في قولِه تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً)، مَن هوَ الخليفةُ الموجودُ حاليّاً؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكمُ ورحمةُ الله، 

يعتقدُ علماءُ الإماميّةِ قديماً وحديثاً - في مسألةِ الإمامةِ - أنّ خليفةَ اللهِ تعالى في الأرضِ أو الإمامَ يجبُ أن يكونَ منصوصاً عليه، أي يجبُ أن يكونَ تنصيبُه بواسطةِ النصِّ عليهِ وليسَ باجتماعِ أهلِ الشورى، ولا بما يفرضُه أهلُ الحلِّ والعقد، ولا بالغلبةِ كما يذهبُ إلى ذلكَ علماءُ العامّة، ومِن أهمِّ الأدلّةِ التي يستدلُّ بها علماءُ الإماميّةِ على ذلكَ هيَ ما وردَ في قولِه تعالى: {وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30]، إذ إنّ هذهِ الآيةَ وإن كانَت واردةً في نبيّ اللهِ آدم (عليه السّلام)، لكنّها بيّنَت الخطَّ العامّ والأصيلَ فيما يتعلّقُ بخليفةِ اللهِ تعالى في أرضِه، ويؤيّدُ ذلكَ أنّهُ جاءَ في آياتٍ أُخرَ ما يُثبتُ أنّ الخليفةَ إنّما يكونُ بالتعيينِ والنصِّ كما في قولِه تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ}[ص : 26]، وكذلكَ قولهُ تعالى على لسانِ موسى (ع): {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخلُفنِي فِي قَومِي وَأَصلِح وَلَا تَتَّبِع سَبِيلَ المُفسِدِينَ} [الأعرافُ : 142].   

زِد على ذلكَ أنّ هذهِ الآيةَ كانَ النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأئمّةُ أهلِ البيتِ عليهم السّلام يستدلّونَ بها لإثباتِ تنصيبِ الخليفةِ والإمامِ في الأرض، فقد روى الشيخُ الصّدوق (ره) في كتابِه (عيونُ أخبارِ الرّضا (ج2/ص12) بإسنادِه إلى يحيى بنِ سعيدٍ البلخيّ عن عليٍّ بنِ موسى الرّضا (ع) عن آبائِه عن عليٍّ عليه السّلام قالَ: بينَما أنا أمشي معَ النبيّ صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم في بعضِ طرقاتِ المدينةِ إذ لقينا شيخٌ طويلٌ كثيفُ اللحيةِ بعيدُ ما بينَ المنكبين، فسلّمَ على النبيّ صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم، ثُمَّ التفتَ إليّ فقال: السلامُ عليكَ يا رابعَ الخلفاءِ ورحمةُ اللّهِ وبركاتُه، أليسَ كذلكَ هوَ يا رسولَ اللّه؟ فقالَ له رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم: بلى، ثمَّ مضى فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ما هذا الذي قالَ لي هذا الشيخُ وتصديقُكَ له ؟ فقالَ : أنتَ كذلكَ والحمدُ للّهِ ، إنّ اللّهَ عزّ وجلّ قالَ في الكتاب: إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً، والخليفةُ المَجعولُ فيها: آدم ، وقالَ اللّهُ عزَّ وجل : يا داوُدُ إِنَّا جَعَلناك خَلِيفَةً فِي الأَرض فَاحكُم بَين النَّاس بِالحَق، فهوَ الثاني، وقالَ عزّ وجلّ حكايةً عن موسى حينَ قالَ لهارون : اخلُفنِي فِي قَومِي وأَصلِح، فهوَ هارونُ إذِ استخلفَه موسى في قوِمه فهوَ الثالث ، وقالَ عزّ وجلّ : وأَذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِه إِلَى النَّاسِ يَوم الحَجِّ الأَكبَرِ، فكنتَ أنتَ المُبلّغَ عَن اللّهِ وعنّي، وأنتَ وليّي ووصيّي ، وقاضي ديني والمؤدّي عنّي ، وأنتَ منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ، إلّا أنّهُ لا نبيّ بعدي ، فأنتَ رابعُ الخلفاءِ كما سلّم عليكَ الشيخ، أَوَ لا تدري مَن هو ؟ قلتُ: لا ، قالَ : هو الخضرُ عليهِ السّلام.  

وروى الشيخُ الكُلينيّ (ره) في كتابِه (أصولُ الكافي ج1/ص312) بإسنادِه إلى محمّدٍ بنِ إسحاقَ بنِ عمّار، قالَ: قلتُ لأبي الحسنِ الأوّلِ (ع) [يعني الكاظم (ع)]: ألا تدلّني على مَن آخذُ عنهُ ديني؟ فقالَ: هذا ابني عليّ. إنّ أبي أخذَ بيدي فأدخلني إلى قبرِ رسولِ اللهِ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله)، فقال يا بُني! إنّ اللهَ عزّ وجلّ قالَ: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً)، وإنّ اللهَ عزّ وجلّ إذا قالَ قولاً وَفَى به. وغيرُ ذلكَ منَ الرّواياتِ التي تفيدُ ذلك.  

ثُمَّ لـمّا وصلَت خلافةُ الأرضِ إلى سيّدِ الخلقِ وصفوةِ البشرِ رسولِنا الأكرمِ محمّدٍ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم)، فإنّه اعتنى بأمرِ الخلافةِ مِن بعدِه أيّما اعتناء، فخلّفَ مِن بعدِه في أمّتِه خليفتينِ (الكتابَ والعترة)، فكانَ كلُّ واحدٍ مِن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام منصوصاً عليهِ بمُقتضى حديثِ الثقلينِ الصّادعِ به سيّدُ الثقلينِ رسولُنا الأكرمُ محمّدٌ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم) ، وهوَ منَ الأحاديثِ الصّحيحةِ الثابتةِ والمشهورةِ بل المتواترةِ عن رسولِنا الأكرمِ محمّدٍ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم)، ولا يُنكرُه إلّا مطموسُ البصيرةِ معصوبُ العينين. ثُمّ إنّ رسولنا الأكرمَ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم) بيّنَ عددَ الخلفاءِ الذينَ سيخلفونَه مِن بعدِه بقولِه الثابتِ عنهُ أيضاً: لا ينقضي هذا الأمرُ حتّى يكونَ مِن بعدي إثنا عشرَ خليفةً كلّهم مِن قريش.

وهذا العددُ منَ الخلفاءِ لم تستطِع أيُّ فرقةٍ مِن فرقِ المُسلمينَ – عدا الإماميّةِ - مِن تطبيقِها على خلفائِها، إذ بعضُها طبّقَها على الخلفاءِ الأربعةِ أو الخمسة، وبعضُهم أدخلَ فيهم بني أميّة، وبعضُهم الآخرُ أدخلَ بعضَ خلفاءِ بني العبّاس، معَ أنّ كثيراً مِن خلفاءِ بني أميّةَ وبني العبّاسِ معروفونَ لدى القاصي والداني منَ المُنصفينَ بأنّهم لا يستحقّونَ أن يُديروا بيتاً مِن بيوتِهم الخاصّةِ فضلاً عن خلافةِ الأرضِ وإدارتِها، وغير ذلكَ منَ الآراءِ التي احتارَ فيها أهلُ السنّةِ مِن تقديمِ جوابٍ شافٍ عَن المقصودينَ منَ الخلفاءِ في حديثِ الرّسولِ الأكرمِ محمّدٍ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم)، وأمّا الإماميّةُ فإنّها الفرقةُ الوحيدةُ التي استطاعَت أن تُبيّنَ المقصودَ مِن هؤلاءِ الخلفاءِ الاثني عشر بالأدلّةِ الصريحةِ الصّحيحة، وقدّمَت أسماءَ الأئمّةِ عليهم السّلام الذينَ هُم حقّاً كانوا المقصودينَ في هذا الحديثِ الصّحيح، بدءاً بأميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام وانتهاءً بالإمامِ الحُجّةِ المُنتظر (عج)، ودليلهم على أنّ خليفةَ اللهِ في أرضِه حاليّاً هوَ الإمامُ الحُجّة (عج) ، هوَ أنّ الحجّةَ (عج) يُعَـدُّ مِن عترةِ النبيّ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم)، بنصِّ النبيّ الأكرمِ محمّدٍ (صلّى اللّهُ عليهِ وآله وسلّم) على ذلكَ في الحديثِ الصحيحِ عنه لـمّا قال: المهديُّ مِن عترتي مِن ولدِ فاطمة. ولـمّا أفادَ حديثُ الثقلينِ آنفاً بأنّ خلفاءَ رسولِ اللهِ (صلّى اللّهُ عليهِ وآلة) هُم منَ العترةِ، فيثبتُ بذلكَ أنّ الحُجّةَ (عج) هوَ خليفةُ اللهِ تعالى في أرضِه حاليّاً.   

وبعبارةٍ منطقيّةٍ نقول:   

كُلُّ خليفةٍ مِن خلفاءِ رسولِ الله (صلّى اللّهُ عليهِ وآله ) هوَ منَ العترةِ (هذه مقدّمةٌ كُبرى).  

ومنَ العترةِ الحجّةُ المهديّ (عج). (مقدّمةٌ صُغرى).  

وبحذفِ الحدِّ الأوسطِ ينتج: أنّ خليفةَ رسولِ اللهِ هوَ الحُجّةُ المهديّ (عج). وهوَ المطلوب. ودمتُم سالِمين.