ردَّ مَركزُ الرَّصدِ العَقائِدي على العُرَيفِي: عليٌّ (ع) لم يُسمِّ أبناءَه بأسمَاءِ الخُلفَاءِ مَحبَّةً لهم!!

الشَّرقُ الأوسطُ: نشر الأربعاء، 26 ديسمبر/ كانون الأول 2018.    العُرَيفِي يَردُّ على الشِّيعةِ ممَّن يَقُولُون: عليٌّ سمَّى ابْنَه "أبو بكر" تقية.      دُبي، الإمارَاتُ العَربِيةُ المُتَّحِدةُ (CNN) ردَّ الدَّاعِيةُ الإسلَامِي مُحمَّدُ العُرَيفِي - الَّذي يُعتَبرُ أحدَ وُجوهِ تيَّارِ الصَّحوةِ في المَملَكةِ العَربِيةِ السُّعوديَّةِ - على الشِّيعةِ ممَّن يَقُولُونَ: إنَّ سَببَ تَسمِيةِ عليِّ بنِ أبي طَالبٍ لابْنِه بأبِي بَكرٍ كانَ سَببُه "تقية" (أي اتِّقاء الشَّيءِ).      جاءَ ذلك في تَسجِيلٍ صَوتيٍّ نَشرَه العُرَيفِيُّ على صَفحَتِه الرَّسمِيةِ بمَوقِع التَّواصُلِ الإجتِماعِي "تويتر" حيثُ قَال: "عليٌّ رضي الله عنه ليسَ وَحدَه مَن كانَ يُثنِي على أبِي بَكرٍ، بل كانَ عليٌّ رضي الله عنه إذا ذَكرَ أبا بَكرٍ يَبكِي، وكانَ يَقُول وهو يَبكِي: رَحِمَ اللهُ أبا بَكرٍ لقد أتعبَ مَن بَعدَه. وكانَ يُردِّدُها كَثِيراً: آلُ البَيتِ كانُوا جَمِيعاً لهم ثَناءٌ على أبِي بَكرٍ وكانَ بهم مَحبةً له، عليٌّ سمَّى أحدَ أبنَائِه بأبِي بَكرٍ، وهذا مَوجُودٌ الآن في السِيَرِ.."      وتَابعَ قَائلاً: "إذا نَظرْتَ في السِيَرِ حتى إذا نَظرْتَ في كُتبِ الشِّيعةِ تَجدُ أنَّ هذا مَوجُودٌ في بَعضِها ممَّن يَعنِي يَصدُقُ تَجدُ أنَّه يَذكُرُ إذا ذَكرَ أبناءَ عليٍّ يَذكُرُ مِن بَينِهم أبا بَكرٍ، لكنَّه يَقُول في خِلَالِها: إنَّه سمَّى وَلدَه بأبِي بَكرٍ "تَقِيةً". يَتَّقِي مَاذا؟ تَقِيةً يَعنِي تَتَّقِي شَيئاً مُعيَّناً، يَتَّقِي ماذا؟ هل أبو بَكرٍ مَسكَ السَّيفَ فَوقَ رأسِه وقَال لمَاذا سمَّيتُه علياً؟.. لا يُعقَلُ أنْ يَكُونَ أبو بَكرٍ قد ألْزَمَه على ذلك.. ابْنُه الحَسنُ سمَّى أحدَ أولَادِه بأبِي بَكرٍ، وابْنُه الحُسَينُ سمَّى أحدَ أبنَائِه بأبِي بَكرٍ..".      وأضَافَ قَائلاً: "الإمامُ الكَاظمُ سمَّى أحدَ أبنَائِه بأبِي بَكرٍ، وكانَ ابْنُه الرِّضا يُكنَّى أيضاً بأبِي بَكرٍ، وكذلِك مِن آلِ البَيتِ المَشْهُورِينَ، وتَعلَمُونَ أنَّك لا تُسمِّي على اسمِ أحدٍ تُبغِضُه، لا يُمكِنُ أنَّهم يُسمُّونَ على اسْمِ أبِي بَكرٍ وهم يَعتقِدُونَ أنَّه سَلبَ الخِلَافةَ مِن جَدِّهم عليٍّ رضي الله عنه..".      وأردفَ: "كذلِك عليٌّ رضي الله عنه كانَ يُثنِي على أبِي بَكرٍ في مَواطِنَ كَثِيرةٍ، كانَ يَقُول مثلاً: لقد صَنعَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأبِي بَكرٍ أمراً ما صَنَعَه بي ولا بأيِّ أحدٍ. قَالُوا له مَاذا؟ قَال: يومَ جاءَ المُشرِكُونَ ليَقتِلُوا رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وخَرجَ مَن اخْتارَ ليَخرُجَ معَه؟.. قَال فَاخْتارَ أبا بَكرٍ فلم يأمنْ على نَفسِه أحداً غَيرَه حتى في دَاخلِ الغَارِ..".

: اللجنة العلمية

     السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه.

     يُحاوِلُ البَعضُ بِشكْلٍ بَائسٍ طَمسَ شَمسِ الحَقِيقةِ بغِربَالٍ أو تَرقِيعِ تلك الشَّنائعِ والفَظائعِ التي سوَّدتْ وَجهَ التأرِيخِ بتَوسُّلاتٍ أقلُّ ما يُقالُ عنْها أنَّها مُحاوَلاتٌ مُتهرئةٌ، وإنْ دلَّ هذا الأمرُ على شَيءٍ فهو يَدلُّ على حَجمِ الفَاجِعةِ التي تَعرَّضَ إليْها أهلُ البَيتِ النَّبويِّ على يَدِ تَيَّارِ السَّقِيفةِ الَّذي يُحاوِلُ أتبَاعُه تَرمِيمَ ما جَرى إلى يَومِنا هذا ما اسْتطَاعُوا!!

     ولو عَرضْنا ما قَالَه هذا الشَّخصُ مِن مَحبَّةِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) لأبِي بَكرٍ بدَعوَى تَسمِيةِ أحدِ أبنَائِه باسْمِه أو البُكاءِ عليْه أو الثَّناءِ عليْه بأنَّه صَاحِبُ رسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغَارِ ونحوِ ذلك على كِتَابِ اللهِ والسُّنةِ الصَّحِيحةِ التي يَروُونَها هم لمَا اسْتقَامَ لبَيانِه جُملةٌ وَاحِدةٌ .

     ففي كِتَابِ اللهِ تَجدُ قَولًه تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} المجادلة: 22.

فهُنا في هذِه الآيةِ الكَرِيمةِ نَجدُ بَياناً وَاضِحاً وصَرِيحاً جداً بأنَّ المَحبَّةَ لا تَكُون لمَن خَالفَ اللهَ ورسُولَه (ص) حتى لو كانَ هذا المُخالِفُ أباً أو ابْناً أو أخاً أو عَشِيرةً.

     وقد جاءَ عن النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يَروِيهِ البُخارِيُّ ومُسلمٌ: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجدَ حَلاوةَ الإيمانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ ورسُولُه أحبَّ إليْه مما سِوَاهُما، وأنْ يُحبَّ المَرءُ لا يُحبُّه إلا لِلهِ، وأنْ يَكرهَ أنْ يَعُودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أنْ يُقذفَ في النَّارِ}. انتهى.

     فالحُبُّ في اللهِ والبُغضُ في اللهِ ممَّا تَقتضِيهِ شَهادةُ لا إله إلا اللهُ، كما يُؤكِّدُ ذلك عَالِمُهم ابنُ تَيمِيةَ نَفسُه الَّذي يَقُول في كِتَابِه "مَجمُوع الفَتاوى " 8: 337: "إنَّ تَحقِيقَ شَهادةِ أنْ لا إله إلا اللهُ يَقتَضِي أنْ لا يُحبَّ إلا لِلهِ، ولا يُبغِضَ إلا لِلهِ، ولا يُوالِيَ إلا لِلهِ، ولا يُعادِيَ إلا لِلهِ، وأنْ يُحبَّ ما أحبَّه اللهُ، ويُبغِضَ ما أبغَضَه اللهُ". انتهى.

     ومِن هُنا نَسألُ: هل كانَ أبو بَكرٍ ممَّن يَستحِقُّ أنْ يُحبَّه عليٌّ (عليه السلام) في اللهِ؟

     لقد ثَبتَ في البُخارِي أنَّ أبا بَكرٍ أغضبَ السَّيدَةَ الزَّهراءَ (عليها السلام) وأنَّها هَجَرتْه ولم تُكلِّمْه حتى مَاتتَ.

     فقد أخرجَ البُخارِيُّ [ج4 ص 42]: عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ أنَّ عَائِشةَ أخبَرتْه: "أنَّ فَاطِمةَ (عليه السلام) ابْنةَ رسُولِ اللهِ (ص) سألتْ أبا بَكرِ الصِّديقِ بعدَ وَفاةِ رسُولِ اللهِ (ص) أنْ يُقسِّمَ لها مِيرَاثَها ممَّا تَركَ رسُولُ اللهِ (ص) ممَّا أفاءَ اللهُ عليْه، فَقالَ لها أبو بَكرٍ: إنَّ رسُولَ اللهِ (ص) قَال: لا نُورِّثُ ما تَركْناه صَدقةً، فغَضِبتْ فَاطِمةُ بِنتُ رسُولِ اللهِ (ص) فَهجَرتْ أبا بَكرٍ فلم تَزلْ مُهاجِرتُه حتى تُوفِّيتْ". انتهى.

     فإنْ قُلتَ: لقد رَوى البَيهقِيُّ وغَيرُه عن عَامرِ الشُّعبِي أنَّ فَاطِمةَ رَضِيتْ عن أبِي بَكرٍ وتَصالَحا؟

     قُلنا: ما رَواه الشُّعبِيُّ كانَ مُرسلاً، والمُرسَلُ هو في الأصلِ مُختلَفٌ في حُجِّيتِه اخْتلَافاً شَدِيداً، والأكثرُ على عَدمِ صِحَّةِ الإحتِجاجِ به، فكيفَ بمَن نصَّ العُلماءُ مِن أهلِ السُّنةِ أنفُسِهم على أنَّ مَراسِيلَه لَيستْ بحُجَّةٍ أو لَيستْ بشَيءٍ.

     جاءَ في التَّمهيدِ - لابنِ عَبدِ البر - ج 22 : 320 - ما نصُّه: "ومَراسِيلُ الشُّعبِي لَيستْ عندَهم بشَيءٍ". انتهى.

     وجاءَ عن القسطلائي - إرشاد الساري 6: 475- ما نصُّه: "وأما مَراسِيلُ الشُّعبِي لَيستْ بحُجَّةٍ مُطلَقاً لا سيَّما ما عَارضَه الصَّحِيحُ". انتهى.

     وجاءَ عن الخَطِيبِ التَّبرِيزي في كِتَابِه "الإكمالُ في أسمَاءِ الرِّجالِ" عندَ تَرجُمتِه للشُّعبِي، ص 207:" ومِن مَراسِيلِه: ما رَواه ابنُ سَعدٍ (8 / 27) والبيهَقي (6 / 301)، وعنه ابنُ كَثير في (تَاريخِه) (6 / 338) وقَال ابنُ سَعدٍ: أخبَرَنا عبدُ اللهِ ابنُ نُمَير، حدَّثنا إسمَاعِيلُ، عن عَامرٍ قَال: جاءَ أبو بَكرٍ إلى فَاطِمةَ الزَّهراءِ حينَ مَرضَتْ فاسْتأذنَ فَقَال عليٌّ: هذا أبو بَكرٍ على البَابِ، فإنْ شِئتِ أنْ تأذَنِي له؟ قَالتْ: وذلك أحبُّ إليْه؟ قَال: نعم.

فَدخلَ عليْها واعْتذرَ إليْها وكَلَّمَها فَرضِيتْ عنه).

     والخَبرُ مُرسَلٌ مِن هذا الوَجهِ، ومع ذلك فيْه ضَعفٌ لأنَّه مُعارِضٌ للصَّحِيحِ. وقد أخرجَ البُخارِيُّ ومُسلمٌ بإسنادٍ صَحِيحٍ مُتَّصلٍ مِن حَديثِ عَائِشةَ أنْ فَاطِمةَ الزَّهراءَ غَضِبتْ على أبِي بَكرٍ إلى أنْ مَاتتْ ولم تَرضَ عنْه، وقد ثَبتَ بالأصُولِ أنَّ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ لا تُؤثِّرُ فيه مُخالَفةُ الضَّعِيفِ". انتهى. 

     وعليْه؛ يَبقى الخَبرُ الوَاردُ في البُخارِي عن غَضبِ فَاطِمةَ (عليها السلام) على أبِي بَكرٍ ومُهاجَرتُه حتى المَوتِ خَبرٌ ثَابِتٌ وصَحِيحٌ مِن غَيرِ مُعارِضٍ.

     هذا، فَضلاً عما ذَكرَه عُلماءُ أهلِ السُّنةِ أنفُسِهم بأسانِيدَ جَيِّدةٍ وحَسنةٍ وصَحِيحةٍ عن كَشفِ أبِي بَكرٍ لبَيتِ عليٍّ وفَاطِمةَ (عليهما السلام) والهُجومِ عليْه لرَفضِ عليٍّ (عليه السلام) وجَماعةٍ منَ الصَّحابةِ مُبايَعتَه.

     قَال الصَّالِحيُّ الشَّاميُّ في كِتَابِه "سُبل الهُدى والرَّشاد": "رَوى مُوسى بنُ عُقبةَ - بإسنادٍ جَيِّد - عن إبراهيمَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ أنَّ رِجالاً منَ المُهاجِرينَ غَضِبُوا في بَيعةِ أبِي بَكرٍ، منْهم عليٌّ والزُّبَيرُ، فَدخَلا بَيتَ فَاطِمةَ بِنتِ رسُولِ اللهِ (ص) ومعَهُما السِّلاحُ، فَجاءَهما عُمرُ بنُ الخطَّابِ في عِصابةٍ منَ المُهاجِرينَ والأنصَارِ، فيْهم أسيد بنُ حضير وسلمَة بنُ سلَامة بنُ وقش الأشهليان وثَابتُ بنُ قيسِ بنُ شماس الخَزرَجِي، فَكلَّمُوهُما حتى أخذَ أحدُهم سَيفَ الزُّبَيرِ فضَربَ به الحَجرَ حتى كَسرَه". انتهى.

     راجعْ: سُبلَ الهُدى والرَّشاد 12: 317، والرِّياض النَّضرة 1: 317، وتارِيخ الخَميس: 2: 169.

     وعن الحَاكمِ في "المُستَدرك" بسَندٍ صَحِيحٍ عن مُوسى بنِ عُقبةَ عن سَعدِ بنِ إبراهيمَ قَال: حدَّثني إبراهيمُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفِ: أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ كانَ مع عُمرَ وأنَّ مُحمَّدَ بنَ مسلمةَ كانَ معَهم، وأنَّه هو الَّذي كَسرَ سَيفَ الزُّبَيرِ". انتهى.

     راجعْ: المُستَدركَ على الصَّحِيحَينِ 3: 660 قَال الحَاكمُ: صَحِيحٌ على شَرطِ الشَّيخَينِ، ووَافَقه الذَّهبيُّ كما في تَلخِيصِ المُستَدركِ، وكذلِك صرَّحَ بصِحَّتِه ابنُ كَثيرٍ في السِّيرةِ النَّبوِيةِ 4: 496، وفي البداية والنهاية 5: 270 قال عنه: إسنادٌ جيدٌ.

     وعن الخَطيبِ في "الإكمَال" ص4 قال: "وزَادَ ابنُ أبِي الحَدِيدِ مِن شَرحِه: فصَاحتْ فَاطِمةُ الزَّهراءُ ونَاشَدتْهم اللهَ، فأخذُوا سَيفَيْ عليٍّ والزُّبَيرِ فَضَربُوا بهما الجِدارَ حتى كَسرُوهُما".

     قَال التَّبرِيزي: "وله شَاهدٌ صَحِيحٌ مِن حَدِيثِ زَيدِ بنِ أسلمَ عندَ ابنِ أبِي شَيبةَ وابنِ جَريرِ والطَّبرِي يأتِي في تَرجُمةِ زَيدِ بنِ أسلمَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى". انتهى.

     وعندَ العَودةِ إلى تَرجُمةِ زَيدِ بنِ أسلمَ منَ "الإكمَال" ص 195 تَجدُه يَذكُرُ هذِه الرِّوايةَ: " قَال مالكٌ: عن زَيدِ بنِ أسلمَ عن أبيهِ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ دَخلَ على أبِي بَكرٍ وهو يُحبِّذُ لسَانَه، فَقَال له عُمرُ: غَفرَ اللهُ لك. فَقَال أبو بَكرٍ: إنَّ هذا أورَدنِي المَوارِدَ، وفي رِوايةٍ عندَ أبنِ أبِي شَيبةَ: هاه إنَّ هذا أورَدنِي المَوارِدَ، والخَبرُ صَحِيحٌ أخرَجَه مالكٌ في (الموطأ) 2: 988، كِتَابُ الأحكَامِ، وابنُ أبِي شَيبةَ في (المصنف) 14: 568، 9: 66، وابو يَعلى في (المسند) 1: 36". انتهى

     وهذا الكَلامُ مِن أبِي بَكرٍ هنا فيه إشارةٌ وَاضِحةٌ لما رَواه الضِّياءُ المقدسِي في "الأحادِيث المُختارَة" 1: 89 بسَندٍ حَسنٍ بأنَّ أبا بَكرٍ قَال في مَرضِ مَوتِه: (أما أنِّي لا آسى على شَيءٍ في الدُّنيا إلا على ثَلاثةٍ فَعلْتُهنَّ، ووَدَدتُّ أنِّي لم أفعَلْهنَّ (ثم ذَكرَ) فوَدَدتُّ أنِّي لم أكشِفْ عن بَيتِ فَاطِمةَ وتَركْتُه ولو أُغلقَ على حَربٍ). انتهى.

     هذا، وقد اعْترفَ ابنُ تَيمِيةَ بأنَّ أبا بَكرٍ كبسَ بَيتَ الزَّهراءِ (عليها السلام) فعلاً ليَنظُرَ ما فيه وأنَّه هل يُوجدُ فيه شيءٌ مِن مالِ اللهِ حتى يُقسِّمَه ويُعطِيَه لمُستحقِّيهِ [راجعْ: مِنهاجَ السُّنةِ النَّبويةِ 8: 291]، وهو عُذرٌ أقبحُ مِن ذَنبٍ كما يُقالُ، فهَذا مَعنَاه أنَّ أبا بَكرٍ لم يَكتفِ بانْتِهاكِ حُرمةِ بَيتِ أهلِ النُّبوَّةِ حتى يَتَّهمَ أهلَه بأخذِ أموَالِ المُسلِمينَ بغَيرِ حقٍّ.. وما عِشتَ أراكَ الدَّهرُ عَجباً!! 

     فإذا عَرفْنا كلَّ هذِه الطَّامَّاتِ مِن إغضَابِ الزَّهراءِ (عليها السلام ) وانْتهاكِ حُرمةِ البَيتِ النَّبوِيِّ وقد ثَبتَ في البُخارِي [ 4: 210] بأنَّ رسُولَ اللهِ ‏(ص) ‏قَال: (‏‏فَاطِمةُ ‏بَضعةٌ منِّي فمَن أغضَبَها أغضَبنِي).

     وثَبتَ فيه أيضاً [ 6: 158] أنَّه (ص) قَال عن فَاطِمةَ: (‏إنَّما ‏هي ‏بَضعةٌ ‏منِّي يُرِيبُني ما أرابَها ويُؤذِينِي ما آذاهَا).

     وأيضاً جاءَ عن النَّبيِّ (ص) قَوله: (سِتةٌ لعَنَهم اللهُ وكلُّ نَبيٍّ مُجابٍ، الزَّائدُ في كِتَابِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، إلى أنْ يَقُولَ: والمُستَحلُّ مِن عِترَتِي ما حرَّمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)) [خرَّجه الذَّهبيُّ في كِتَابِه "الكَبائر": 294 مِن حَديثِ عَائِشةَ وقَال: إسنَادُه صَحِيحٌ].

     وجاءَ في القُرآنِ الكَريمِ قَولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} الأحزاب: .57

     فهل بعدَ كلِّ هذِه البَيانَاتِ والبيِّناتِ يَصحُّ مِن عليٍّ (عليه السلام) أنْ يُحبَّ مَن أغضبَ اللهَ ورسُولَه وآذى اللهَ ورسُولَه بإغضَابِه وأذيِتِّه لأهلِ بَيتِ النُّبوَّةِ والبَضعةِ الزَّهراءِ (عليها السلام)؟!!!

     لن تَجدَ عَاقلاً أو مُتشرِّعاً يَقُول بذلِك.

     تَقُول: فما سرُّ تَسمِيةِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) لأحدِ أبنَائِه باسْمِ أبِي بَكرٍ .. ألا يَدلُّ هذا على المَحبَّةِ؟

     قُلنا: الوَاردُ في كُتبِ التأرِيخِ أنَّ هذِه كُنيةٌ ولَيستْ اسْماً، تَكنَّى بها أحدُ أولَادِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) واسْمُه مُحمَّد الأصْغرُ وأُمُّه ليلَى بِنتُ مَسعُودِ الدَّارمِية، المَعرُوفة بالنَّهشليَة، كما يُؤكِّدُ ذلك الشَّيخُ المُفِيدُ في "الإرشاد"1: 354، والطبرسي في " أعلَام الوَرى " 1: 396 ، وابنُ البِطريقِ في "العمدة": 30، وابنُ الصَّباغِ المَالِكي في " الفُصول المُهمَّة" 1: 644، وغَيرُهم.

     وهذِه الكُنيةُ لم يَثبُتْ أنَّها كَانتْ باخْتيَارٍ مِن أميرِ المُؤمِنينَ (عليه السلام) فَضلاً عن دِلالَةِ المَحبَّةِ هذِه؛ إذ المَعرُوفُ أنَّ ليلَى بِنتَ مَسعُودِ الدَّارمِية قد تَزوَّجَها أميرُ المُؤمِنينَ (عليه السلام) بعدَ أنْ جاءَ إلى البَصرَةِ في رَبيعِ الأولِ سنةَ خمسٍ وثَلاثِينَ للهِجرَةِ بعدَ وَقعةِ الجَملِ، والبَصرةُ كَانتْ يَومَها عُثمَانِيةَ الهَوى، فقد يَكُون التَّكنِّي جاءَه مِن أخوَالِه وليس منْه (عليه السلام).

     ولو سَلَّمنَا أنَّها كَانتْ باخْتيَارِه (عليه السلام) فما الَّذي يُثبِتُ أنَّ التَّسمِّيَ بها كانَ بدَافعِ المَحبَّةِ وليس بدَافعِ المُدارَاةِ؟!!

     فكلُّ ما يَدَّعُونَه لا يُوجدُ دَليلٌ صَحِيحٌ وَاحدٌ عليْه.. فَضلاً عن شُيوعِ هذِه الأسمَاءِ والكُنى في ذلك الزَّمانِ ولم يَكُن لها المَعنَى الرَّمزيُّ الَّذي يَنصرِفُ عندَ الإطلَاقِ  كما هو في زَمانِنا الآنَ بحيثُ تَكُون للتَّسمِيةِ دِلالَاتٌ مُعيَّنةٌ!!

     وأما دَعوَى أنَّ أبا بَكرٍ هو صَاحبُ رسُولِ اللهِ (ص) في الغَارِ فقد تَقدَّمَ في جَوابٍ مُستقِلٍّ لنا تَفنِيدُ هذِه الدَعوَى وأنَّها تُخالِفُ ما وَردَ في القُرآنِ والسُّنةِ الصَّحِيحةِ عندَهم فَضلاً عن غَيرِهم مِن حَقائِقَ تُعارِضُ هذا المُدَّعى تَماماً. 

     ودُمتُم سَالِمينَ.