أقوالُ بعضِ العُلماءِ في سهو النبيّ (ص)

ما رأيُ عُلمائِنا المُتأخّرينَ في العلماءِ المُتقدّمينَ ممَّن لم يكُن يرى العصمةَ لأهلِ البيتِ عليهم السلام وكانَ يرى القولَ بها منَ الغلوّ في أهلِ البيتِ عليهم السلام؟؟!!

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته العصمةُ مِن ضروريّاتِ مذهبِ الشيعةِ الإماميّة الإثني عشريّة، ولم يُخالِف فيها أحدٌ منَ العلماء، لا منَ المُتقدّمينَ ولا منَ المُتأخّرين، قالَ الحسينُ بنُ سعيدٍ الأهوازي (وهوَ مِن أصحابِ الإمامِ الرّضا والجوادِ والهادي عليهم السلام) مُعلّقاً على روايةٍ رواها عن الإمامِ الصّادقِ (ع) يقولُ: إنّا لنُذنبُ ونُسيئ ثمَّ نتوبُ إلى اللهِ متاباً. قالَ الحسينُ بنُ سعيد: لا خلافَ بينَ عُلمائِنا في أنّهم عليهم السّلام معصومونَ مِن كلِّ قبيحٍ مُطلقاً، وأنّهم عليهم السّلام يسمّونَ تركَ المندوبِ ذنباً وسيّئةً بالنسبةِ إلى كمالِهم عليهم السلام. (كتابُ الزُّهدِ للحُسينِ بنِ سعيد، ص73، وفي طبعةٍ أخرى، ص114). وقال الشيخ الصدوق: باب الاعتقاد في العصمة: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة صلوات الله عليهم أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبا، لا صغيرا ولا كبيرا، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.ومن نفي عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم.واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها، لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل . (الإعتقادات للصدوق، ص96).وعصمةُ الأئمّةِ عليهم السّلام ممّا علمَها المؤالفُ والمُخالف، ونسبَها إليهم حتّى المُخالفينَ في كتبِهم. نعم، وقعَ خلافٌ بسيطٌ في مسألةِ سهوّ النبيّ (ص)، حيثُ ذهبَ الشيخُ الصّدوقُ وأستاذُه ابنُ الوليد، إلى وقوعِ السّهوِ منَ النبيّ (ص)، ومرادُه منَ السّهوِ هوَ الإسهاءُ، بمعنى أنّ اللهَ أسهى نبيَّه، بأن أنامَه عن صلاةِ الفجرِ في يومٍ منَ الأيّام، وأسهاهُ في صلاتِه وجعلَه يسلّمُ في غيرِ موضعِ التسليم، ويرى أنّ الفائدةَ منَ الإسهاءِ كي لا يعتقدَ الناسُ بربوبيّةِ النبيّ (ص) ومِن ثمَّ عبادتِه، وليتعلّموا أحكامَ السّهو. وليسَ سهوُ النبيّ (ص) كسهوِنا، فإنّ سهوَنا منَ الشيطان، والشيطانُ لا سلطانَ له على النبيّ والأئمّةِ (عليهم السّلام). ثمَّ اتّهمَ هوَ وشيخُه ابنُ الوليدِ النافينَ للسّهوِ بالغلوّ ونسبَ القولَ بنفي السّهو عنهم إلى الغُلاةِ والمُفوّضة! (لاحِظ: مَن لا يحضرُه الفقيه: 1 / 359). تنبيه: لم ينفِ الشيخ الصدوق واستاذه ابن الوليد العصمة مطلقاً عن الأنبياء والأئمة، فهما يثبتان العصمة بكل تشعباتها – كما تقدم نقل عبارته - ولكن حصل عنده شبهة في مسألة سهو النبي (ص). أقولُ: وهذا القولُ لم يتابِعهُ عليهِ أحدٌ منَ الشيعة، فقد تتالَت الردودُ على الشيخِ الصّدوقِ مِن زمانِه وإلى زمانِنا هذا، قالَ الشيخُ المُفيد: إنَّ الأئمّةَ القائمينَ مقامَ الأنبياءِ (ص) في تنفيذِ الأحكامِ وإقامةِ الحدودِ وحفظِ الشرائعِ وتأديبِ الأنامِ معصومونَ كعصمةِ الأنبياءِ ... وأنّه لا يجوزُ منهم سهوٌ في شيءٍ في الدينِ ولا ينسونَ شيئاً منَ الأحكام، وعلى هذا مذهبُ سائرِ الإماميّة إلّا مَن شذَّ منهُم وتعلّقَ بظاهرِ رواياتٍ لها تأويلاتٌ على خلافِ ظنّه الفاسدِ مِن هذا الباب، والمُعتزلةُ بأسرِها تُخالفُ في ذلكَ و تجوّزُ منَ الأئمّةِ وقوعَ الكبائرِ والردّةِ عن الإسلام . (أوائلُ المقالاتِ للمُفيد، ص65.) وقالَ أيضاً: وقد سمعنا حكايةً ظاهرةً عن أبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ الحسنِ بنِ الوليد – رحمَه الله - لم نجِد لها دافعاً في التقصيرِ، وهيَ ما حُكي عنه أنّه قالَ: أوّلُ درجةٍ في الغلوِّ نفيُ السّهوِ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم والإمامُ - عليهِ السلام – فإن صحّت هذه الحكايةُ عنه فهوَ مُقصّر. (تصحيحُ الاعتقادِ، ص135). وقد ألّفَ الشيخُ المفيدُ رسالةً للردِّ على الشيخِ الصدوقِ في هذهِ المسألةِ تُعرَفُ برسالةِ عدمِ سهوِ النبيّ (ص)، وهيَ مطبوعة. وألّفَ المُحدّثُ الإماميُّ الشيخُ إسحاقُ بنُ الحسنِ العقرائي مِن تلامذةِ الشيخِ الكُليني، كتاباً في نفي السهوِ عن النبيّ (ص). (رجالُ النجاشي، ص74). ـ وقالَ العلّامةُ الحلّي: على أنَّ أبا جعفرٍ بنَ بابويه قالَ ها هُنا قولاً ضعيفاً. لا يُصارُ إليه، وأنا أذكرُ قولهُ هنا – فذكرَ كلامَه فقالَ: ـ  هذا آخرُ كلامِ ابنِ بابويه وهوَ خارجٌ عن سُننِ الصّواب. والحقُّ رفعُ منصبِ النبيّ - صلّى اللهُ عليهِ وآله - عن السّهو، وقد بيّنّا ذلكَ في كُتبِنا الكلاميّة ، إذ هوَ الموضعُ المُختصُّ به . (مختلفُ الشيعة: 2 / 200). ـ وقالَ الشهيدُ الأوّل بعدَ أن ذكرَ روايةَ ذي اليدينِ مِن طريقِ العامّة: وهو متروكٌ بينَ الإماميّة، لقيامِ الدليلِ العقليّ على عصمةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله عن السّهو، ولم يصِر إلى ذلكَ غيرُ ابنِ بابويه - رحمَه الله - ونقلَ عن شيخِه محمّدٍ بنِ الحسنِ بنِ الوليد أنّه قالَ: أوّلُ درجةٍ منَ الغلوّ نفيُ السّهو عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله. وهذا حقيقٌ بالإعراضِ عنه، لأنَّ الأخبارَ مُعارضَةٌ بمثلِها فيرجعُ إلى قضيّةِ العقلِ، ولو صحَّ النقلُ وجبَ تأويلهُ، على أنَّ إجماعَ الإماميّةِ في الأعصارِ السّابقةِ على هذينِ الشيخينِ واللاحقةِ لهُما على نفي سهوِ الأنبياءِ والأئمّةِ عليهم الصّلاةُ والسلام. (ذكرى الشيعةِ للشهيدِ الأوّل: 4 / 10).ـ وقالَ المُحقّقُ الداماد: وليعلمَ أنّ حُكمَ الميزانِ العقليّ والبُرهانِ الحِكمي وجوبُ عصمةِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) السّانِّ للسُنّةِ الإلهيّةِ عن السّهوِ فيما يتعلّقُ بأُمورِ الدينِ وأحكامِ الشرع ... فهذا مذهبُ أصحابِنا، أعني أعيانَ الفرقةِ الناجيةِ الإماميّةِ رضوانُ اللهِ عليهم. ومسلكُ الصّدوقِ - في قولِه: "وكانَ شيخُنا محمّدٌ بنُ الحسنِ بنِ أحمدَ بنِ الوليد يقولُ : أوّلُ درجةٍ في الغلوّ نفيُ السهوِ عن النبيّ" - بعيدٌ عن مسيرِ الصحّة.  بل الصّحيحُ عندي على مشربِ العقلِ ومذهبِ البُرهان أنّ أوّلَ درجةٍ في إنكارِ حقِّ النبوّةِ إسنادُ السّهوِ إلى النبيّ فيما هوَ نبيٌّ فيه . ولا مُغالاة في إثباتِ العصمِة فيها لتبليغِه وتكميلِه البعثة ؛ إذ هذهِ الملكة لنفسِ النبيّ إنّما هيَ بإذنِ الله وعصمتِه وفضلِه ورحمتِه وتأييدِه وتسديدِه .وتمامُ تحقيقِ الأمرِ هناكَ على ذمّةِ حيّزِه الطبيعيّ مِن كتابِنا تقويمِ الإيمان . (الرواشحُ السماويّة، ص143). ـ ويُحكى عن الشيخِ البهائيّ أنّه سُئلَ عن سهوِ النبيّ (ص) وعن كونِ الصّدوقِ يعتقدُ بذلك، فأجابَ بأنّ ابنَ بابويه أولى بالسّهوِ منَ النبيّ (ص). (الدرُّ المنثورُ سبطُ الشهيدِ الثاني: 1 / 136). ـ وقالَ العلّامةُ المجلسي: إنَّ أصحابَنا الإماميّةَ أجمعوا على عصمةِ الأنبياءِ والأئمّةِ صلواتُ اللهِ عليهم منَ الذنوبِ الصغيرةِ والكبيرةِ عمداً وخطأً ونسياناً قبلَ النبوّةِ والإمامةِ وبعدَهُما بل مِن وقتِ ولادتِهم إلى أن يلقوا اللهَ تعالى ، ولم يُخالِف في ذلكَ إلّا الصّدوقُ محمّدٌ بنُ بابويه وشيخُه ابنُ الوليدِ قدّسَ اللهُ روحَهما فإنّهما جوّزا الإسهاءَ منَ اللهِ تعالى لا السّهوَ الذي يكونُ منَ الشيطانِ في غيرِ ما يتعلّقُ بالتبليغِ وبيانِ الأحكامِ وقالوا : إنَّ خروجَهما لا يُخلُّ بالإجماعِ لكونِهما معروفي النسبِ . (بحارُ الأنوار: 25 / 350). وغيرُها منَ الكلماتِ الكثيرة. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.