هل الإمامة جعل من الله وليس من حق الناس الاختيار فيه ؟
ماجد/الكويت/: تدعون أن الإمامة هبة الهية مقدرة بجعل من رب العالمين لا بسعي من العبد وعلى هذا فإن اختيار الإمام (أو الخليفة) ليس من حق الأمة. إنما هو من شأن الله وحده فهو الذي يعين الإمام ويسميه و(يجعله). هذا بالنسبة لمبدأ (الإمامة) عموماً. وأما الاستدلال بقوله تعالى ( اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) على (إمامة) علي وبقية (الأئمة) فقائم على أن العهد الذي هو(الإمامة) لا ينال ولا يجعل للظالمين والظالم كل من كان مشركاً، أو اقترف ذنباً برهة من حياته وإن تاب وأصلح ! ولكن الآية ليست نصاً فيما ذهبوا إليه وإنما غايتها أن تكون متشابهة تحتمل هذا وتحتمل غيره وبما أن الآية ليست نصاً صريحاً في (إمامة) علي فهي ليست دليلاً أو نصاً في ( إمامته ) وإن الاحتجاج بالآية على (الإمامة) عموماً، و(إمامة) علي خصوصاً مبني على ثلاث مقدمات تحتاج إلى إثبات: الأول : أن الإمامة المذكورة جاءت بالمعنى الاصطلاحي عند الإمامية، وليس اللغوي. أي أنها منصب آخر غير منصب النبوة، وليست وصفاًلازماً لها. الثاني : أن (الجعل) في قوله تعالى : (إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً) قدري تكويني، لا شرعي سببي حتى تكون (الإمامة) – كالنبوة - هبة من الله لا سعياً من العبد. الثالث : أن الآية تتحدث عن شرط (العصمة) بالنسبة لـ(الإمام). وهذا مبني على تفسير الظالم بأنه مطلق من ارتكب ذنباً وإن تاب منه وأصلح. وهذا كله كما ترون لا ينفع إلا بعد إثبات أن علياً (معصوم) مع أحد عشر آخرين.
الأخ ماجد المحترم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ثبت كون الإمامة هي جعل من الله وتنصيب من قبله سبحانه وليس للناس حق الإختيار فيه لما ورد من قوله تعالى لإبراهيم ( عليه السلام ) في سورة البقرة الآية 142: ( إني جاعلك للناس إماما ).
فهذا نص صريح في جعل الإمامة من قبل الله عز وجل لإبراهيم (عليه السلام) .
قد تقول هذا النص خاص بإبراهيم (عليه السلام) ؟
الجواب : قد نص سبحانه على جعل أنبياء غير إبراهيم (عليه السلام) أئمة كذلك ، قال تعالى في سورة الأنبياء الآية 73: ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ).
وقد تقول هنا أيضا : هذا الجعل الإلهي للإمامة هو خاص بالأنبياء فقط !!
نقول : لقد ورد الدليل القرآني في جعل غير الأنبياء أئمة كذلك .
قال تعالى في سورة القصص الآية 5 : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) .
وقد نص المفسرون - الطبري وغيره - على أن المراد بالذين استضعفوا هم بنو إسرائيل ، والمراد بجعلهم أئمة أي جعلهم ولاة للأمر .
فهذه النصوص القرآنية تثبت بشكل واضح وصريح على أن الإمامة وولاية الأمر هي جعل من الله وليس للناس حق التنصيب أو الإختيار فيها ، ولن تجد نصا قرآنيا أو حديثا نبويا واحدا متفقا على صحته عند الفرق الإسلامية في جعل الإمامة أو الخلافة شورى أبدا ، والاستدلال بقوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) سورة الشورى :38، أو قوله تعالى : ( وشاورهم في الأمر ) آل عمران : 159 ، على كون الخلافة شورى ليس صحيحا ، إذ نص أكثر المفسرين كابن كثير والقرطبي وغيرهما على أن هذا التشاور كان في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب ونحوها ، وإلا كان على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يشاور أصحابه في موضوع الخلافة والإمامة من بعده لمحل الوجوب في قوله تعالى ( وشاروهم ) وهذا لم يحدث بالإتفاق !!
وعليه ؛ ليس قولنا بانّ الإمامة جعل من الله وتنصيب هي دعوى لنا من غير دليل - كما أردت الإشارة إليه في كلامك السابق - بل هذه النصوص القرآنية بتنوعاتها وتفرعاتها في جعل الإمامة للأنبياء وغير الأنبياء ظاهرة جدا في هذا المعنى ولا يخالف هذا الظهور إلا من أراد الخروج عن جماعة العقلاء في الأخذ بظواهر الألفاظ فهذا شأنه !!
وقد تشكل وتقول ، هذا الجعل للإمامة لا إختصاص فيه لأئمة الهدى لأنه سبحانه أيضا جعل أئمة الكفر والضلال كذلك كما في قوله تعالى في سورة القصص الآية 41 : ( وجعلناهم أئمة يدون إلى النار ) ؟!!
نقول : هذا الجعل يعود إلى علمه سبحانه المسبق بخلقه ، فكما علم سبحانه من أئمة الهدى طاعتهم له فجعلهم أئمة وقادة لعباده المؤمنين ، كذلك علم من أئمة الكفر والضلال مخالفتهم ومعصيتهم له فجعلهم قادة ودعاة إلى النار ، وطريقة الجعل في الموردين لا تسلب الإختيار للطرفين - أئمة الهدى وأئمة الضلال - ، بل الطرفان يعطيان من الطبيعة البشرية القائمة على الشهوات والغرائز كما يعطى أي إنسان آخر ، وإنما الفرق هو في التوفيق وعدمه ، فإمام الهدى يعطى توفيقا من الله يجعله دائم الطاعة له سبحانه ، وإمام الضلال يسلب هذا التوفيق منه ويخلى بينه وبين الكفر والمعاصي فيختارها بإرادته .
هذا كله من حيث إثبات أصل الإمامة هل هي بالجعل أو الشورى .
يبقى الكلام في دلالة قوله تعالى : ( اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة : 142، على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وعصمتهم.
نقول : من الواضح جدا من هذا النص القرآني أن إبراهيم (عليه السلام) قد طلب الإمامة لذريته ، فأجابه الله سبحانه : ( لا ينال عهدي الظالمين ) ، أي الإمامة الإلهية - التي سميت عهدا هنا - لا يمكن أن تكون من نصيب الظالم حتى لا يكون هناك نقض لغرض جعلها ؛ لأن الإمامة الإلهية هي وسيلة هداية ونشر للعدل بين الناس فكيف تكون من نصيب الظالم ، فهذا نقض لغرض جعلها من أساس ونقض الغرض لا يقدم عليه الحكيم مطلقا !
فالإمامة إذن لا تكون من نصيب الظالم ، سواء كان ظلمه عظيما ( كالشرك الذي وصفه القرآن الكريم بأنه ظلم عظيم ) ، أو ظلما أقل من ذلك ( كارتكاب المعاصي واقتراف الذنوب )، فالآية الكريمة نفت الإمامة الإلهية وهذا العهد الإلهي عن الظالم مطلقا ، وهو عبارة ثانية على أن غير المعصوم لا يكون مؤهلا للإمامة . وهذا واضح جدا لمن درس كتابا واحدا في علم الأصول وعرف دلالة الإطلاق على معانيه .
أما شمول هذه الآية لعلي (عليه السلام) وأهل بيته فهو واضح كذلك لأنهم من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ، والآية الكريمة لم تقيد بالذرية القريبة أو البعيدة ، فتشمل بإطلاقها عليا (عليه السلام) والأئمة من ذريته .
وعندما تقرأ قوله تعالى في سورة الزخرف الآية 28: ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) تجد المفسرين يفسرونها بأن الله جعل كلمة الهداية ثابتة في عقب إبراهيم (عليه السلام) وهو محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) ، فمحمد وآل محمد هم من عقب إبراهيم وذريته بلا منازع .
وعليه تشمل هذه الآية بعمومها وإطلاقها إمامة أهل البيت وعصمتهم ، ويبقى الكلام في النص عليهم بالتحديد .
نقول : هذا البيان هو من شأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي أوكل له المولى سبحانه بيان عمومات القرآن ومجملاتها ؛ إذ قال تعالى في سورة النحل الآية 44 : ( وانزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ، وهنا جاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو أصدق الأولين والآخرين : ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي ،وأنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ) ( صحيح الجامع الصغير بتصحيح الألباني ، حديث رقم 2457)، وجاء أيضا : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) ( صحيح سنن الترمذي برقم : 3788)، كما وردت في هذا الصدد من الأحاديث الكثيرة المتضافرة في لزوم الأخذ والإتباع والتمسك بالثقلين ( الكتاب والعترة ) معا ما يكاد المنصف أن يقول بتواترها، بل هي متواترة فعلا ، لتضافر نقلها عند جميع الفرق الإسلامية على إختلاف مشاربهم العقدية والفقهية ، وهذه الأحاديث تشهد بشكل واضح وصريح على خلافة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، كما في الحديث الأول ، وتشهد بعصمتهم كما في الحديثين معا وذلك لعدم افتراقهم عن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهي كذلك تدل على استمرار خلافتهم إلى يوم القيامة ؛ إذ التعبير بعدم الإفتراق بين القرآن والعترة إلى أن يردا الحوض على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو كناية عن بقاء تلازمهما ووجودهما إلى يوم القيامة ، وبذلك يثبت المطلوب والحمد لله ربّ العالمين .
ودمتم سالمين
اترك تعليق