمانية وبين صفة النبوة؟ فهل كلمة النبوة تحمل معناً زمانياً أو مكانياً حتى يقال أن النبوة تتعلق بالجانب التاريخي من حياة النبي؟

ثانياً: النبوة صفة ضرورية للرسول ومقدمة حتمية له، فلا يكون الرسول رسولاً حتى يكون نبياً أولاً، فالنبي هو الذي يوحي الله له وحياً خاصاً بدون واسطة أو بواسطة ملك أو بإلهام، وقد ختم الله هذه النبوة وأنقطع الوحي بخاتم الأنبياء محمد (ص)، وعلى ذلك يكون الرسول أخص من النبي؛ لأن الرسول هو من أوحي إليه بالرسالة وأمر بتبليغها، فصاحب النبوة هو المُخبر عن الله، وهو إنسان يصطفيه الله من خلقه ليوحي إليه بدين أو شريعة سواء كُلِّف بالإبلاغ أم لا، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول، فهناك أنبياء لم يحملهم الله رسالة للآخرين، وبذلك يتضح أن النبوة هي الصفة المركزية التي يمتاز بها الرسل لوكنها هي التي تحقق الاتصال بالغيب، ولا علاقة لذلك بالأحكام الزمانية أو التاريخية بأي شكل من الأشكال.

ثالثاً: هناك تأمل وتشكيك حول صحة الاستقراء الذي أدعاه أصحاب هذا الزعم، فالاستقراء لا يكون تاماً إذا وجدت حالة واحدة مخالفة، فالسالبة الجزئية تهدم الموجبة الكلية كما يقول علماء المنطق، فلا يصح أن تقول كل البجع أبيض لو كان هناك بجعة واحدة سوداء، وكذلك الحال لو كانت جميع الآيات التي جاءت فيها كلمة نبي أو رسول تدل على المعنى الذي زعموه، ولكن كان هناك آية واحدة مخالفة لذلك حينها يبطل الاستقراء وينهار الدليل، ونحن إذا رجعنا لهذه الآيات لوجدنا عشرات الآيات التي تخالف هذا الزعم، ومن ذلك على سبيل المثال:

قال تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ..)، من المؤكد أن الحرب وما يقع فيها وما يدور حولها من أقوال لها علاقة بالزمن التاريخي الذي وقعت فيه المعركة فلماذا لم تقل الآية (حتي يقول النبي ... متى نصر الله) ، وفي أية اخرى تحدث عن الغنائم، قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) فخمس الغنيمة بحسب هذه النظرية يجب أن يكون للنبي لأنه متعلق بشخصه فلماذا جاء الخطاب بالرسول؟

وكذلك قوله: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا) فمن المفترض ان يقول النبي؛ لأن الانقلاب الي الأهل لا علاقة له بالرسالة ؟

وفي المقابل إذا نظرنا إلى كلمة نبي نجدها جاءت في موارد تحمل دلالة عامة ليست خاصة بالزمان التاريخي للنبي، مثل قوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ..)، فالواجب بحسب هذه النظرية أن تكون الآية (ولو كانوا يؤمنون بالله والرسول وما أنزل إليه...) فلماذا المطالبة بالإيمان بالنبي والنبوة لا تحمل غير المعاني الزمانية والتاريخية؟

وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فالأتباع هنا للنبي وليس للرسول، وإلى غير ذلك من الآيات.