ماهو تفسير آيةُ الاستخلافِ في سورةِ النور؟ والمخالفين يستدلون بها ع خلافة الاول والثاني!

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،مِن خلالِ الرجوعِ إلى كتبِ التفسيرِ يتبيّنُ لنا أنّ هناكَ خلافاً واضحاً بينَ المُفسّرينَ منَ الفريقينِ في بيانِ هذهِ الآية ، وهذا ما أشارَ إليه الشيخُ الطبرسيّ (ره) عند تعرّضِه لهذهِ الآيةِ لـمّا بيّنَ الصحيحَ مِنها في تفسيرِه مجمعُ البيان، (ج ٧/ص ٢٦٧)، إذ يقول: واختُلفَ في الآيةِ فقيلَ: إنّها واردةٌ في أصحابِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم . وقيلَ : هيَ عامّةٌ في أمّةِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم عن ابنِ عبّاس ، ومجاهد . والمرويُّ عن أهلِ البيتِ عليهم السلام : أنّها في المهديّ مِن آلِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم . وروى العياشيُّ بإسنادِه عن عليٍّ بنِ الحُسين عليهِ السلام أنّه قرأ الآيةَ ، وقالَ : هُم واللهِ شيعتُنا أهل البيت . يفعلُ اللهُ ذلكَ بهم على يدي رجلٍ منّا ، وهوَ مهديُّ هذهِ الأمّة ، وهوَ الذي قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم : " لو لم يبقَ منَ الدّنيا إلّا يومٌ واحدٌ لطوّلَ اللهُ ذلكَ اليوم ، حتّى يليَ رجلٌ مِن عِترتي ، اسمُه اسمِي ، يملأ الأرضَ عدلاً وقِسطاً كما مُلئَت ظُلماً وجوراً " . ورويَ مثلُ ذلكَ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام ، وأبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام . فعلى هذا يكونُ المرادُ ب‍ ( الذينَ آمنوا وعملوا الصالحات ) : النبيُّ وأهلُ بيتِه ، صلواتُ الرحمنِ عليهم . وتضمّنَت الآيةُ البشارةَ لهُم بالاستخلافِ ، والتمكّنَ في البلادِ ، وارتفاعَ الخوفِ عنهم عندَ قيامِ المهديّ عليهِ السلام منهم . ويكونُ المرادُ بقولِه ( كما استخلفَ الذينَ مِن قبلهم ) هوَ أن جعلَ الصالحَ للخلافِ خليفةً مثلَ آدمَ ، وداودَ ، وسليمانَ عليهِ السلام . ويدلُّ على ذلكَ قولهُ : ( إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً) ، و ( يا داودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرض ) ، وقولهُ ( فقد آتينا آلَ إبراهيمَ الكتابَ والحكمةَ وآتيناهُ مُلكاً عظيماً ) . وعلى هذا إجماعُ العترةِ الطاهرةِ ، وإجماعُهم حُجّةٌ ، لقولِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم : " إنّي تاركٌ فيكُم الثقلين كتابَ اللهِ ، وعترتي أهلَ بيتي ، لن يفترّقا حتّى يرِدا عليَّ الحوض " . وأيضاً فإنَّ التمكينَ في الأرضِ على الإطلاق ، لم يتّفِق فيما مضى ، فهوَ مُنتظرٌ لأنَّ اللهَ عزَّ اسمُه ، لا يُخلِفُ وعدَه . وجاءَ في تفسيرِ كنزِ الدقائقِ للمشهديّ (ج ٩/ص ٣٣٧) نقلاً عن شرحِ الآياتِ الباهرة: قالَ محمّدٌ بنُ يعقوب - رحمَه اللَّه - : روى الحسينُ بنُ محمّد ، عن مُعلَّى بنِ محمّد ، عن الوشّاءِ ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ سنان قالَ : سألتُ أبا عبدِ اللَّه - عليهِ السّلام - عن قولِ اللَّه - عزّ وجلّ - : « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم» . قالَ : نزلَت في عليٍّ بنِ أبي طالب والأئمّةِ مِن ولدِه - عليهم السّلام . « ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يَعبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ » . قالَ : عنى به ظهورَ القائمِ - عليهِ السّلام . وأمّا ما يتعلّقُ بقولِ جمهورِ العامّةِ الذينَ حملوا هذهِ الآيةَ على خلافةِ الأوّلِ والثاني، فالجوابُ عنهُ يتّضحُ مـمّا وردَ في تفسيرِ كنزِ الدقائقِ للمشهديّ (ج ٩/ص ٣٣٧) ونحوه في تفسيرِ نورِ الثقلين ِوغيرِهما. إذ إنّ علماءَنا (المُتقدّمينَ والمُتأخّرينَ والمُعاصرين) متّفقونَ في تفسيرِ هذهِ الآيةِ على التنبيهِ على أمرٍ مُهمٍّ لا بدّ منه يكونُ مُمهّداً لبيانِ حقيقةِ هذهِ الآية، وهوَ: كيفَ يكونُ التّمكينُ في الدّينِ وانتشارُ الأمرِ في المؤمنين، معَ إثارةِ الفتنِ وإيقاعِ الحروب؟ فلذا كانَ جوابُهم صريحاً في هذا الموضعِ باستنادِهم إلى ما وردَ عن أهلِ بيتِ العصمةِ (عليهم السلام)، إذ أوردوا روايةً عن المُفضّلِ عن الإمامِ الصّادقِ - عليهِ السّلام تبيّنُ حقيقةَ ذلك، ننقلُ مِنها موضعَ الشاهد، إذ يقولُ الإمامُ الصّادقُ (ع) في هذا الصّدد : وكذلكَ القائمُ . فإنّه تمتدُّ أيّامُ غيبتِه ، ليُصرّحَ الحقُّ عن محضِه ، ويصفو الإيمانُ منَ الكدر ، بارتدادِ كلِّ مَن كانَت طينتُه خبيثةً، منَ الشّيعةِ الَّذينَ يُخشى عليهم النّفاقُ ، إذا أحسّوا بالاستخلافِ والتّمكينِ والأمنِ المُنتشرِ في عهدِ القائمِ - صلواتُ اللَّهِ عليه . قالَ المُفضّل : فقلتُ : يا ابنَ رسولِ اللَّه ! فإنّ هذهِ النّواصبَ تزعمُ أنَّ هذه الآيةَ نزلَت في أبي بكرٍ وعمرَ وعُثمان وعليٍّ - عليهِ السّلام .فقالَ : لا يهدي اللَّهُ قلوبَ النّاصبةِ ! متى كانَ الدّينُ الَّذي ارتضاهُ اللَّهُ ورسولهُ ، مُتمكّناً بانتشارِ الأمنِ في الأمّةِ وذهابِ الخوفِ مِن قلوبِها وارتفاعِ الشّكِّ مِن صدورِها ، في عهدٍ واحدٍ مِن هؤلاء ، وفي عهدِ عليّ ! ؟ معَ ارتدادِ المُسلمينَ والفتنِ الَّتي تثورُ في أيّامِهم ، والحروبِ الَّتي كانَت تنشبُ بينَ الكُفّارِ وبينهم . وفي كتابِ الاحتجاجِ  للطَّبرسيّ رحمَه اللَّه (1/256) عن أميرِ المؤمنينَ - عليهِ السّلام - حديثٌ طويل ، وفيهِ يقول - بعدَ ذكرِ معايبِ الثّلاثةِ وإمهالِ اللَّهِ إيّاهم - :كلُّ ذلكَ لتتمَّ النظرةُ التي أوجبَها اللَّهُ - تباركَ وتعالى - لعدوِّه إبليس ، إلى أن يبلغَ الكتابُ أجلَه ، ويحقَّ القولُ على الكافرينَ ، ويقتربَ الوعدُ الحقُّ الَّذي بيّنَه اللَّهُ في كتابِه ، بقولِه : « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم » . وذلكَ إذا لم يبقَ منَ الإسلامِ إلَّا اسمُه ، ومنَ القرآنِ إلَّا رسمُه ، وغابَ صاحبُ الأمرِ بإيضاحِ الغدرِ له في ذلكَ ، لاشتمالِ الفتنةِ على القلوبِ ، حتّى يكونَ أقربُ النّاسِ إليه أشدّهم عداوةً له . وعندَ ذلكَ يؤيّدُه اللَّهُ بجنودٍ لم تروها ، ويُظهرُ دينَ نبيّه - صلَّى اللَّهُ عليهِ وآله - على يديه ، على الدّينِ كلَّه ولو كرهَ المُشركون . « ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم» - وهو الإسلام - بالتّقويةِ والتّثبيتِ. ودمتُم سالِمين.