بيان معنى قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}.

أسامة الساعدي/العراق/: على المسلمين أن يطلبوا العلم المادي من مصادره الحقيقية؛ وأن لا يستمعوا لما يردده بعض الخطباء على المنابر من أن القرآن الكريم قد احتوى على كل العلوم.   كتبتُ كثيراً عن هذا المعنى؛ وفي مرة من المرات اعترض علينا بعض الأخوة بقوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} بدعوى أن الآية الكريمة صريحة في أن القرآن قد احتوى على كل شيء.. عبارة (كل شيء) تُفهم بحسب سياقها؛ فحينما نقول: (بيت فلان كامل يحتوي على كل شيء) نقصد بذلك كل ما يحتاجه البيت من فرش وأثاث ومواد.. ولا نقصد أن البيت يحتوي على كل شيء في هذا الوجود!..       حينما نقول: (محل العطار يحتوي على كل شيء) أي كل شيء من شأنه أن يُباع في هكذا محل.. والقرآن الكريم كتاب هداية ودين؛ فإذا قيل بأنه يشتمل على كل شيء؛ فالمقصود كل شيء يحتاجه الإنسان في أمور دينه وهدايته.       يا إخوتنا يا رجال الدين؛ لا تضللوا الناس! القرآن الكريم كتاب بصائر وشريعة؛ والمسلمون ينبغي أن يأخذوا العلم الدنيوي من مصادره المادية الطبيعية ليرتقوا إلى مصاف الأمم المتقدمة.

: اللجنة العلمية

الجواب:

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: 

  لا يمكن لأحدٍ أن يَدّعي أن في القرآن تفاصيل كلِّ الأشياء والعلوم، فهذا مخالفٌ لواقع القرآن نفسه، فالقرآن الكريم لم يُشِر إلى تفاصيل أهمِّ ركنٍ في الإسلام، وهي الصلاة، فلم يذكر لنا كم هو عدد ركعتي صلاة الفجر، ولا عدد ركعات بقية الصلوات، فضلاً عن ما ينبغي لنا قوله في السجود والركوع والتشهّد والتسليم، وكذلك لم يُفصِّل لنا الكثير من أحكام الصوم والحج والزكاة والخمس وبقية الأمور العبادية، فكيف تريدون منه بقية التفاصيل في كلّ شيء؟!

  فهذه الدعوى بأن القرآن فيه تفاصيل كل الأشياء والعلوم هي دعوى باطلة ولا واقع لها مطلقاً.

  تقول: فما هو المقصود إذن من قوله تعالى: {...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ...}(النحل: 89)؟!

  نقول: بعد عدم دلالة الآية المُتقدِّمة على وجود كلّ التفاصيل للأشياء والعلوم في القرآن الكريم، كما أوضحناه قبل قليل، يكون المراد منها أحد أمرين:

  إما أن يكون المراد بها الوجود الإجمالي لكل أصول العلوم والمعارف في القرآن الكريم، وهو الأمر الذي ما زالت البشرية تشير إليه في كل زمانٍ ومكان بأنّ هذه النظرية أو تلك أصلها موجود في القرآن الكريم.

  أو يكون المراد به الخاصّ من العام، بمعنى فيه تبيانٌ لكلِّ شيءٍ يتعلّق بأمور دينكم، وليس مطلق الأشياء، فمثلاً: أنتم تحتاجون إلى معرفة أحكام الصلاة وعدد ركعاتها وما تقولون في سجودها وركوعها، هذا الأمر أوكلناه إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو المسؤول عن البيان التفصيلي للأحكام، وهو ما تُرْشِد إليه آيةٌ صريحة واضحة جاء فيها: {...وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...}(النحل:44)، فبيان الأحكام تأخذونه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يُعدُّ تبياناً لمعرفة أحكام الدين، وهذا هو المناسب لمعنى كلمة (تبيان) التي تعني بياناً مع دليلٍ وبرهان، خلاف كلمة (بيان) التي تعني الإظهار اللفظي فقط من دون ذكر الدليل والبرهان.

  ودمتم سالمين.