سُؤَالٌ عَنْ وَثَاقَةِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّادِقِ (ع).

أُسَامَةُ رَحِيمٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.. هَلْ طَعَنَ النَّجاشِيُّ فِي كِتَابِهِ (رِجَالُ النَّجاشِيِّ) بِالمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ؟ وَهَلْ المُفَضَّلُ بْنِ عُمَرَ مِنْ الثُّقَاةِ؟

: اللجنة العلمية

      الأَخُ أُسَامَةُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

      لَقَدْ جَاءَ عَنْ الشَّيْخِ النَّجاشِيِّ فِي حَقِّ المُفَضَّلِ مَا نَصُّهُ: 

       (مُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الجعْفيُّ، كُوفِيٌّ، فَاسِدُ المَذْهَبِ، مُضْطَرِبُ الرِّوَايَةِ، لَا يُعْبَأُ بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ خِطَابِيًّا، وَقَدْ ذُكِرَتْ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا). [رِجَالُ النَّجاشِيِّ: 416].

      المُحَقِّقُ السَّيِّدُ الخُوئِيُّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) قَدْ تَتَبَّعَ أَقْوَالَ الرِّجَالِيِّينَ كُلِّهِمْ فِي المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَاسْتَعْرَضَهَا فِي كِتَابِهِ "مُعْجَمِ رِجَالِ الحَدِيثِ" ثُمَّ صَرَّحَ قَائِلًا:) الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ نِسْبَةَ التَّفْوِيضِ والخِطَابِيَّةِ إِلَى المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ لَمْ تَثْبُتْ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الغَضَائِريِّ، إِلَّا أَنَّ نِسْبَةَ الكِتَابِ إِلَيْهِ لَمْ تَثْبُتْ، كَمَا مَرَّتْ الإِشَارَةُ إِلَيْهِ غَيْرُ مَرَّةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الكَشِّيِّ وَإِنْ كَانَ أَنَّ المُفَضَّلَ كَانَ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ صَارَ خِطَابيًّا، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا شَاهِدَ عَلَيْهِ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ كَلَامُ النَّجاشِيُّ حَيْثُ قَالَ: "وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ خِطَابيًّا" فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ ارْتِضَائِه، وَإنَّهُ قَوْلٌ قَالَهُ قَائِلٌ.

      وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرِّوَايَاتِ الوَارِدَةِ فِي ذَمِّهِ فَلَا يُعْتَدُ بِمَا هُوَ ضَعِيفُ السِّنَدِ مِنْهَا، نَعَمْ، إِنَّ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ مِنْهَا تَامَّةُ السَّنَدِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَدِّ عِلْمِهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّهَا لَا تُقَاوِمُ مَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ الكَثِيرَةِ المُتَضَافِرَةِ الَّتِي لَا يَبْعُدُ دَعْوَى العِلْمِ بِصُدُورِهَا مِنْ المَعْصُومِينَ إِجْمَالًا، عَلَى أَنَّ فِيهَا مَا هُوَ الصَّحِيحُ سَنَدًا، فَلا بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَا وَرَدَ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي ذَمِّ زُرَارةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَضْرَابِهِمْ.

      وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الإخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَأَمَّا ما رُوِيَ عَنْ الكَاظِمِ وَالرِّضَا (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) فَكُلُّهَا مَادِحَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا يَكْشِفُ عَنْ أَنَّ القَدْحَ الصَّادِرَ عَنْ الصَّادِقِ سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةٍ.

      وَيَكْفِي فِي جَلَالَةِ المُفَضَّلِ تَخْصِيصُ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِيَّاهُ بِكِتَابِهِ المَعْرُوفِ بِتَوْحِيدِ المُفَضَّلِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ النَّجاشِيُّ بِكِتَابِ فِكْرٍ، وَفِي ذَلِكَ دِلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ المُفَضَّلَ كَانَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِ وَمَوْرِدِ عِنَايَتِهِ.

      أَضِف إِلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوْثِيقِ الشَّيْخِ المُفِيدِ إِيَّاهُ صَرِيحًا، وَمِنْ عَدِّ الشَّيْخِ إِيَّاهُ مِنْ السُّفَرَاءِ المَمْدُوحِينَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ النَّجاشِيُّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ "فَاسِدَ المَذْهَبِ، مُضْطَرِبَ الرِّوَايَةِ لَا يُعْبَأُ بِهِ... وَقَدْ ذُكِرَتْ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا" فَفِيهِ تَفْصِيلٌ:

      أَمَّا قَوْلُهُ: "فَهُوَ فَاسِدُ المَذْهَبِ" فَيُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّيْخِ المُفِيدِ مِنْ عَدِّهِ مِنْ الفُقَهَاءِ الصَّالِحِينَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَبِطَانَتِهِ، وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا تَرْجِيحَ كَلَامِ الشَّيْخِ المُفِيدِ عَلَى كَلَامِ النَّجاشِيِّ مِنْ جِهَةِ مُعاضَدَتِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الرِّوَايَاتِ الَّتِي لَا يَبْعُدُ دَعْوَى التَّبَادُرِ الإِجْمَالِيِّ فِيهَا.

      وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مُضْطَرِبُ الرِّوَايَةِ" فَهُوَ إِنْ صَحَّ لَا يَكْشِفُ عَنْ عَدَمِ الوَثَاقَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَرْجُمَةِ المُعلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ البَصْرِيِّ.

      وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَقَدْ ذُكِرَتْ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا" فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَنْ أَنَّهُ فَاسِدُ المَذْهَبِ، مُضْطَرِبُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ عَرَفْتَ الحَالَ فِيهِ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ المُصَنَّفَاتِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا مُصَنَّفَاتُ المُفَضَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مَذْكُورٌ، وَالطَّرِيقُ الَّذِي ذَكَرَهُ إِلَى كُتُبِهِ ضَعِيفٌ. 

      وَالنَّتِيجَةُ أَنَّ المُفَضَّلَ بْنَ عُمَرَ جَلِيلٌ، ثِقَةٌ، وَاللهُ العَالِمُ. (انْتَهَى) [مُعْجَمُ رِجَالِ الحَدِيثِ: 328 -330].

        وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.