لبسُ السّوادِ في أيّامِ العزاء   

561 - هل هناكَ أدلّةٌ روائيّةٌ على استحبابِ لبسِ السّوادِ حُزناً على سيّدِ الشهداء وباقي الأئمّةِ عليهم السّلام، فمنَ المعلومِ تظافرُ الأحاديثِ على كراهةِ لبسِ السّواد؟  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قالَ المُحقّقُ البحراني: لا يبعدُ استثناءُ لبسِ السّوادِ في مأتمِ الحُسين (عليه السّلام) من هذهِ الأخبارِ لِما استفاضَت بهِ الأخبارُ منَ الأمرِ بإظهارِ شعائرِ الأحزان.  

ثمَّ أيّدَه بما رواهُ البرقي في كتابِ المحاسنِ بالإسنادِ عن عمرَ بنِ زينِ العابدين (عليهِ السّلام) قالَ: لمّا قُتلَ الحسينُ بنُ عليٍّ (ع) لبسنَ نساءُ بني هاشمٍ السّوادَ والمسوحَ وكُنَّ لا يشتكينَ مِن حرٍّ ولا برد وكانَ عليُّ بنُ الحسين (ع) يعملُ لهنَّ الطعامَ للمأتم. (الحدائقُ النّاضرة: 7 / 118).  

ـ قالَ الشيخُ التبريزيُّ: والوجهُ في عدمِ الشّمول: إنّ في لبسِ المؤمنينَ الثياب السّوداء في وفيّاتِ الأئمّةِ (عليهم السّلام) وبالخصوصِ في أيّامِ محرّمٍ الحرام وشهرِ صفر، إظهاراً لمودّتِهم وحبِّهم لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) فيحزنونَ لحُزنِهم، وإنَّ هذا العملَ منَ المؤمنينَ إحياءٌ لأمرِ أهلِ البيت (عليهم السلام) وقد رويَ عنهم (عليهم السّلام): رحمَ اللهُ مَن أحيا أمرنا. (رسالةٌ مُختصرةٌ في لبسِ السّواد ص21 – 22).  

وذلكَ بعدَ أن خصّصَ الشيخُ مفادَ الرّواياتِ الناهيةِ عن لبسِ السّوادِ بما إذ كانَ مِن مُختصّاتِ أعداءِ الدّين، فقالَ بعدَ ذكرِ بعضِ الرّوايات: وهناكَ رواياتٌ كثيرةٌ دلّت على كراهةِ لبسِ السّوادِ مُطلقاً، نعم هنا روايةٌ مُعتبرةٌ للسكوني لها مفادٌ آخر وهيَ: عن إسماعيلَ بنِ مُسلمٍ عنِ الصّادق (ع) قالَ: إنه أوحى اللهُ إلى نبيّ من أنبيائه: قُل للمؤمنينَ: لا تلبسوا لباسَ أعدائي، ولا تطعموا مطاعمَ أعدائي، ولا تسلكوا مسالكَ أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هُم أعدائي.   

ونحنُ نلتزمُ بمضمونِ هذه الرّواياتِ فنقول: إنّ اللباسَ إذا إختصّ به أعداءُ الدّينِ فلا يجوزُ لبسُه، مثلَ القبّعةِ التي يختصُّ بلبسِها اليهود.  

ولكنَّ لباسَ السّوادِ لم يثبُت إختصاصُ لبسِه بأعداءِ الدين.  

نعم، يمكنُ ثبوتُ الإختصاصِ بخصوصِ (اللبادةِ السّوداء) فإنّ لبسَها مِن مُختصّاتِ علماءِ اليهودِ والنّصارى، وإذا ثبتَ ذلكَ فيها فلبسُها حرام. (رسالةٌ مختصرةٌ في لبسِ الثواب ص18 – 19).  

  

  

ـ وقالَ الفقيهُ السيّدُ جعفر الطباطبائي حفيدُ صاحبِ الرّياض، بعدَ أن ذكرَ رواياتِ لبسِ السّواد:  

والذي يظهرُ مِن مجموعِها ... أنّ كراهةَ لبسِ السّوادِ ليسَ مِن حيثُ كونه لبسَ سوادٍ تعبّداً. وإلّا لما استثنى ما استثنى منهُ مِن نحوِ الخفِّ والعمامةِ والكساء، بل إنّما هيَ مِن حيثُ كونه زيَّ أعداءِ اللهِ سُبحانَه الذينَ إتّخذوه مِن بينِ سائرِ الألوانِ ملابسَ لهم، فيكونُ الممنوعُ عنه حينئذٍ التزيّ بزيّهم والتشبّهَ بهم، الذي منهُ التلبّسُ بما إتّخذوهُ ملبساً لأنفسِهم، الذي ليسَ منه الكساءُ والعمامةُ وغيرُهما، ممّا إستثني منهُ في النّصوصِ المُتقدّمِ إليها الإشارة.  

ومعلومٌ أنّ عنوانَ التشبّهِ بهم ونحوَه منَ التزيّ بزيّهم لا يتأتّى معَ كونِ القصدِ مِن ذلكَ غيره، بل الدخولُ في عنوانٍ هو في نفسِه مطلوبٌ من حيثُ هو كذلكَ مندوبٌ شرعاً، وهو التلبّسُ بلباسِ المُصابِ المعهودِ في العُرفِ والعادةِ قديماً وحديثاً للتحزّنِ على مولانا الحُسينِ صلواتُ اللهِ عليه، في أيّامِ مأتمِه كما يرشدُ إليهِ ما مرّ من حديثِ لبسِ نساءِ أهلِ البيتِ (ع)  السّوادَ بعدَ قتلِه (ع) في مأتمِه المُتضمّنِ كما عرفتَ لتقريرِ الإمامِ (ع) لذلك، إذ لولا كون لبسِ السّوادِ منَ التلبّسِ بلباسِ المُصابِ المعهودِ مِن قديمِ الزّمانِ في العُرفِ والعادةِ لما إخترنَ ذلكَ على غيرِه مع معلوميّةِ كونِ غرضهنّ مِن ذلكَ ليسَ إلّا التحزّنُ به عليهِ (ع). هذا معَ أنّ في النساءِ مثلُ الصدّيقةِ الصّغرى زينبَ بنتِ عليٍّ صلواتُ اللهِ عليها ... فكيفَ يخفى على مثلِها مع تلكَ الجلالةِ وعظمِ الشّأنِ والقدرِ والنبالةِ تلكَ الكراهةُ الشديدةُ المُستفادُ منَ الأدلّة، فإن هو إلّا لعدمِ تحقّقِ ذلكَ العنوانِ غير المحبوبِ في نحوِ هذا التلبّسِ المطلوبِ مِن حيثُ كونِ المقصودِ عنواناً آخرَ غيرَ التشبّهِ والتزيّ بزيّ الأعداء. (إرشادُ العبادِ إلى إستحبابِ لبسِ السّواد، للسيّدِ جعفر الطباطبائي ص34 – 37)  

إلى أن قال:  

وبالجُملةِ الإنصافُ يقتضي الإعترافَ بعدمِ شمولِ أدلّةِ كراهةِ لبسِ السّواد ... لِما لو كانَ المقصودُ منه ُالتحزّنُ بذلكَ على مولانا الحُسينِ (ع) في أيّامِ مأتمِه بعدَما عرفتَ مِن كونِه هوَ المعهودَ في العُرفِ والعادةِ مِن قديمِ الزّمانِ لكلِّ مفقودٍ عزيزٍ جليل، سيما بعدَ صيرورتِه مِن شعارِ الشيعةِ قديماً وحديثاً مِن علمائِهم فضلاً عن غيرِهم ...   

ثمَّ ذكرَ الحديثَ المرويَّ عن أحمدَ بنِ إسحاقَ عنِ الإمامِ العسكري (ع) في فضائلِ يومِ التّاسعِ مِن ربيع، وأنّ له سبعونَ إسماً منها: أنّهُ يومُ نزعِ لباسِ السّواد، إظهاراً للفرحِ والسّرور، والمطلوبُ فيه للمؤمنينَ الذي لا يناسبُه لبسُ السّوادِ فيه.

وقالَ: ولا يخفى ما فيهِ منَ الإشعارِ بل الظهورِ في معهوديّةِ لبسِ السّواد عندَ الخواصِّ وهُم الشيعةُ قبلَ هذا اليومِ لعدمِ شمولِ الأمرِ بالنّزعِ لغيرِهم بالضرورةِ، ومعلومٌ أنّ ذلكَ لا يكونُ إلّا لمفقودٍ عزيزٍ وهل هوَ إلّا للتحزّمِ على ما جرى على مولانا الحُسين (ع) وأهلِ بيتِه في الشهرينِ المعلومينِ الذينَ جرَت عادةُ نوعِ الشّيعةِ على لبسِ السوادِ فيهما مِن قديمِ الزّمان لأجلِه، وإن احتُملَ كونُ المرادِ منهُ مطلوبيّةُ إظهارِ الفرحِ والسّرورِ في هذا اليومِ للخواصِّ الذي لا يناسبُه لبسُ السّوادِ لو كانَ لغيرِه عليه السّلام ممَّن فقد منهم إلّا أنّ ما ذكرناهُ لعلّهُ أظهرُ إلى المراد.   

وعلى كِلا التقديرينِ يدلُّ دلالةً وافيةً على أنّهُ لباسُ حزنٍ متعارفٍ لبسُه بينَ النّاس لمَن فقدَ منهم ممَّن ينبغي لهُ ذلك، فيشملهُ حينئذٍ عمومُ ما دلّ على مطلوبيّةِ شعارِ الحزنِ والتحزّنِ عليه في مأتمِه عليه السّلام، بما يصدقُ عليه ذلكَ في العُرفِ والعادةِ بالأخبارِ المُستفيضةِ بل المتواترةِ معنىً الدالّةِ على ذلكَ على اختلافِ مواردِها ومضامينِها من غيرِ حاجةٍ إلى ثبوتِ كلِّ فردٍ ومصداقٍ منه بالخصوصِ بدليلٍ مخصوصٍ، بل يكفي مجرّدُ كونِه ممّا يصدقُ عليه ذلكَ في العرفِ والعادةِ سيما لو كانَ ممّا جرَت عليهِ السيرةُ كما نحنُ فيه.   

وقالَ: وبالجُملةِ لا ينبغي التأمّلُ في عدمِ شمولِ أدلّةِ كراهةِ لبسِ السّواد لما نحنُ فيه، كما لا ينبغي التأمّلُ في رجحانِه شرعاً لهذا المندوبِ بعمومِه كذلكَ بعدَ ارتفاعِ الكراهة ... (إرشادُ العبادِ إلى استحبابِ لبسِ السّواد، للسيّدِ جعفرٍ الطباطبائي ص39 – 41 - 45 – 46).  

وقالَ: والظاهرُ أنّهُ لا فرقَ سيما على ما حقّقناهُ بينَ لبسِه في مأتمِ مولانا الحُسينِ أرواحُنا له الفداء وغيرِه منَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، و غيرِه من سائرِ الأئمّةِ عليهم السّلام، بل النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله كمولانا الأميرِ صلواتُ اللهِ عليهما أولى بذلكَ منه ( ع ) لأنَّ لبسَه في مأتمِ كلِّ واحدٍ منهم نوعٌ مِن تعظيمِ شعائرِ اللهِ سبحانَه قطعاً فيكونُ حينئذٍ راجحاً بل قد يلحقُ بهم غيرُهم أيضاً من هذهِ الحيثيّةِ كالعلماءِ ونحوِهم ممَّن يكونُ تعظيمُه نوعاً من تعظيمِ شعائرِ الله وشعائرِ الإسلامِ لو فرَضنا كونَه نوعاً مِن تعظيمِه عُرفاً. (إرشادُ العبادِ إلى استحبابِ لبسِ السّواد، للسيّدِ جعفرٍ الطباطبائي ص55).  

  

ـ قالَ الميرزا النوري بعدَ أن ذكرَ بعضَ الرّواياتِ: قلتُ: وفي هذهِ الأخبارِ والقصصِ، إشارةٌ أو دلالةٌ على عدمِ كراهةِ لبسِ السّواد، أو رجحانِه حزناً على أبي عبدِ الله (عليهِ السّلام)، كما عليهِ سيرةُ كثيرٍ في أيّامِ حُزنِه ومأتمِه. (مستدركُ الوسائل: 3 / 328).  

  

ـ أمّا بالنّسبةِ إلى الرّوايات:  

1ـ روى ابنُ سعدٍ في الطبقاتِ بإسنادِه عن أبي رزين ، قالَ : خطبنا الحسنُ بنُ عليٍّ وعليهِ ثيابٌ سود وعمامةٌ سوداء. (الطبقاتُ الكُبرى: 6 / 377، سيرُ أعلامِ النّبلاء: 3 / 267، ونقلَه السيّدُ علي خان المدني في الدرجاتِ الرّفيعة ص147).  

وهذهِ الخطبةُ كانَت بعدَ شهادةِ أميرِ المؤمنينَ (ع)، فكانَ لباسُ السّوادِ حداداً وحزناً على أميرِ المؤمنين (ع).   

2ـ روى البرقيُّ بإسنادِه عن عمرَ بنِ عليٍّ بنِ الحُسين ، قالَ : لمّا قُتلَ الحسينُ بنُ عليٍّ ( ع ) لبسنَ نساءُ بني هاشمٍ السّوادَ والمسوحَ وكُنَّ لا يشتكينَ مِن حرٍّ ولا برد وكانَ عليُّ بنُ الحسين (ع) يعملُ لهنَّ الطّعامَ للمأتم. (المحاسنُ للبرقي: 2 / 420).  

ولبسُ نساءِ بني هاشم السّواد – وفيهنّ مثلُ زينبَ الكُبرى - وبمحضرِ الإمام السجّادِ (ع) ولم يردعهنّ، دالٌّ على عدمِ الكراهة.  

3ـ وردَ في روايةِ أحمدَ بنِ إسحاق عنِ الإمامِ العسكري (ع) في فضيلةِ يومِ التاسعِ مِن ربيعٍ أنّه: يومُ نزعِ السّواد. (المحتضر ص99).  

وقد تقدّمَ بيانُ وجهِها في كلامِ السيّدِ جعفرٍ حفيدِ صاحبِ الرّياض.  

4ـ روى إبنُ قولويه بسندِه عن هشامٍ بنِ سعد، قاَل: أخبرَني المشيخةُ أنَّ الملكَ الذي جاءَ إلى رسولِ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) وأخبرَه بقتلِ الحسينِ بنِ علي (عليهما السّلام) كانَ ملكَ البحارِ ، وذلكَ أنَّ ملكاً مِن ملائكةِ الفردوسِ نزلَ على البحرِ فنشرَ أجنحتَه عليها ، ثمَّ صاحَ صيحةً وقالَ : يا أهلَ البحارِ، البسوا أثوابَ الحزنِ فإنَّ فرخَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مذبوحٌ ، ثمَّ حملَ مِن تربتِه في أجنحتِه إلى السّماواتِ ، فلم يبقَ ملكٌ فيها إلّا شمّها وصارَ عندَه لها أثرٌ ولعنَ قتلتَه وأشياعَهم وأتباعَهم. (كاملُ الزّيارات ص143).  

وأثوابُ الحزنِ هوَ السّواد.  

5- روى الصفّارُ بسندِه عن حنظلةَ عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قال خطبَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله يوماً بعد أن يُصلّي الفجرَ في المسجدِ وعليه قميصةٌ سوداء فأمرَ فيهِ ونهى ووعظَ فيه وذكر ... وذكرَ الإمامُ (ع) أنّهُ (ص) توفّيَ في ذلكَ اليوم .

(بصائرُ الدّرجات ص324).  

6- وروى القاضي النّعمان عن أبي نعيم ، بإسنادِه ، عن أمِّ سلمة ، أنّها لمّا بلغَها مقتلُ الحسينِ عليه السّلام ضربَت قبّةً في مسجدِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله جلسَت فيها ولبسَت سواداً. (شرحُ الأخبار: 3 / 171).

7ـ الطريحيُّ في المُنتخبِ، أنَّ يزيد لعنَه اللهُ لمّا أصبحَ إستدعى بحرمِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليه وآله)، فقالَ لهنَّ : أيّما أحبُّ إليكنَّ المقامُ عندي أو الرّجوعُ إلى المدينةِ ، ولكُم الجائزةُ السنيّةُ ؟ قالوا : نحبُّ أوّلاً أن ننوحَ على الحُسينِ ( عليهِ السّلام ) قال : إفعلوا ما بدا لكم ، ثمَّ أخليَت لهنَّ الحجرُ والبيوتُ في دمشقَ ، فلم تبقَ هاشميّةٌ ولا قرشيّةٌ ، إلّا ولبسَت السّوادَ على الحُسينِ ( عليه السّلام ) ، وندبوهُ على ما نقلَ سبعةَ أيّام ، الخبر . (المنتخبُ للطريحي ص452، وعنهُ مستدركُ الوسائل: 3 / 327).  

8- الطريحي في المُنتخب:  ونُقلَ أنَّ سكينةَ بنتَ الحسين ( عليه السّلام ) ، قالت : يا يزيدُ رأيتُ البارحةَ رؤيا - وذكرَت الرّؤيا إلى أن قالَت - : فإذا بخمسِ نسوةٍ قد عظّمَ اللهُ خلقتهنَّ ، وزادَ في نورهنَّ ، وبينهنَّ إمرأةٌ عظيمةُ الخلقةِ ناشرةٌ شعرَها ، وعليها ثيابٌ سود ، وبيدِها قميصٌ مضمّخٌ بالدمِ - إلى أن ذكرَت أنّها كانَت فاطمةَ الزّهراء ( عليها السّلام ) - الخبرُ . (المنتخبُ للطريحي ص450، وعنهُ مستدركُ الوسائل: 3 / 327.)  

وغيرُها من الرّواياتِ الكثيرة.  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.