ذمُّ بني أميّة في القرآن
السؤال: هل وردت في ذمّ بني أمية آياتٌ من القرآن الكريم؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اعلم أخي السائل الكريم أنّ هناك الكثير من الآيات القرآنيّة الواردة في ذمّ بني أميّة، وإثبات كفرهم واستحقاقهم اللعنة وسوء العذاب، وقد تناقلتها كتب الفريقين على حدّ سواء، وها نحن نلتقط لك بعض الشذرات ممّا جاء في خصوص كتب السُنّة من ذلك:
1- قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم: 28-29].
فقد أخرج الحاكم وغيره عن عليّ (عليه السلام) قال - في تفسير الآيتين -: «هما الأفجران من قريش: بنو أُميّة وبنو المغيرة، فأمّا بنو المغيرة فقد قطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أميّة فمُتّعوا إلى حين»، وقال عنه الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه) ووافقه الذهبيّ [المستدرك ج2 ص383، تفسير سفيان الثوريّ ص157، تفسير ابن أبي حاتم ج7 ص2247].
وأخرج مثله ابن جرير الطبريّ، والبخاريّ وغيرهما بإسنادهم عن عمر بن الخطّاب في الآيتين قال: «هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أُميّة، فأمّا بنو المغيرة فكُفيتموهم يوم بدر، وأمّا بنو أُميّة فمتِّعوا إلى حين» [تفسير الطبريّ ج16 ص5، التاريخ الكبير ج8 ص373، تفسير الثعلبيّ ج15، ص393].
وقال الإمام الشوكانيّ: (وأخرج البخاريّ في تاريخه، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطاب في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} قال: «هما الأفجران من قريش: بنو المغيرة، وبنو أمية؛ فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أميّة فمتعوا إلى حين ». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والطبرانيّ في الأوسط، والحاكم وصحّحه، وابن مردويه من طرق عن عليّ [عليه السلام] في الآية نحوه أيضاً) [فتح القدير ج3 ص133].
2- قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحجّ: 78].
فقد أخرج ابن وهب المصريّ وابن جرير الطبريّ وغيرهما عن عبد الله بن عبّاس أنّ عمر بن الخطاب سأله، فقال له: «... فمَن أُمِرْنا بالجهاد؟ قال: قبيلتان من قريش: مخزوم، وعبد شمس، فقال عمر: صدقت». وفي لفظ الطحاويّ: «فقال عمر: مَن أمرنا الله أنْ نجاهده؟» [تفسير القرآن من الجامع ج2 ص46، جامع البيان ج20 ص262، شرح مشكل الآثار ج12 ص8]. وعبد شمس هذا هو أبو أميّة بن عبد شمس، وهو الخصم اللدود لهاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، والآية كاشفة عن وجوب الجهاد ضدّهم.
3- قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ} [الإسراء: 60].
فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده عن يعلى بن مرة قال: « قال رسول الله (ص): أُرِيتُ بني أمية على منابر الأرض وسيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء. واهتمّ رسول الله (ص) لذلك، فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}» [تفسير ابن أبي حاتم ج7 ص2336].
وأخرج هو والكعبيّ البلخيّ والسمرقنديّ وابن عساكر بإسنادهم عن سعيد بن المسيّب قال: «رأى رسول اللَّه (ص) بنِي أمية على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: (إنّما هي دنيا أعطوها)، فقرّت عينه، وهي قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} يعني بلاءً للناس» [تفسير ابن أبي حاتم ج7 ص2336، قبول الأخبار ج1 ص225، تفسير السمرقنديّ ج2 ص318، تاريخ دمشق ج57 ص341].
وروى الحسكانيّ وابن أبي الحديد عن المدائنيّ قال: (..ودخل سفيان بن أبي ليلى النهديّ عليه [أي: الإمام الحسن]، فقال: السلام عليك يا مذلَّ المؤمنين، فقال الحسن: «اجلس يرحمك الله، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رُفع له ملك بني أمية، فنظر إليهم يَعلُون منبره واحداً فواحداً، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله تعالى في ذلك قرآناً، قال له: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ}») [شواهد التنزيل ج2 ص457، شرح نهج البلاغة ج16 ص16].
وقال الواحديّ: (وروى السدّيُ عن أبي مالك عن ابن عباس قال: « الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية ») [التفسير البسيط ج13 ص381].
وقال السيوطيّ: (أخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي (رضي الله عنهما): « أنّ رسول الله (ص) أصبح وهو مهمومٌ فقيل: مالك يا رسول الله؟ فقال: إني رأيت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا فقيل: يا رسول الله لا تهتم فإنّها دنيا تنالهم فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}») [الدرّ المنثور ج5 ص310].
4- سورة محمد (ص).
أخرج الحاكم الحسكانيّ بإسناده عن عليّ (عليه السلام) قال: «سورة محمد: آية فينا، وآية في بني أميّة»، ونقله السيوطيّ عن ابن مردويه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) [شواهد التنزيل ج2 ص240، الدرّ المنثور ج7 ص456].
وقد روى الحسكانيّ الحديث بأسانيد أخرى، ثمّ قام بتفصيل آيات السورة وما جاء فيها من الروايات، فكان منها الآيات قوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 21-23]، فأخرج فيها بإسناده عن سفيان الثوريّ، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: « قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} يقول: جدَّ الامر وأُمروا بالقتال، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ} نزلت في بنّي، أمية لو صدقوا الله في إيمانهم وجهادهم وسمحوا بالطاعة والإجابة؛ لكان خيراً لهم من المعصية والكراهية، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} فلعلّكم إنْ وَلَيتُم أمر هذه الأمة أن تعصوا الله {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، قال ابن عباس: فولّاهم الله أمر هذه الأمة فعملوا بالتجبّر والمعاصي وتقطعوا أرحام نبيّهم محمّد وأهل بيته» [شواهد التنزيل ج2 ص246].
وقول ابن عبّاس المنقول: «فولّاهم الله أمر هذه الأمّة» فيه مسامحةٌ كبيرةٌ وتجوّزٌ واضح، وإلّا فإنّه تعالى لم يولِّ بني أميّة وإنّما هم الذين استولوا على مقدّرات المسلمين فأولغوا في دمائهم وعاثوا الفساد في الأرض.
وكيفما كان، فقد أخرج الثعلبيّ والبغويّ وغيرهم أيضاً في تفاسيرهم عن المسيّب بن شريك والفرّاء نزولها في بني أميّة وبني هاشم فلاحظ. [تفسير الثعلبيّ ج24 ص196، تفسير البغويّ ج4 ص184، تفسير القرطبيّ ج16 ص245].
والجدير بالذكر أنّ سورة محمد كانت جامعةً لصفات وخصائص بني أميّة وعاقبتهم في الآخرة، ولو لم ينزل فيهم سوى هذه السورة لكفى ذلك في الكشف عن حقيقتهم؛ حيث جاء فيها وصفهم بأنّهم: كفّار، وأنّهم ولا مولى لهم، وأنّ الله تعالى أضلّ أعمالهم، وأنّهم يصدّون الناس عن سبيل الله، ويكرهون ما أنزله تعالى، وأنّهم يأكلون ويتمتّعون كالأنعام، وأنّ الله طبع على قلوبهم فهي قلوبٌ مريضة، وأنّهم يتّبعون أهواءهم، وأنّهم لا مغفرة عند الله لهم، وأنّ النار مثوىً لهم يسقون فيها ماءً حميماً يقطّم أمعاءهم.. إلى غير ذلك من الخصائص والصفات التي تستحقّ الوقوف عليها والتأمّل فيها.
5- قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]
أخرج الترمذيّ عن القاسم بن الفضل الحدانيّ عن يوسف بن سعد قال : «قام رجلٌ إلى الحسن بن علي - بعدما بايع معاوية – فقال: سوّدت وجوه المؤمنين - أو يا مسوّد وجوه المؤمنين -، فقال: لا تؤنبني رحمك الله، فإنّ النبيّ (ص) أُرِيَ بني أمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يا محمد يعني نهراً في الجنة، ونزلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يملكها بعدك بنو أمية يا محمّد». قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص [سنن الترمذيّ ج5 ص151].
وأخرجه ابن جرير الطبريّ عن عيسى بن مازن، قال: «قلت للحسن بن علي (رض): يا مسوّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل، فبايعت له - يعني معاوية بن أبي سفيان -؟ فقال: إنّ رسول الله (ص) أُريَ في منامه بني أمية يعلون منبره خليفةً خليفة، فشقَّ ذلك عليه، فأنزل الله...» [جامع البيان ج30 ص330].
ورواه الحاكم عن يوسف بن مازن الراسبيّ، ولفظه: «لا تؤنّبني رحمك الله فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد رأى بني أميّة يخطبون على منبره رجلاً رجلاً فساءه ذلك فنزلت..» وقال عنه: (هذا إسناد صحيح) وذكر له إسنادين آخرين أيضاً [المستدرك ج3 ص170].
وأخرج الخطيب البغداديّ وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال: «قال رسول الله (ص): أُرِيتُ بني أميّة في صورة القردة والخنازير يصعدون منبري، فشقَّ عليَّ ذلك، فأنزلت: {أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، فأنكر في صورة القردة والخنازير أشدَّ الإنكار» [تاريخ بغداد ج9 ص45، تاريخ دمشق ج57 ص342].
6- قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم: 96-97].
أخرج الحاكم الحسكانيّ بإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قال: «نزلت في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خاصّة، {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} نزلت في عليّ خاصّة. {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} نزلت في بني أميّة وبني المغيرة» [شواهد التنزيل ج1 ص473].
واللُّدُّ: (هو الشخص الشديد في خصومته، والذي يأبى بشدّة عن قبول الحقّ)، قال الراغب: (الأَلَدُّ: الخصيم الشديد التأبّي وجمعه لُدٌّ، قال تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ} وقال: {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [المفردات ص449]، وقال المصطفويّ: ({لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا}، التقوى هو الصون وحفظ النفس عن المحرّمات والرذائل، والمنع والدفع عنها. واللَّدُّ هو المنع والدفع عن الحقّ وأهل الحقيقة والمقابلة بهم، فاللَّدَدُ هو أعظم مانع عن الوصول إلى الحقّ ومعرفته وإدراكه، كما أنّ التقوى هو أعظم وسيلةٍ في الوصول إلى المعارف الإلهيّة، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ...وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ} أي: أشدّ في جهة التأبّي عن قبول الإسلام وفي دفعه من بين الخصوم..) [التحقيق في كلمات القرآن ج10 ص181].
هذا غيضٌ من فيض، وقد رُوعي فيه الاقتصار على ما نزل في بني أميّة بشكلٍ عامّ، دونما التعرّض إلى ما نزل في آحادهم من الذمّ والتقبيح، وإلّا فإنّ هنالك ما نزل في خصوص عثمان بن عفّان، وفي الحكم بن العاص وابنه مروان، بل وسائر بنيه، وفي أبي سفيان بن حرب، وفي معاوية بن أبي سفيان، وفي عمّة معاوية وأخت أبي سفيان أم جميل بنت حرب التي نزلت سورة المسد فيها وفي زوجها أبي لهب، وغير ذلك.
والحصيلة من مجموع ما أوردناه ثبوت كفر بني أميّة وعِدائهم للإسلام وحربهم عليه فلعنة الله عليهم قاطبة إلى أبد الآبدين، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
اترك تعليق