هل يدخلُ أبو ذرٍّ {رض} ضمنَ دائرةِ (عبدٌ امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمان) حتّى يتحمّلَ ويتقبّلَ ما يحملهُ سلمانُ {رض} مِن علمٍ؟

السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته الكلينيُّ عن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام قالَ: ذُكرَت التقيّةُ يوماً عندَ عليّ بنِ الحُسين عليهما السّلام فقال: واللهِ لو علمَ أبو ذرٍّ ما في قلبِ سلمانَ لقتله ولقد آخا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله بينَهما، فما ظنُّكم بسائرِ الخلق، إنَّ علمَ العُلماءِ صعبٌ مُستصعَب، لا يحتمله إلّا نبيٌّ مُرسَل أو ملكٌ مقرّب أو عبدٌ مؤمنٌ امتحنَ اللهُ قلبه للإيمان، فقالَ: وإنّما صارَ سلمانُ منَ العلماءِ لأنّهُ امرؤٌ منّا أهلَ البيت، فلذلكَ نسبته إلى العلماء .

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

معَ أنَّ هذا الخبرَ مِن أخبارِ الآحادِ إلّا أنَّ عُلماءنا الأعلامَ قد تعرّضوا لهُ ولذا نكتفي بما أفادوا.  

قالَ السيّدُ المُرتضى في بعضِ فوائدِه كما ينقلهُ العلّامةُ المجلسي في بحارِه ج 22، ص 344، حيثُ سُئلَ عَن هذا الخبر: الجوابُ وباللهِ التوفيق إنَّ هذا الخبرَ إذا كانَ مِن أخبارِ الآحادِ التي لا توجبُ علماً ولا تثلجُ صدراً، وكانَ له ظاهرٌ يُنافي المقطوعَ والمعلومَ تأوّلنا ظاهرَه على ما يطابقُ الحقَّ ويوافقه إن كانَ ذلكَ مُستسهلاً، وإلّا فالواجبُ إطراحُه وإبطاله، وإذا كانَ منَ المعلومِ الذي لا يحيلُ سلامةَ سريرةِ كلِّ واحدٍ مِن سلمانَ وأبي ذرٍّ ونقاءَ صدرِ كلِّ واحدٍ منهُما لصاحبِه، وإنّهما ما كانا منَ المدغلين في الدين ولا المُنافقين فلا يجوزُ مع هذا المعلومِ أن يعتقدَ أنَّ الرّسولَ يشهدُ بأنَّ كلَّ واحدٍ منهُما لو اطّلعَ على ما في قلبِ صاحبِه لقتلَه على سبيلِ الاستحلالِ لدمِه، ومِن أجودِ ما قيلَ في تأويله : أنَّ الهاءَ في قتلِه راجعٌ إلى المُطّلِع، لا المُطلّعِ عليه، كأنّهُ أرادَ أنّهُ إذا اطلعَ على ما في قلبِه و علمَ موافقةَ باطنِه لظاهرِه وشدّةَ إخلاصِه له، اشتدَّ ضننُه به، ومحبتُه له، وتمسُّكه بمودّته ونُصرتُه فقتله ذلكَ الضنُّ أو الودُّ بمعنى أنّه كادَ يقتله، كما يقولونَ : فلانٌ يهوى غيرَه، وتشتدُّ محبّتُه له حتّى إنّه قد قتلَه حبُّه، أو أتلفَ نفسَه أو ما جرى مجرى هذا منَ الألفاظِ وتكونُ فائدةُ هذا الخبرِ حُسنَ الثناءِ على الرّجلين، وأنّه آخى بينَهما وباطنُهما كظاهرِهما وسرُّهما في النّقاءِ والصّفاءِ كعلانيتِهما .  

وقال المازندرانيُّ في شرحِ أصولِ الكافي، ج7، ص 5: قوله (فقالَ واللهِ لو علمَ أبو ذرِّ ما في قلبِ سلمان لقتله) المرادُ بما في قلبِ سلمان العلومُ والأسرارُ ومنشأ القتلِ هوَ الحسدُ والعناد، وفيه مبالغةٌ على التقيّةِ منَ الإخوانِ فضلاً عَن أهلِ الظلمِ والعدوان، فإن قُلتَ: هل فيهِ لومٌ لأبي ذرٍّ؟ قلتُ : لا لأنَّ المقصودَ في مواضعِ إستعمالِ (لو) هو أنَّ عدمَ الجزاءِ مترتّبٌ على عدمِ الشرط، وأمّا ثبوتُه فقد يكونُ مُحالاً لابتنائِه على ثبوتِ الشرطِ وثبوتُ الشرطِ قد يكونُ مُحالاً عادةً أو عقلاً كعلمِ أحدِنا بجميعِ ما في القلبِ وثبوتِ حقيقةِ الملائكةِ للمُتكلّم في قولِه : (لو كنتُ ملكاً لم أعصَ) ومِن هذا القبيلِ قوله تعالى : ((ولئِن أشركتَ ليحبطنَّ عملُك)) على أنّهُ يمكنُ أن يكونَ المقصودُ منَ التعليقِ هو التعريضُ بوجوبِ التقيّةِ وكتمانِ الأسرارِ على مَن يُخافُ منه الضررُ كما في قولِك: (واللهِ لو شتمني الأميرُ لضربتُه) فإنّهُ تعريضٌ بشاتمٍ آخر وتهديدٌ له بالضّربِ بدليلِ أنَّ الأميرَ ما شتمكَ ولو شتمكَ؛ لما أمكنكَ ضربُه. فليتأمّل  

وقالَ العلّامةُ المجلسي في البحار 22/343: وقيلَ: الضميرُ المرفوعُ راجعٌ إلى العلم، والمنصوبُ إلى أبي ذرٍّ أي لقتلَ وأهلكَ ذلكَ العلمُ أبا ذر، أي كانَ لا يحتمله عقله فيكفرُ بذلك، أولا يطيقُ سترَه وصيانتَه فيظهرُه للناسِ فيقتلونَه.